تحدثت سفيرة رومانيا بالرباط، سيمونا كورلان ايوان، بلسان باحثة شغوفة بالتنقيب في ذاكرة مدينة تمبوكتو التاريخية بمالي، ومساءلة النصوص التي صنعت أسطورة حاضرة حفظت سرها في قلب الصحراء. كان ذلك في محاضرة ألقتها السفيرة الرومانية، وهي أستاذة بجامعة بوخاريست، أمس الخميس بالمكتبة الوطنية للمملكة المغربية في الرباط في موضوع "تمبوكتو .. مكان للذاكرة .. قصة أسطورة مشتركة". في هذا اللقاء، الذي نظم بمبادرة من مركز الدراسات الصحراوية، عادت السفيرة الباحثة إلى بدايات اشتغالها بالدراسات الإفريقية مستهل تسعينيات القرن الماضي، في مشروع معرفي كان يثير استغراب مجايليها من الباحثين، بالنظر إلى البعد المكاني والتاريخي لرومانيا عن الفضاء الإفريقي. بدت تومبوكتو مكانا أيقونيا في نصوص الرحلة التي استهوت الباحثة الشابة آنذاك، فبدأت قصة الانجذاب إلى المدينة الأسطورة، قبل المكان. وبالفعل، اشتغلت سيمونا على حاضرة الصحراء الإفريقية كمتخيل شيدته النصوص، وألفت كتابها الأول، من برجها البحثي، قبل أن تزورها فعلا عام 2009. "بمجرد نزولي من الطائرة، مضيت أبحث عن الأمكنة والمعالم التي صادفتها في بحثي، وتشكلت في مخيلتي وأنا على بعد آلاف الكيلومترات". حصيلة هذه الزيارة والأبحاث المحينة التي رافقتها كانت كتابا ثانيا يصدر عن دار النشر لارماتان بباريس، بعنوان شديد الإيحاء "ذاكرة تحت الرمال". بالنسبة لسيمونا كورلان ايوان، "ليست هناك تمبوكتو واحدة، بل صور متعددة للمدينة نفسها. إنها الصور التي تناسلت في كتب الرحالة الغربيين منذ القرن التاسع عشر. صورة مدينة معزولة في الصحراء، صورة مدينة الذهب والقوافل التجارية وصورة المجال المخيف بالنظر إلى تواجد الطوارق الذين كانوا يزرعون الرعب في نفوس الأوروبيين وهم يخوضون حملاتهم لغزو الساحل القاري". وتتوقف، في هذا الصدد، عند فاتحة الرحلات الأوروبية التي قام بها الفرنسي روني كايي سنة 1828، وأصبحت مرجعا لا غنى عنه للمهتمين بالمنطقة لاحقا. تمبوكتو لم تكتب تاريخها بعد. تشخيص مثير للسفيرة الباحثة التي تلاحظ أنه ما من باحث مضى بعيدا إلى مساءلة ماضي المدينة من خلال المخطوطات والوثائق التي تزخر بها المجموعات الخاصة التي تحتفظ بها بعض العائلات الكبيرة في المدينة، ويعود بعضها إلى القرن 16 و17 مثلا. هي نفسها وقفت على زهاء ثلاثين خزانة خاصة لدى زيارتها للمدينة. في غياب هذا التاريخ الموضوعي، ظلت نصوص الرحلات المصدر الأساس لتاريخ تمبوكتو، بل إن الباحثة لمست حرصا على أن يظل الأمر على هذا النحو .. "خوفا من تدمير الأسطورة". والحال أن المنشود، تقول سيمونا كورلان ايوان، ليس تدمير أسطورة تمبوكتو، بل تحليل الخطاب الثاوي في النصوص الرحلية العديدة في أفق كتابة تاريخ منسجم وعلمي للمكان الذي حظي مؤخرا باهتمام كوني تجسد بإدراج تمبوكتو ضمن قائمة التراث الكوني للإنسانية، وإن واجه العام الماضي تحديا خطيرا عقب انهيار سلطة الدولة وسيطرة تنظيمات مسلحة على المدينة. هكذا بدت تمبوكتو في عين السفيرة الباحثة : رمز للوحدة القارية على قاعدة القيم الإفريقية والحضارة الإسلامية، وهي أيضا تاريخ في انتظار المؤرخين.