الرياض ـ العرب اليوم
في السور الخارجي للجنادرية تتناثر بضائع متفرقة معروضة للبيع، في سوق موازٍ لما يعرض داخل القرية التراثية، إلا أن ما يميز هذا السوق هو إجراء عمليات البيع والشراء من دون رقابة، فالتجار يفتحون بسطاتهم البسيطة متى شاءوا ويغلقونها متى أرادوا. كما يلاحظ أن معظم الباعة من البدو الذين يعرضون منتجاتهم المتعلقة بحياتهم اليومية، إضافة إلى بعض الوافدين الذين اعتادوا على هذه العادة خصوصا من بلاد الشام الذين يتقاطرون على الكرنفال الشعبي بشكل دوري. ويعتبر السوق الموازي لمهرجان الجنادرية إحدى النقاط التسويقية، التي يعرض فيها هواة جمع التراث والحرفيين وطهاة الأكلات الشعبية، والأزياء القديمة والتقليدية ليسوقوا منتجاتهم لزوار المهرجان. ويوضح أحمد التركي وهو هاوي جمع مقتنيات تراثية، أنه جلب جميع ما يمتلك من مقتنيات ويعرضها بشكل يومي خارج أسواق القرية الشعبية، وبالتحديد السوق الموازي من أجل بيعها لهواة تلك المقتنيات. وأشار إلى أن هذه المرة الثامنة التي يشارك فيها في المهرجان، وأنها فرصة ثمينة للتواصل مع ذوي الاهتمامات المشتركة، وتبادل المقتنيات وليس فقط بيعها. وذكر أنه استطاع تكوين علاقات مع الكثير من زملاء هوايته في الكثير من دول الخليج، لتبادل الخبرات والقطع النادرة مما يثري حصيلتهم الموجودة. وكشف التركي أنه متخصص في جمع العملات القديمة التي كانت متداولة منذ حكم الأمويين، أو حتى المعتمدة في أوائل تأسيس الدولة السعودية الأولى التي يتراوح عمرها، ما بين 200 إلى 300 سنة تقريبا. وأوضح أن لها جمهورا يهتم بها وهناك من يأتي من أجل تبادل وشراء العملات. ويمتلك التركي مكتبة تراثية احتوت على نوادر الكتب ومجلات ومخطوطات تحمل مواضيع قيمة، وعلى رأسها مطبوعة لصحيفة «الشرق الأوسط» صادرة في عام 2005م، حملت عنوان للرئيس العراقي السابق محتواه «صدام يغسل جواربه»، حيث وصل سعر الصحيفة إلى 340 ريالا سعوديا. وفي ركن آخر في السوق الموازي وقفت أم حمد أمام فرن صغير لطهي الأكلات الشعبية وبالتحديد المراصيع أو ما يسمى «المصابيب»، وهي أكلة يشتهر بإعدادها كبار السن، وكانت تتسيد الموائد خصوصا في المناسبات الكبرى. وأوضحت أنها امتهنت هذه المهنة لجانبين أحدهما للتكسب والآخر لتعريف رواد السوق بالأكلات الشعبية. وحول محتويات هذه الأكلة قالت إنها تحتوي مقادير الأكلة من ماء مخلوط ودقيق البر وقليل من الملح الخشن ولون صفار الزعفران والبيض. وزادت بأنها تأتي للتسويق لنفسها بالمقام الأول، حيث إنها تقوم بإعداد الكثير من الوجبات الشعبية الأخرى، وإن أنسب مكان لجذب الزبائن هو القرية التراثية، نظرا لارتباط ما تقوم بإعداده بالجو الشعبي. مشيرة إلى أنها قامت بتجهيز الكثير من الطلبيات، لتقديمها إلى الزبائن بعد انتهاء المهرجان. وفي صلب الموضوع أبان محمد حلوم وهو تاجر سمن وعسل، قدم من الأردن للمشاركة في المهرجان الوطني، أنه لا يفوت على نفسه فرصة المشاركة في هذا الكرنفال الشعبي، إذ أوضح أنه يعد رافدا اقتصاديا مهما بالنسبة إليه، يستحق أن يقطع من اجله آلاف الكيلومترات، مشيرا إلى أنه في غالب الأحيان يقوم بتصفية بضاعته في المهرجان، أو يقوم بعرضها عند المساجد والتجمعات، لو انتهى المهرجان ولم يقم بتصفية معروضاته، وأنه يصطحب في ذلك اثنين من أبنائه لمساعدته في خدمة الزبائن. وحول بضاعته التي يعرضها في مكان بسيط خلف الأسوار الخارجية للمهرجان، أشار إلى أنه يعرض زيت الزيتون وزيت السمسم، بالإضافة إلى بيع العسل والسمن الذي يقوم بأعداده بنفسه، في مزارع تعود منتجاتها إليه. وأوضح أن الجنادرية سوق مهم بالنسبة إليه وإلى المهتمين من أبناء جلدته، في ظل ركود السوق في الأردن وزيادة المنافسين، لافتا إلى أنه متعهد توريد بضائع إلى الكثير من المحلات، بعضهم تعاقد معه بعد أن جرب منتجاته في المهرجان السنوي. من جهة اخرى عرض جناح إمارة مكة المكرمة في المهرجان، أكبر قفل في العالم وهو مصنوع من الحديد بلغ ارتفاعه خمسة أمتار، وعرضه ما يقارب 2.44 متر، وسمكه يعادل 60 سنتيمترا، حيث تجاوز الرقم القياسي العالمي. وخلال الشهر المقبل سيتم عرضه في موسوعة «غينيس» للأرقام العالمية بشكل رسمي بعد أن كسر حاجز الرقم القديم بقفل يتجاوز حجمه 1975 كيلوغراما. ويمتلك صانع القفل، أنس محمد رجب صادق، مجموعة من الأقفال الإنجليزية القديمة التي يعود تاريخ صنع أقدمها إلى عام 1943، حيث ذكر أن صانعي الأقفال الإنجليز يكادون يكونون الوحيدين في نقش الأقفال والمفاتيح لتوثيق تواريخ صنعها. يقول أنس محمد رجب: «بدأنا وعائلتي في صناعة الأقفال والمفاتيح منذ تسعين عاما، توارثناها أبا عن جد بمحافظة الطائف (غرب السعودية) وتطورت الصنعة إلى أن تخصصت في صناعة المفاتيح والأقفال والعمل فيها حتى يومنا الحالي، حيث نعتبر نحن المخولين الوحيدين في الطائف بفك الأقفال والأبواب في وزارة المالية، والدوائر الحكومية الأخرى». مشاركة أنس محمد رجب، بعرض القفل الأكبر عالميا في «الجنادرية» لم تكن الأولى، حيث سبق له أن شارك في العام الماضي بعرض أكبر قفل في السعودية، والذي بلغ وزنه 45 كيلوغراما وهو مصنوع بالكامل من الحديد المنصهر في قالب قفل «المشب» ومزين بالنحاس، ومفتاحه يزن نحو 4 كيلوغرامات، بالإضافة لأكبر قفل في العالم كرقم سابق مسجل، بقفل طوله 3.5 متر، وبعرض 1.37 متر وبوزن تقريبي يعادل 1883 كيلوغراما. وعلى الرغم من التطور التقني والأقفال الكهربائية والإلكترونية المصنوعة حاليا للأبواب الحديثة، فإن توقف المارة عند ركن المفاتيح في الماضي يحفزهم على التساؤل عن أسعارها أو كيفية العناية بالقديم منها. وحول سؤاله عن تردد الناس عليه لشراء الأقفال أو المفاتيح القديمة، قال أنس: «لا تصل إلينا الطلبات بهذا الشكل، وإنما يطلبون منا فتح أقفال قديمة ضاعت مفاتيحها، كأصحاب المتاحف والبيوت العتيقة، لفكها ثم تصميم مفتاح جديد ملائم لها، أو لتجديد شكل المفتاح وقفل قديم ليصبح زينة وتحفة ثمينة تزين البيوت». الزائر لجناح أنس محمد رجب تستوقفه الأحجام الكبيرة للأقفال القديمة ومفاتيحها الكبيرة التي تتجاوز حجم الكف، فقد أشار إلى أن أبواب البيوت قديما في السعودية كانت تتطلب أقفالا تتناسب مع أحجامها، فالباب الحديدي العريض الذي يعادل وزنه عشرين كيلو غراما، يركب له قفل بوزن يتراوح بين ثلاثة وأربعة كيلو غرامات، ويفتح بمفتاح طوله من عشرين إلى خمسة وعشرين سنتيمترا لفتحه، في حين تحتاج البوابات الكبيرة إلى أقفال تفتح بمفتاحين لكبر أحجامها، علاوة على صناعة أقفال بالجرس، والتي توضع عادة في البيوت التي تقطنها عائلات عدد أفرادها كبير، لإعلام أهل البيت بوصول الأب أو عائلهم، فبمجرد إدخال المفتاح وتحريكه يقرع الجرس. وتختلف أقفال الأبواب الخشبية عن غيرها، بأنها تسمى «الضبة»، وهي مصنوعة من الخشب وتفتح بنفس الطريقة التي يعمل بها المفتاح في أغلب الأبواب حاليا، ومنها أنواع قديمة تعمل عبر مفتاح يحوي ستة دبابيس يسحب قطعة الربط أو ما تسمى الـ«خابور» داخل القفل إلى الخارج فيفتح الباب مباشرة. يذكر أن جناح مكة المكرمة أخذ جانبا كبيرا من التنوع الثقافي في المنطقة التي تشمل مدنا ومحافظات متعددة كمكة المكرمة، وجدة، والطائف، والتي تمت تغطيتها بشكل متكامل عبر مجسمات للبيوت الشعبية ومعارض فنية خاصة بفنانين من المنطقة، بالإضافة لركن مخصص لعرض الرقصات الشعبية وجانب لعرض نبذة عن مهرجان سوق عكاظ السنوي الذي يقام بمحافظة الطائف كأحد المهرجانات السياحية الفنية التي تشتهر بها المنطق.