الدستور الجزائري

يطرح خبراء القانون الدستوري، الكثير من الإشكالات التي يتضمنها الدستور المكتوب في عهد النظام السابق، مؤكدين أنه بحاجة إلى تعديل وتغيير عميقين، خصوصا في ما يتعلق بالصلاحيات الممنوحة لرئيس الجمهورية.

وعملية تعديل الدستور، حسب الخبيرة في القانون الدستوري، فتيحية بن عبو، لا بد أن يتولاها خبراء متمكنون في هذا المجال، ومطلعون على علم الاجتماع والقانون الدستوري، ولديهم خبرات واسعة، حيث قالت “الدّستور هو علاقة تربط المجتمع بسلطته، وبالتالي فالتعديل لابد وأن يكون نابعا من عاداتنا وهويتنا ويتماشى مع ثقافة المجتمع”.

وأضافت المتحدثة “رغم أن قرار تعديل الدستور ليس للخبراء، وانّما هو قرار سياسي، ولكن التوجيه وخارطة الطريق لابد وأن يأتي من الخبراء”، متأسفة لما عاشته الجزائر في ظل دستور النظام السابق، وحسبها، لم يكن يطبق سابقا المواد الدستورية، وحتى السلطة كانت غير دستورية “الرئيس كان هو المقرر في كل الشؤون”.

ويعتبر أستاذ العلوم السياسية، سفيان صخري، أن الأولوية في تعديل الدستور، لا بد أن تخص المواد المرتبطة بالصلاحيات “الفرعونية” لرئيس الجمهورية، باعتباره المتحكم في القضاء، وله صلاحيات جد واسعة، وبالتالي لابد للدستور الجديد، حسب محدثنا، أن يفصل وبوضوح وبمعالم حقيقية بين السلطات التشريعية والتنفيذية وبالخصوص السلطة القضائية، باعتبارها أكبر مؤشر لدولة القانون وتحرير العدالة.

وبخصوص الثغرات الموجودة في الدستور الحالي، قال المتحدث “يتضمن خللا قانونيا، مثلا رئيس الجمهورية في بعض البنود، يعطي الحق لسلطات معينة، ثم يُلغى الحق بحكم تدخل الرئيس، في حين أن المواد المرتبطة بالثوابت والهوية الوطنية، فيجب عدم مناقشتها”.

وأهم تعديل، يضيف الأستاذ، هو إلغاء منصب الوزير الأول، والعودة إلى منصب رئيس الحكومة، “لأن صلاحيات الوزير الأول مقلصة وهو مجرد منسق بين الوزراء، أما رئيس الحكومة فصلاحياته أوسع، مع ارساء نظام شبه رئاسي حقيقي”.

يقترح صخري “إلغاء مجلس الامة، لأنه لا عمل له، ليُلغى العمل بالغرفتين”، ويبرر ذلك “بأن السينا، ومع احترامي لأعضائه، كان مجرد مكان للامتياز والمكافآت، وتحول إلى دار للمتقاعدين والمسنين”.

أما الخبير في القانون الدستوري، عمار رخيلة، فقال إن الأولوية في التعديل الدستوري، لابد وأن تكون لتحديد طبيعة النظام السياسي الجزائري، لأن الموجود في دول العالم الثالث “أنظمة رئاسية مشوهة تقوم على شخص رئيس الجمهورية، بعيدا عن النظامين النموذجين الفرنسي والأميركي، فأنظمتنا تتوج الحاكم ملكا بدون تاج”.


 كما ينبغي حسب المتحدث، تكريس مبدأ السلطة وفق مبدأ “سلطة تحدّ من سلطة”. 


وعلى الدستور الجديد، يضيف رخيلة، أن يضمن التوازنات العامة للمجتمع، ويكرس حقوق الإنسان والحريات، مع تحديد الأطر الثقافية والتاريخية للمجتمع الجزائري. كما لابد من تقليص مواده “لأن وجود 218 مادة أمر مبالغ فيه وكثير، فعلى الدستور أن يتنازل عن بعض المواد للمؤسسة القانونية، لأنها من اختصاصها، فحاليا هناك خلط بين الأحكام الدستورية والقانونية، مع ضبط القوانين العادية والعضوية”.


ويرى الخبير في القانون الدستوري، أنه على الدستور الجديد أن يضبط صلاحيات “الدولة المتدخلة والدولة الحارسة، فالأولى قائمة على سياسة الدعم وشراء السلم الاجتماعي، عبر مجانية التعليم والصحة والسكن.. ومرتبطة بمداخيل البترول فقط، أما الدولة الحارسة فهي ليبرالية، تعمل بمبدأ دعه يعمل، دعه يمر، القائم على تسهيل إنشاء المؤسسات، والمبادرات الاقتصادية، وفتح التجارة الداخلية والخارجية، وأن تكون السيادة للسّوق”.


وأكد أستاذ العلوم السياسية، إسماعيل دبش، على ضرورة إعداد دستور يعزز الوحدة والتضامن الوطنيين، غير خاضع للفعل الإيديولوجي والحزبي، مشيرا إلى أن النظام شبه الرئاسي هو الأنسب حاليا للجزائر.

وأوضح دبش في تصريح للإذاعة، أن التعديلات المقبلة يجب أن تبنى على الثقة بين منظومة الحكم والمواطن. وقال “المؤسسات كانت تسير وفق إرادات ذاتية لا مؤسساتية”. ومن بين التعديلات التي يتوقعها دبش في التعديل المقبل، هو تحديد العهدات.

 

ويعتقد المتحدث بأن التوجه للنظام البرلماني في الوقت الراهن “سيكون بمثابة كارثة كبرى، لأن البرلمان الحالي قائم على الانحرافات التي عرفتها الجزائر خلال السنوات الماضية، حيث تم تهميش وإقصاء وطرد الكفاءات، وجيء بأشخاص غرباء على الأحزاب وعلى الوظيفة التشريعية بسبب نفوذهم المالي، وبالتالي النظام شبه الرئاسي هو الذي يناسبنا حاليا”.

قد يهمك أيضًا:

علي خامنئي يتوعَّد بـ"انتقام قاسٍ" بعد مقتل سليماني والسيستاني يُدين وعبدالمهدي يُندِّد

غضب حوثي في اليمن بعد مقتل سليماني ودعوات لاستهداف القواعد الأميركية