دمشق - سانا
منذ ستينيات القرن الماضي والشاعر اللبناني الكبير جوزيف حرب 1944-2014 يغني المكتبة اللبنانية والعربية بمؤلفاته وأعماله النثرية والفكرية والشعرية بدءا من "عذارى الهياكل" عام 1960 حتى ديوان "كم قديم غداً" مرورا بشجرة الاكاسيا ومملكة الخبز والورد وغيرها الى دواوين بالعامية عبقت بأجمل وأروع الكلمات التي غنتها سفيرتنا الى النجوم السيدة فيروز كما غنى ولحن له مارسيل خليفة "غني قليلا يا عصافير". الشاعر الذي غيبه الموت ليل الاحد الماضي عن عمر ناهز الـ 70 عاماً بعد صراع مع المرض قال عنه توفيق الإمام معاون وزيرة الثقافة إنه "ساهم بما قدمه من روائع أدبية باغناء الثقافة العربية نظرا لما يمتلكه من موهبة فطرية مكنته من خلق منظومة شعرية جديدة تمثل حالة حداثوية حقيقية تخص الانسان العربي وهمومه دون ان يلجأ الى ضبابية الرمز والسريالية فكان قريبا من القارئ وكان مبدعا في كل ما أتى به سواء كان على صعيد الشعر أو الأغنية". وبين الامام أن حرب التزم ايقاعا خاصا به وقد يكون واحدا في معظم قصائده وخاصة في كتابة القصيدة المحكية التي تمكن من الوصول بها إلى رتبة الشعر الحقيقي.. لقد رحل جوزيف حرب وثقافته وشاعريته في تطور مستمر اما مواقفه الانسانية والوطنية فقد ظلت ثابتة حتى لفظ انفاسه الاخيرة. وقال الشاعر توفيق احمد "جوزيف حرب أحد أهم امراء الكلام واللغة والصورة الشعرية والبناء الفني للقصيدة والمتدفق كالنبع والسخي كغيمة ماطرة والهادر كالبحر والوادع كالصمت وهو شاعر الموقف المخلص دائما وابدا لرسالة الشعر في بناء الانسان والقيم الحضارية الانسانية". وأضاف هو رائد من رواد المسرح الغنائي العربي اثرى المكتبة العربية بالخالد من الاشعار وسيبقى صوته الشعري والانساني والاخلاقي عاليا طالما أنه اتحفنا بملاحمه البديعة. وقال الأديب عدنان كنفاني.. "غريد جديد يترجل ويغادر صهوة التعب ورعاف الكلمات ونشيج المفردات.. جوزيف حرب عجن الكلمات المحكية فخرجت من سحر بيانه جدائل من ثورة وعشق ونقاء روح.. حمل الوطن فنزف بين يديه وجع الاستلاب والظلم لكنه بقي ينبض في قلبه حتى الرجفة الأخيرة.. كان تارة يوجعنا عندما يضع مرآة قبالة شخوصنا نرى فيها ما نواريه وراء شاشة الجلد وتارة يسلب منا فضة أرواحنا فنحلق معه في فضاء الوجد خفافا.. ترك لنا ما يخلده في ذاكرتنا وذاكرة التاريخ". من جانبه رأى بشار منير مدير تحرير جريدة النور أنه في رحيل الشاعر الكبير جوزيف حرب خسارة كبيرة للكلمة الساحرة والمعبرة والجميلة التي زادها جمالا تألق فيروز في أدائها فوصلت إلينا كما يتمنى المتلقي. اما في دواوينه فكان الشاعر صرخة المواطن اللبناني العربي النظيف والشريف حيث دافع حتى وفاته عن قضية الشعب اللبناني ضد الاحتلال الإسرائيلي موضحا ان الراحل وقف في جميع مراحل حياته ضد المعضلات الكبرى التي يواجهها الوطن العربي من خلال أدبه وكتاباته. واما الناقد غسان غنيم استاذ الأدب الحديث في جامعة دمشق فأشار إلى أن الشاعر حرب شكل ظاهرة فنية فريدة في العصر الحديث والشعر المعاصر فقد استطاع من خلال لغته الشعرية التي "اتسمت بالطزاجة والدهشة والجدة" ان يخط اسلوبا فنيا جديدا بين شعراء الفترة المعاصرة مشكلا علاقة لا يمكن تجاوزها في مساحة الشعر العربي المعاصر. ومن خلال قراءة مجموعاته الشعرية لا بد من أن يقف الدارس أو الباحث أمام مجموعة من الموضوعات التي تناولت أهم القضايا التي يعانيها انسان هذا العصر من قومية أو وطنية أو انسانية أو حضارية وبأسلوب شعري ميزه عن الشعراء حتى إننا اذا ما قرأنا نصا مغفلا من اسم صاحبه اكتشفنا السمات الفنية التي ميزت شعر جوزيف حرب. وأوضح غنيم ان شعر الراحل الكبير حرب اتسم بالعمق وسعة الأفق الفكري وبالفنية العالية وبشيوع العلاقات اللغوية التي ميزت لغة الشعر الحديث وشكلت صورته المعاصرة من رمز واستخدام لكل المعطيات التراثية التي تشكل الخلفية الحضارية لإنسان هذه المنطقة مكونا بذلك الصورة الحقيقية لإنسان هذه المنطقة بكل تجلياته وصوره الايجابية والسلبية. وبين الدكتور والناقد ماجد قاروط أن الشاعر حرب شكل نقطة انعطاف هامة في شعرنا العربي.. انفرد بقضايا كثيرة فشعره يتميز بلغة فنية تكاد تكشف شخصيته من بين الكثير من الشعراء في جيله ولاسيما على الصعيد الفني تحديدا. كما انه يتمتع بذكاء لافت في عملية التعامل مع الصورة والانزياح الامر الذي يشكل حالة جمالية منفردة ووعيا معرفيا يناسب الانسان المعاصر وتطلعاته نحو طاقات فنية تفتح الأبواب لمستقبل شعري وفضاءات شعرية واسعة. الشاعر محمد عيسى قال.. "في هذا الموضوع كأن المبدع ينتسى وهو حي وبرحيل هذا الكبير ذكرنا ماذا له في ذمة الرحابنة وما هي وديعته عند فيروز" مبينا أن كلماته التي قدمها لفيروز فيها اعجاز حقيقي في الكلمات والصياغة والتعابير والموسيقا. وأوضح عيسى أن ما قدمه حرب لفيروز أضاف إلى عالم الفن والابداع الفني كثيرا فلا يمكن ان ننكر ان فيروز تميزت ايضا بكلمات أغانيه التي ادتها بصوتها الملائكي منها يا ريت- اسامينا- حبيتك تنسيت النوم إضافة إلى القه بأشعاره الاخرى الفصيحة والمحكية التي اغنت المكتبة العربية وأضافت إليها الكثير. من جانبه قال الشاعر الدكتور توفيق يونس مقرر جمعية الشعر في اتحاد الكتاب العرب في رحيل الشاعر الكبير جوزيف حرب "فقدت الثقافة العربية واحدا من أهم شعراء العصر الحديث فقد تميز شعره بخصوصية اكتملت فيها الأسس والمقومات الشعرية التي جعلته صاحب اسلوب منفرد يحمل في مفردات كلماته العاطفة والموسيقا والصورة المبتكرة". وأضاف أنه تميز ايضا في كثير من كتاباته بالقص الشعري الذي يقتصر على حالات انسانية مدهشة فحاول كثيرا من الشعراء تقليده إلا أنه ظل في حالة ابتكار متفردة بلورت اسلوبه وتركته ليكون نموذجا يحمل سماته الخاصة به حيث لا يمكن ان ننكر أيضا أن كثيرا من الالق الذي وصل اليه الغناء السوري حمل أيضا كلمات الشاعر جوزيف حرب وكانت الفنانة الكبيرة فيروز أهم نموذج مخضرم بين القرنين العشرين والحادي والعشرين. ولقد فقدت الأغنية العربية بحسب الشاعر الغنائي عيسى الضاهر أحد أهم كتابها لأن الأغنية التي لا تقدم كلاما جديدا يحمل الابداع ويمثل الانسان ويسمو شفافا لا يمكن أن يكون صالحا لدخول التاريخ فما قدمه الشاعر حرب ساهم كثيرا في ارتقاء الأغنية الفيروزية وبوصولها إلى مكانة عالية في الفن مكونا أسلوبا خاصا يطلع بمفرداته من الوطن وينتشر ليعم ارجاءه فيعتبره كل عربي انعكاسا لتطلعاته هكذا جوزيف حرب ترك كل هذا ومضى. يذكر أن جوزيف حرب ولد في بلدة المعمرية قضاء الزهراني عام 1944 توزعت طفولته وفتوته بين مسقط رأسه والبترون وجبيل وبيروت أنجز دراسته في مدرسة راهبات القلبين الأقدسين في جبيل أولا وفي المعهد الانطوني لاحقا.. اتخذ التعليم مهنة وفي الوقت عينه أكمل تخصصه الجامعي في كليتي الحقوق والآداب. وفي عام 1966 بدأ تجربته في الإذاعة اللبنانية مقدما بصوته برنامج مع الغروب كما كتب للتلفزيون العديد من البرامج الدرامية.. غنت له فيروز العديد من القصائد منها لبيروت وحبيتك تنسيت النوم- لما عالباب وغيرها الكثير نال العديد من الجوائز التكريمية منها.. جائزة الإبداع الأدبي من مؤسسة الفكر العربي.