القاهرة ـ أ ش أ
أكد الباحث الأثري سامح الزهار المتخصص في الآثار الإسلامية والقبطية أن وظيفة جهاز الشرطة من الوظائف المهمة في التاريخ الإسلامي ولها تأثير مهم على حياة المجتمع، وتتمثل في رجال الأمن الذين يعتمد عليهم في حفظ الأمن والأمان للمواطنين وتنفيذ الأحكام العامة حيث أنها تمثل سلطةً تنفيذية بمنزلة جيش الأمن الداخلي. وأشار الزهار –بمناسبة الاحتفال بعيد الشرطة الذي يوافق 25 يناير/كانون الثاني من كل عام – إلى أن منصب رجل الشرطة في التاريخ الإسلامي كان متقيدًا بآداب الإسلام وتشريعاته رافعًا لرايته منفذا لاحكامه، حيث أن الحضارة الإسلامية حضارة قانون وتشريع ودولة مكتملة الأركان قوية داخليا وخارجيا تقتدي بها الأمم. وسرد الباحث الأثرى تطور النظام الشرطي منذ عهد الرسول "صل الله عليه وسلم" والخلفاء الراشدين، مشيرًا إلى أن المسلمين قد عرفوا نظام الشرطة منذ عهد النبي الكريم وإن لم تكن منظمة على شاكلتها الآن، إلا أنه ذكر البخاري في صحيحه " أن قيس بن سعد كان يكون بين يدي النبي بمنزلة صاحب الشرطة من الأمير"، موضحًا أن أول من ابتدع نظام "العس" هو الخليفة عمر بن الخطاب حيث كان يعس بالمدينة (بمعني أن يطوف المدينه ليلًا) ليتفقد أحوال الرعية. وبالنسبة للشرطة في عهد الدولة الأموية، قال الزهار إن معاوية بن أبي سفيان توسع في إنشاء الجهاز الشرطي وتطويره وأضاف إليه شرطة الحرس الشخصي، وكان أول من اتخذ الحرس في الحضارة الإسلامية ولذلك فإن الشرطة في الخلافة الأموية كانت أداة لتنفيذ أوامر الحاكم. وأضاف أنه في بعض الأحيان ارتفعت رتبة صاحب الشرطة في الدولة الأموية حتى تولاها الأمراء ففي عام 110هـ عندما تم تعيين خالد بن عبد الله على ولاية البصرة جمع معها منصب صاحب الشرطة. وأوضح أنه بالنسبة للشرطة في عهد الخلافة العباسية فقد أنفقت الخلافه على بناء السجون من بيت المال إذ كفت هذه السجون شر المجرمين عن الناس، ولكن لم يمنع هذا الأمر أن تنفق الدولة على السجناء، ولذلك اقترح القاضي أبو يوسف على الخليفة هارون الرشيد تزويد المساجين بملابس قطنية صيفًا وصوفية شتاء، كما حرصت الخلافة العباسية على تعيين أصحاب الشرطة المعروف عنهم العلم والتقوى والفقه ونتيجة لكفاءة بعض القادة العسكريين في الخلافة العباسية، لافتا إلى أنه تم تعيين المأمون عبد الله بن طاهر بن الحسين قائدًا لشرطة عاصمة الخلافة بغداد بعدما أثبت جدارة عسكرية في حروبه وفتوحاته. وأكد أن مهمة صاحب الشرطة في هذا العصر كانت متعددة فكان أهمها استتباب الأمن والضرب على أيدي اللصوص والمفسدين والمحافظة على الآداب العامة ومنع النساء من التبرج وزيارة المقابر وضرب المخنثين ومنع الملاهي ومحاربة الخمور. وأشار إلى أن مؤسسة الحكم حرصت على اختيار الأذكياء لولاية الشرطة ولم يكن شرطا أن يكونوا ذو بأس قوة فقط وقد عرفت وظيفة صاحب الشرطة في معظم الدول الإسلامية واتخذت أسماء مختلفة فسمي صاحب الشرطة في أفريقيا (الحاكم) وفي عصر المماليك (الوالي). ولفت إلى أن الشرطة في مصر كانت من أهم وظائف الدولة وكان صاحبها من عظماء الرجال فهو ينوب عن الوالي في الصلاة وتوزيع الأعطيات، مشيرًا إلى أن مقر الشرطة في مصر كان ملاصق لجامع العسكر وسميت بالشرطة العليا وكان صاحب الشرطة يستعلم متجددات ولاياته من نوابه ثم تكتب تقارير أو مطالعات بذلك وترفع إلى السلطان، وكانوا في تسليحهم يحملون (الطبرزين) وهو عبارة عن سكين طويل يحملونها معلقة في أوساطهم. وعن الشرطة في الأندلس، قال الباحث الآثرى سامح الزهار إن الأندلسيين ابتدعوا لمنصب صاحب الشرطة الذي يلقب بـ "صاحب المدينة" قسمين مهمين الأول (الشرطة الكبرى) ودورها الضرب على أيدي أقارب السلطان ومواليه وأهل الجاه، وكان له كرسي بباب السلطان وكان من المرشحين دائما للوزارة أو الحجابة، أما المهمة الثانية فهى (الشرطة الصغرى) وهي لعامة الناس. وأكد أنه لا شك أن ابتكار منصب "الشرطة الكبرى" يدل على أن الحضارة الإسلامية كانت حضارة تحترم القوانين والاحكام المجتمعية ولا تفرق بين غني أو فقير أو بين رئيس ومرؤوس.