القاهرة - أ.ش.أ
أكد الروائي الكبير فؤاد قنديل أن الأحوال السياسية المضطربة في مصر وما صاحبها من عنف ثقيل الوطأة خلال السنوات الثلاث الأخيرة أدى إلى اختلال واضح في الأداء الثقافي وهي نتيجة طبيعية لأحداث يهيمن عليها ويوجهها المجانين والشياطين والمولعون بالمصالح في آن واحد ، وقد تمثل ذلك في تراجع معظم الأعمال ذات الصبغة الجماعية كالمسرح والسينما والغناء والموسيقى ، ما رأى النور منها كان متواضع المستوى ، يصاحب ذلك تخبط الإعلام ومنابر الفكر. وأضاف قنديل - في تصريح لوكالة أنباء الشرق الأوسط - أنه برغم أن الثقافة والفنون عاشقة للحرية فقد أحست بأن نسائمها تجوب الشوارع فأقبلت لتتنفس عبيرها ، فإذا هي حرية مسمومة وفوضى عارمة، فأسرع أغلب ممارسيها وعشاقها عائدين إلى الصوامع هربا من اجتياح الجراد. وأوضح أن أبرز تلك الصور تجلى في عيون الشعراء الذين عجزوا - في ظنى - عن الانسجام مع الحالة السياسية وظلت أشعارهم كسابق عهدها منذ سنوات تائهة ، تبحث عن ذاتها مع كل تجربة جديدة ، والشعراء مؤرقون بالتجديد والتجريب بصورة زائدة كبلت الرؤية الفنية والإنسانية وحالت بينها وبين التألق الإبداعي من جهة واجتذاب الجماهير العاشقة للشعر من جهة أخرى. ولاحظ صاحب رواية (دولة العقرب) أن شعر العامية أيضا لحق بصاحبه الفصيح في محاولة البحث عن ذاته على خلفية الصخب والعنف والحالة العامة المشبعة بالرعب، وعلى العكس بدت الرواية منسجمة قليلا مع الحالة السائدة واستثمر كتابها فيما يشبه الاتفاق أجواء الدراما الإنسانية الغارقة في أنهار الدم والحرائق والمطاردات كي تواصل عطائها بما يعد إضافة ملحوظة لمسارها التقني والموضوعي ، وقد بدا أنها تحظى بإخلاص نادر من قبل الكتاب القدامي والشباب. ورأى أن القصة القصيرة ما زالت تتمسك بموقعها غير عابئة بالمستجدات واثقة من سماتها المميزة ، وخصوصيتها ، لكن الازدهار النسبي الذي تحرزه الرواية والقصة تحاصره المشكلات الراسخة في الحركة الثقافية ، خاصة غياب النقد الذي تتجاهله المنابر الصحفية ، كما تؤثر فيه قلة الإقبال على القراءة ؛ بسبب ارتفاع أسعار الكتب كنتيجة للأزمة الاقتصادية وضعف القوة الشرائية ، فضلا عن العيوب الجذرية في آليات توزيع الكتب وغياب الإعلام الثقافي وانشغاله بالهراء السياسي ؛ ما دفع الكثير من القراء للبحث عن مصادر الثقافة من الكومبيوتر ومجالات إشعاعه الإلكترونية. وقال فؤاد قنديل إن الخروج من تلك الأزمة يتطلب انتهاء كل صور الفوضى في الشارع واستقرار الأوضاع السياسية والاقتصادية والتخلص من الإجراءات البيروقراطية التي تعوق العمل الثقافي ومحو الأمية خلال خمس سنوات على الأكثر وإلزام وزارات الإعلام والتربية والتعليم والشباب بالاهتمام بالكتاب الثقافي. وأضاف أن الأمر يتطلب كذلك الاهتمام بثقافة الطفل ، فهي متدنية إلى أقصى حد ، ويجب استعادة مجد السينما والمسرح لدورهما البارز في التثقيف والارتقاء بالذوق ، وتذليل عقبات توزيع الكتاب ونقل المنتج التشكيلي إلى الميادين والشوارع والحدائق وترجمة الأعمال الجيدة من اللغة العربية إلى اللغات العالمية. وشدد كذلك على ضرورة تنشيط المراكز الثقافية المصرية الخاملة بالخارج لخدمة الثقافة الوطنية، وتعديل قانون المجلس الأعلى للثقافة لتصحيح مسار منح جوائز الدولة بحيث تتحقق الموضوعية والعدالة ، وتجديد جذري لكثير من أجهزة وآلات العمل الثقافي ، والتعامل مع المنتج الثقافي على أنه خدمة في الأساس ويمكن أن يكون سلعة ذات عائد. واختتم بالقول إن المثقف ذاته هو صاحب الدور الأول ويتمثل في الحرص على دعم ذهنه ووجدانه بالتجارب الحياتية والثقافة والاهتمام بتجديد ملكاته وتقنياته وأساليبه ، مع التفاعل مع شتى جهات الإنتاج الثقافي بقدر الإمكان.