قرار المجلس الأعلى لأمازيغ ليبيا الانسحاب من الهيئة التأسيسية للدستور بسبب غياب ظروف التوافق حول مواد تمس مكونات أساسية للدولة، جعل البعض يتخوف على مصير الدستور الليبي الجديد واستقرار بلد يجتاز مرحلة إنتقالية صعبة. "المشكلة في العقليات التي لم تتغير بعد ومازال الانتماء القبلي والانتماء للعشيرة هو الذي يحدد الولاء ويتحكم في كل شيء في تسيير الدولة، ومع الأسف هذا الأمر ينعكس الآن حتى على اللجنة التأسيسية لصياغة الدستور وهو أمر غير مطمئن" يقول الصحافي الأمازيغي طارق الرويمض في تعليقه على العقبات التي تعترض عملية صياغة الدستور في حالة استمرار الإصرار على التصويت بالأغلبية. وتشكل هيمنة العقليات القبلية، برأي خبراء عقبة كأداء في سبيل وضع دستور توافقي للبلاد، وقد حذر المجلس الأعلى لأمازيغ ليبيا في بيان أصدره أخيرا من خطورة هذه المشكلة، وقال المجلس في بيانه" لن يرضى بتمثيل شكلي للأمازيغ في اللجنة التأسيسية وسنقاطع انتخابات لجنة إعداد الدستور ونمهل المؤتمر الليبي إلى غاية الثلاثاء المقبل لتعديل الإعلان الدستورى وإلا سيدخل الأمازيغ والتبو والطوارق فى عصيان مدنى"، الأمر الذي يؤشر إلى أن مسألة وضع الأمازيغية في الدستور الليبي المقبل، ستكون مثار جدل وصراع مازال مرشحا للتصاعد على الرغم من أن رئيس المؤتمر الليبي نوري أبو سهمين هو من أصول أمازيغية. "مع الأسف في البداية تنازلنا عن عدد المقاعد الخاصة بنا من أجل أن جميع المواد المتعلقة بالأقليات، كي يتم التصويت عليها بالتوافق وليس بالأغلبية لنفاجأ بأن أعضاء المؤتمر يصرون على أن يكون التصويت بالأغلبية. وهذا سيكون مجحفا في حق الأمازيغ كما أننا أحسسنا أنه تم التلاعب بنا"، يقول شعبان أبو ستة عضو بالمجلس الوطني ممثلا عن الأمازيغيين  مبررا قرار الإنسحاب. الإصرار على التصويت بأغلبية الثلثين على مواد الدستور يفسرها محمد صمود بقوله أن "الدستور الليبي لن يمكن أن ينتهي إذا صغناه بصيغة التوافق، لأنه حينها سيعترض كل شخص على مادة وبهذا لن ننتهي أبدا من صياغة الدستور. ولكن لدينا حسن النية لحفظ حقوق الأمازيغيين ونتمنى أن نصل لحل في الأيام القليلة المقبلة"، ولكن النية الحسنة وحدها لا تكفي في مجتمع كالمجتمع الليبي المعروف بأنه مجتمع قبائل وعشائر.  شعبان أبو ستة عبر عن رفضه التعامل مع الحقوق الثقافية بمنطق الأغلبية بقوله "التعامل مع الأقليات الثقافية لا يكون بالأغلبية وهذا ما نصت عليه المواثيق الدولية. ولكن مع الأسف العقليات القبلية الموجودة في المؤتمر هي عقليات الإقصاء ورفض التعدد بالمجتمع" وهذا ما أكد عليه أيضا، الصحافي طارق الرويمض "في ليبيا مازالت القبيلة حاضرة بقوة والولاء الأول هو للقبيلة، وبالتالي لا يمكن أن نثق في النيات الحسنة نحن نريد الاعتراف بحقنا من خلال الدستور ومن دون نقص". وفي تعليقه على أن رئيس المؤتمر هو من أصول أمازيغية، يقول طارق الرويمض بأن "الاعتبارات السياسية جعلته يتراجع عن موقفه من نصرة القضية الأمازيغية، كما أن الأشخاص الذين دعموه هم يعارضون أن يكون للأمازيغ حقوق ثقافية ودستورية". وعلى الرغم من أمازيغ ليبيا لهم خلافات في العديد من القضايا إلا أنهم اتفقوا حول ضرورة دسترة الثقافة الأمازيغية لكن الأمر الأكثر خطورة هو تلويح الأمازيغ بالعصيان المدني "وقطع البترول عن أوروبا وخاصة إيطاليا حتى يتحمل كل واحد مسؤوليته اتجاه الأمازيغ" على حد تعبير شعبان أبو ستة. "نحن قاسينا الكثير في عهد القذافي الذي كان يقول أن من ترضع ابنها الأمازيغية فكأنها ترضعه السم وكان قد خصص سجونا للأمازيغ وكان يقول بأنه لا يوجد هناك أمازيغ وأن الليبين كلهم عرب" يروي طارق الرويمض عن معاناة الأمازيغ في عهد القذافي الذي كان يسعى لفرض العربية على الجميع ولم يعترف يوما بالأمازيغ. ويؤكد الصحافي الأمازيغي طارق الرويمض على ضرورة "تجاوز هذه المرحلة التي كان فيها الأمازيغ مقموعين" داعيا ليكون جميع الليبيين "شركاء في بناء الوطن" مبرزا ان "اللغة الأمازيغية تمثل عددا كبيرا من المواطنين، وهي حق لنا إذا أردنا بناء دولة مواطنين". الإعتراف بحق الأمازيغيين في لغتهم وفي ثقافتهم في نص الدستور بعيدا عن العنصرية أو تغليب طرف على الآخر، هو ما أكد عليه أيضا النائب شعبان أبو ستة "صحيح أنه بعد الثورة تحسن أوضاع الأمازيغيين، ولكن نحن نريد أن نتوج هذا الأمر باعتراف دستوري بالأمازيغ كمكوِن وجزء من المجتمع الليبي حتى ننتهي من مرحلة الاضطهاد التي عشناها طوال عهد القذافي". وإلى حين التوصل إلى صيغة ترضي الطرفين فإن المواد المتعلقة بالحقوق الثقافية للأمازيغ مازلت مرشحة لمزيد من التصعيد، وربما يكون العصيان المدني وقطع طرق البترول أحد فصولها.  DW خدمة