واشنطن ـ يوسف مكي
تنتشر الأعلام الأميركية في كل مكان، على الأعمدة خارج قاعة المحكمة التاريخية، ومبنى المكاتب المجاور، في نافذة عرض في متجر أدوات المطبخ وعلى طاولة على شكل قلب في متجر التحف، فوق المروج الشاهقة والشرفات من القصور الفيكتورية على طول شارع نورث ديلاوير، وبجانب قبر رؤساء الولايات المتحدة.
ترامب جعل الوطنية مسألة معقدة
وترفرف الأعلام في مدينة إندبندنس في ولاية ميزوري، وهي مدينة هادئة في وسط أميركا، تستعد للاحتفال بيوم الاستقلال الموافق الرابع من يوليو/ تموز، حيث الاستقلال عن البريطانيين في العام 1776.
وما يميز هذه الاحتفالات هي حفلات الشواء والأعلام والألعاب النارية، والمسيرات والنزهات والأغاني الوطنية، كلها طقوس مهمة لحماية الهوية الأميركية، لكن في عام 2018، كيف يرى سكان هذه المدينة الأوضاع تحت حكم الرئيس دونالد ترامب، ويؤكد السكان أن مسألة الوطنية أصبحت أكثر تعقيدا تحت حكم ترامب، حيث قال كريج وينتي، مدرس سابق، كان يعلق العلم خارج منزل "حين يتعلق الأمر بأميركا أشعر بالرعب، لكن تزايد الرعب في هذا العام، لأنني أشعر أن ما ناضل من أجله والدي في الحرب العالمية الثانية والديمقراطية نفقده بالفعل، أنا متشائم بشكل مبالغ فيه، يجب أن أعترف بذلك، وأنا واثق من أن الحزب الجمهوري وترامب تسببا في أضرار بالغة لهذا البلد، ربما تدوم لعقود من الزمن".
وسعى ترامب إلى استغلال القومية وتوظيفها من أجل أجندته وشعاره "أميركا أولا"، ووبخ لاعبي كرة القدم بحجة القومية، لركوعهم أثناء عزف النشيد الوطني احتجاجًا على الظلم العنصري، كما أنه يهدد سمعة الولايات المتحدة بسياسته المعادية للهجرة بدافع الوطنية.
ترامب يخالف مبادئ ترومان
وسيتبنى البعض في الرابع من يوليو/ تموز، فكرة الانقسام والقبلية والتي تأتي من تصرفات ترامب، لكن يتمسك البعض الآخر بفكرة الوحدة، حيث قال ويتني الذي تعيش في منزل في شارع نورث ديلاوير، تم تأسيسه عام 1893 "لا يزال لدي بعض الأمل على الرغم من تصرفات ترامب"، وردا على سؤال بشأن ما يعنيه العلم، قال "يعود جزئيًا إلى والدي الذي كان دوما يلوح بالعلم، وهو أيضًا بالنسبة لي رمز لما يجب أن تكون عليه الولايات المتحدة".
ونشأت زوجته، ديبي تويمان، في إندبندنس، وهي مدينة يبلغ عدد سكانها 121 مليون نسمة، ويوجد بها 10 محطات إطفاء، ومركز للشرطة ومستشفى واحدة، وتتذكر السيدة البالغة من العمر 60 عامًا، أشهر سكان المدينة، وهو هاري ترومان، الرئيس الثالث والثلاثون للولايات المتحدة، وتقول "كان رجلًا طيبًا، يتوقف ويتحدث إلى الأطفال، وتحدث إلى أطفال صغار مصلي، أعتاد القول بإنه يحب الترشح لمنصب الرئيس، وربما في التاريخ سنشهد وجود امرأة تتولى رئاسة الولايات المتحدة".
وتضيف "أود أن أرى بلادي تعود رائعة مرة أخرى، لأنني أشعر بالأسى العميق حين أرى أطفال يأخذون من أمهاتهم، بموجب سياسة فصل عائلات المهاجرين غير الشرعيين على الحدود، ولو كان ترومان على قيد الحياة، لشعر بالعرب ممت يجري، فهذا ليس العالم الذي ناضل من أجله".
انتقل الرئيس ترومان إلى إندبندنس وهو في سن السادسة ثم عاد إليها بعد فترة رئاسته، التي شملت القرار المثير للجدل بألقاء قنبلتين نوويتين على اليابان لتسريع نهاية الحرب العالمية الثانية، وكان ترومان ابنا لرجل يعمل فلاحا، وعمل في العديد من الوظائف من بينها موظف ديون مستحقة، ولم يلتحق بالجامعة، وعمل في المزرعة، وحارب في الحرب العالمية الأولى، حين كان يبلغ من العمر 33 عامًا، ومن ثم فتح متجرا للملابس، وبعدها التحق بمجلس الشيوخ ومنه إلى الراسة، فهو يعد تجسيد لكل حلم أميركي، وبعد فوزه المذهل في عام 1998، أرسل برقية إلى صحيفة "واشنطن بوست"، قائلا "على الرغم من معارضتكم التحريرية، ولكن التغطية الإخبارية لحملتي كانت عادلة وشاملة".
حفيد ترومان ينتقد سياسة ترامب
وفي هذا السياق، تحدث كليفلتون ترومان دانيال، حفيد الرئيس ترومان، وهو يتذكر عرضًا عن الاستقلال، معربًا عن أمله في عدم تلوث احتفالات الاستقلال هذا العام بسبب التلوث السياسي، فعلى الرغم من الاختلافات السياسية، على الناس الاحتفال بتاريخهم المشترك، وعند سؤاله عن معنى العلم الأميركي بالنسبة إليه، قال "إنه شعور بالفخر، أنا مسرور لأنني أعيش في الولايات المتحدة، كان جدي فخورًا بالقيم التي نعتز بها، كان رجلًا متواضعًا".
ويرى سكان المدينة أن الجلوس تحت تمثال ترومان وبجانبه العلم الأميركي مرفرفا يلخص كلمة واحدة وهي الحرية.
وفاز ترامب على المرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون، بفارق نصف مليون صوت في ميزوري، لكن تقول عمدة إندبندنس، إيلين وير "أود القول بأن الناس هنا يحبون الرئيس، ولذلك يمكنه اتخاذ قرارات سياسية عظيمة، لكنهم في نفس الوقت يخشون من قراراته بشأن قضايا الهجرة، ولكن في نفس الوقت له قرارات جيدة مثل الضرائب، ومن الطبيعي أن يفوز ويخسر كل رئيس، وأنا أرى أن انتصارات الرئيس ترامب أكثر من الخسائر"، وأعربت عن أملها في توسيع الاحتفالات بعيد الاستقلال في إندبندنس.
ترامب يفرّق الأميركيين
ويرى البعض في المدينة أن ترامب يتبع خط القومية والفاشية والوطنية، وقال أحدهم "كان النازيون وطنيون للغاية، وهي نفس وجهة نظر ترامب، فإذا لم توافقه على كل ما تقوله، فأنت غير وطني، وأنا أعارض بشدة هذا التصرف".
من جانبه، قال توماس ريديل، 23 عامًا، بائع مواد عازلة، كان يضع العلم الأميركي على كتفه "دونالد ترامب متعجرف، أتفق مع في بعض الأشياء، ولكن الأشياء الأخرى لا وأعتقد بأنه أحمق بأتباعها، فهو يحاول أن يفرقنا، وهذا ما يجعلنا متشائمين، ولكن أنا متأكد أن الأميركيين لن يسمحوا بذلك، سيكون لدينا رئيس آخر قريبا.. أميركا رائعة منذ 200 عام، ولن يستطيع رجل واحد تغيير ذلك".