القاهرة - أ.ش.أ
تبت يداه" من أدمى قلب مصر" .. صيحة المصريين فى ساعة الحزن والدوي الغادر للضربة الإرهابية الجديدة التي طالت ضمن ماطالته متحف الفن الإسلامي الذي يحوي مجموعة من أندر وأروع الكنوز الثقافية على مستوى العالم الإسلامي تغطي ما يقرب من 12 قرنا هجريا. فى ساعة للحزن وسط أعمدة الدخان والغبار والدموع التى تصاعدت حول مبنى المتحف الإسلامي بقلب القاهرة ، بدا الشارع المصرى فى حالة صدمة واستنكار بالغ لجريمة طالت أثرا ورمزا ثقافيا مهيبا من رموز حضارة مصر وعقلها ورسالتها الحضارية وقوتها الناعمة. ويعد متحف الفن الإسلامي بالقاهرة من أكبر المتاحف الإسلامية في العالم إن لم يكن أكبرها على الإطلاق ، فيما يضم مجموعات متنوعة من الفنون الإسلامية وتجلياتها الثقافية بمصر والشام وجزيرة العرب وشمال أفريقيا والأندلس جنبا إلى جنب مع إيران والهند وأفغانستان والصين. وقال وزير الدولة لشئون الآثار الدكتور محمد إبراهيم إن متحف الفن الإسلامي دمر بالكامل نتيجة للحادث الإرهابي الذي استهدف مديرية أمن القاهرة ، موضحا أن المتحف "يحتاج لإعادة بناء من جديد بسبب التأثر الشديد لجدرانه ومقتنياته". وترجع فكرة إنشاء دار تجمع التحف الإسلامية في مصر إلى العام 1869 في عهد الخديوي توفيق حيث بدأ الأمر بما سمي بـ الإيوان الشرقي" في جامع الحاكم بأمر الله حتى ضاق بالتحف ليبنى المتحف الحالي في ميدان باب الخلق أحد أشهر ميادين القاهرة ويفتتحه الخديوي عباس حلمي يوم الثامن والعشرين من ديسمبر العام 1903. وحسب تصريحاته التي نشرتها صحف ووسائل إعلام قال الدكتور محمد إبراهيم إن "التقديرات الأولية أشارت إلى تحطم معظم ديكورات متحف الفن الإسلامي وتساقط الأسقف وتهشم الزجاج الخارجي للمبنى الأثري وتهشم كامل لفاترينات عرض المقتنيات الأثرية نتج عنه تهشم للعديد من المقتنيات من بينها المحراب الخشبي النادر للسيدة رقية الذي تحطم بالكامل". وتميزت واجهة متحف الفن الإسلامي المطلة على شارع بور سعيد بقلب القاهرة بزخارفها الإسلامية المستوحاة من العمارة الإسلامية في عصورها المختلفة بمصر فيما يضم الطابق الأول للمتحف قاعات العرض بينما استخدم الطابق الثاني كمخزن ومشغل لترميم الآثار. وأعاد الدكتور محمد إبراهيم للأذهان أن متحف الفن الإسلامي الذي دمرته يد الإرهاب بلغت تكلفة تطويره أكثر من 107 ملايين جنيه "ويحتاج الآن إلى أضعاف هذا المبلغ من قوت الشعب المصري لإعادته إلى ما كان عليه". وكانت مصر قد شهدت أمس الجمعة سلسلة من الانفجارات طالت عدة مناطق من بينها مديرية أمن القاهرة وقبالة محطة مترو البحوث ومحيط قسم شرطة الطالبية بمحافظة الجيزة وعند سينما رادوبيس بالهرم ليسقط بعض الضحايا ما بين شهداء وجرحى. ويقع متحف الفن الإسلامي قبالة مديرية أمن القاهرة بمنطقة باب الخلق التي تضررت فيها عدة واجهات لمباني ومحال تجارية جراء الانفجار القوي الذي استهدف مديرية الأمن ، بينما جرى فرض طوق أمنى حول المتحف لمنع التسلل داخله لحين إخلائه من الآثار. ويضم المتحف عشرة أقسام فنية تحوي مجموعات نادرة من النسيج والحلي والأسلحة والسجاد ومصاحف وكتب ومخطوطات لا مثيل لها إلى جانب إبداعات الخزف الإسلامي والأحجار والرخام ، فيما يوصف بمحراب السيدة رقية الذي تعرض للدمار الإرهابي بأنه "أقدم وأروع محراب خشبي في العالم". وطالت يد الغدر الإرهابي أيضا " أبريق محمد بن مروان" و"كرسي محمد بن قلاوون" و"كشكاوات السلطان حسن" ، فيما يعبر سيد الدميري المواطن المصرى الذى درس بالأزهر الشريف ببلاغة عن لسان حال رجل الشارع عندما يقول :" تبت يداه من أشعل النار في قلب مصر" .مؤكدا أن من ارتكبوا هذه الجريمة الشنعاء "ما هم بمصريين وما هم بمسلمين" .ويضم متحف الفن الإسلامي بالقاهرة ما يزيد على مائة ألف قطعة أثرية متنوعة من إبداعات وتجليات الفنون والثقافة الإسلامية وهو يقوم أيضا بدور "المعهد التعليمي في مجال الآثار الإسلامية" ، ويتميز بتنوع مقتنياته ما بين الخشب والمعادن والنسيج والحلي والورق والخزف. وفيما أدانت رئاسة الجمهورية الهجمات الإرهابية التي شهدتها القاهرة امس وتعهدت بالقصاص ..مؤكدة أن "مسيرة الوطن لن تتوقف مهما حاول المعتدون ومهما تآمر الغادرون" ، ونعت القوات المسلحة "ببالغ الحزن والأسى شهداء الوطن الأبرار من رجال وزارة الداخلية والمواطنين الأبرياء الذين نالوا الشهادة نتيجة عملية جبانة لجماعات الظلام والإرهاب الأسود والتي استهدفت منشآت حيوية وشرطية" صباح أمس. وفيما تواصل الصحافة ووسائل الإعلام المصرية تنديدها "بجريمة الجمعة" وتبث تصريحات لشخصيات تنتمى للنخب الثقافية حول تدمير ثروة قومية وحضارية لا تقدر بثمن ، فإن رجل الشارع المصرى بدا أكثر غضبا وحزنا حيال تراثه الذي عمدت أياد آثمة لتدميره مستهدفة بحقدها الأسود كنوزا ثقافية لا تقدر بثمن. ولأول وهلة تجلى هول الكارثة على ملامح السكان فى المنطقة المحيطة بمديرية الأمن ومتحف الفن الإسلامي بباب الخلق وهي منطقة تقع ضمن ما يعرف بالقاهرة الخديوية. وتكشف التحف التي حواها هذا المتحف والموزعة على 25 قاعة مصنفة حسب العصور والمواد عن مدى سمو الفنان المسلم وذوقه الرفيع ودقته الفائقة. ويقول محمود عبد الرحمن الذي يقطن فى هذه المنطقة منذ أكثر من ثلاثة عقود "إن جريمة تدمير متحف الفن الإسلامي الذى اعتدت على المرور بجواره بصورة يومية لا يمكن ان يكون إلا من جانب أعداء مصر والحاقدين على مكانتها ونفذه مأجورون وجهلاء". ومنطقة القاهرة الخديوية بما فيها (باب الخلق) تتميز بتكويناتها المعمارية المميزة الناتج عن التفاعل الثقافي الحضاري النشط بين مصر وأوروبا ، فيما تمتد هذه المنطقة لتشمل أحياء وشوارع مميزة في قلب القاهرة بصروحها المعمارية فى عابدين وباب اللوق والفلكى ولاظوغلى وشارع مجلس الأمة والشيخ ريحان ومحمد محمود والقصر العينى والجامعة الأمريكية ووصولا لباب الخلق والعتبة. وكانت إيرينا بوكوفا المدير العام لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو) قد أدانت تدمير متحف الفن الإسلامي في القاهرة "الذي يتمتع بشهرة عالمية ويضم آلاف القطع الأثرية التي لا تقدر بثمن ..مشيرة في بيان صحفي إلى أن "هذا التراث هو جزء من التاريخ العالمي للإنسانية الذي يتشارك فيه الجميع ومن ثم يجب علينا أن نبذل كل ما في وسعنا من أجل صونه". وأكدت المسئولة الأممية على التزامها " بتعبئة جميع خبرات وتجارب (اليونسكو) من أجل إعادة بناء متحف الفن الإسلامي" ..موجهة نداء لكل الدول الأعضاء في المنظمة لدعم الأنشطة الرامية إلى إعادة بناء المتحف وترميم قاعاته ومعروضاته. وتقول الطالبة الجامعية مي حسن إن من أقدم على هذه الجريمة الشنعاء لا يستحق أن يوصف بأنه مصري وأبدت شعورا بالحزن البالغ حيال تدمير مبنى يرمز لإبداع مصر وروحها الإيمانية ، فيما يتساءل محمد عبد التواب الموظف بإحدى شركات البناء :"هل يمكن أن يكون من دمر مبنى كهذا مصريا أو ثوريا أويعرف معنى التقوى؟!. وكان الجانب الأيمن للداخل من الباب الرئيسي لمتحف الفن الإسلامي قد خصص للفن الإسلامي في مصر بداية من العصر الأموي وحتى نهاية العصر العثماني ، فيما يضم الجانب الأيسر قاعات عرض خصصت للفنون الإسلامية خارج مصر والقادمة من تركيا وإيران ..إضافة لقاعات نوعية منها قاعة للعلوم وأخرى للهندسة وثالثة للمياه والحدائق ، فضلا عن قاعات الكتابات والخطوط. وبدموع غزيرة ، قالت السيدة منال عبد الرحمن وهى ربة بيت تقطن في منطقة باب الخلق "إنهم يدمرون تاريخنا"..محذرة من أن هناك من يريد إحراق مصر وهدم كل أركان الدولة واستباحة القانون. ويعد متحف الفن الإسلامي ثاني مبنى يشيد بالخرسانة المسلحة في مصر بعد المتحف المصري وهو بحق أحد أصول الرأسمال الثقافي والرمزي لمصر التاريخية وذاكرتها ورسالتها الحضارية للعالم قاطبة وبهذا المعنى يدخل بامتياز ضمن رموز ما يعرف بالقوة الناعمة. وتقول مراجع التاريخ إن من بين الحضور في حفل افتتاح متحف الفن الإسلامي العام 1903 المفكر والإمام محمد عبده مفتي الديار المصرية وشيخ الأزهر الشريف حسونة النواوي إلى جانب الأمير أحمد فؤاد الذي أصبح ملكا بعدئذ ورياض باشا رئيس مجلس النظار واللورد كرومر المندوب السامي البريطاني ولفيف من الأعيان والصحفيين. وكان خبراء من فرنسا قد أسهموا في عملية ترميم وتطوير متحف الفن الإسلامي بالقاهرة التي استغرقت نحو ثمانية أعوام وانتهت في شهر أغسطس العام 2010 وتضمنت هذه العملية تهيئة القاعات وتصنيفها حسب التسلسل التاريخي وتزويدها بأحدث وسائل الإضاءة وفتارين وواجهات العرض وإنشاء مدرسة متحفية للأطفال وأخرى للكبار. وتأتي الجريمة النكراء التي تعرض لها متحف الفن الإسلامي فى وقت تشكل فيه قضية العدوان على الآثار والتحف والنفائس التاريخية هاجسا يؤرق العالم كله بقدر ما تحولت هذه القضية إلى هم عربى فى الآونة الأخيرة وموضع نقاش عام سواء على مستوى الصحافة ووسائل الإعلام أو الشارع بما يعكس إدراكا لأهمية الحفاظ على التراث الثقافي. لكن كل مصرى ينتمى لأرض الكنانة لن يسمح للأيادى الآثمة بتدمير تاريخه وذاكرته وإشعال النار في قلب مصر وتراثها الخالد..نعم إنها ساعة للحزن على جزء غال من تاريخ مصر والمصريين لكن مصر لم ولن تسقط كما يتمنى أعداؤها وحسادها .. فصبرا جميلا حتى يأتي الغد الأفضل رغم نزف الجراح وشظايا الغدر..غدا تنتصر القلوب الخضر وشفاه الضارعين وكلمة المخلصين.