الجزائر - الجزائر اليوم
يمر تقريبا عام على "التوتر" الجزائري الإسباني الإيطالي، بشأن ترسيم المياه الجزائرية الاقتصادية الخالصة، دون عودته مجددا إلى واجهة الأحداث، مما يعتبره خبراء مؤشرا على تفاهمات.حوالي 20 فبراير من العام الماضي، فجرت وسائل إعلام إسبانية قضية ما اعتبرته "غزو" الجزائر لجزيرة "كابْريرا"، إحدى جزر "مايورْكا" الإسبانية، ودخل السياسيون المحليون الإسبان بحمية على الخط يتهمون مدريد بالتفريط في أراضيها. غير أن الأمور هدأت بعد لقاء أرانتشا غونزاليز لايا وزيرة الخارجية الإسبانية بنظيرها صبري بوقادوم في العاصمة الجزائرية في بداية شهر مارس من العام ذاته.
بعد المحادثات، قالت لايا في ندوة صحفية مشتركة: "أريد أن أكون شديدة الوضوح فيما يتعلق بالحدود البحرية التي تتفق الجزائر وإسبانيا بشأنها 100 بالمائة"، وأضافت بأنه "يحق للبلدين تحديد حدودهما البحرية وفقا لقواعد الأمم المتحدة (...) وعندما يحدث تداخل في المناطق البحرية، يجب التفاوض للتوصل إلى اتفاق، بعيدا عن أي أحادية في التوجه"، وذلك مثلما يقتضيه القانون الدولي.
من جهته، رد صبري بوقادوم بالقول أمام الصحفيين "ليس لدينا مشكلة في تحديد الحدود البحرية بين إسبانيا والجزائر"، معبرا عن "إرادة (بلاده) في التفاوض في المستقبل بشأن أي تداخل للمناطق البحرية" التابعة للبلدين. وكذّب بالمناسبة أن يكون ترسيم الجزائر لحدودها البحرية، بمياهها الإقليمية ومنطقتها الاقتصادية الخالصة، أدى إلى وضع بلاده يدها على جزيرة "كابريرا" الإسبانية، مثلما رددت وسائل إعلام إسبانية، من بينها صحف "الباييس" و"إلموندو" و"إلكونفيدينثيال" وقنوات تلفزيونية، وقال "لا تريد الجزائر أن تأخذ أي منطقة، لا كابريرا ولا إبيزا، تريد فقط الحوار والشراكة مع إسبانيا"، مع العلم أن هذه الأخيرة تستورد تقريبا نصف استهلاكها من الغاز من الجزائر.
حينها، فُهم أن التداخل في المناطق الاقتصادية الخالصة للبلدين يأخذ منحى تفاوضيا هادئا بين الحكومتين،ولو أنه لا يُعرف مآله حتى الآن.وحدث الشيء ذاته بين إيطاليا والجزائر خلال الفترة ذاتها، بالنسبة لمياه جزيرة سردينيا الإيطالية، واختفى الجدل الإعلامي والسياسي بشأنه بعد زيارة المسؤولين الإيطاليين العاصمة الجزائرية.من وجهة النظر القانونية الدولية، يحق لكل دولة تحديد وترسيم حدودها البحرية وفق القواعد التي حددها قانون البحار المعتمد من الأمم المتحدة. وفي حال وقع تداخل في المناطق البحرية بين دولتين أو أكثر، فالأمر يخضع للتفاوض والتفاهم ولا تُتخذ القرارات أحاديا. وهو ما يبدو أنه يجري حتى الآن بالنسبة للجزائر وإسبانيا وإيطاليا.
في ربيع 2018، وقّع الرئيس الجزائري السابق عبد العزيز بوتفليقة مرسوم ترسيم الحدود البحرية الجزائرية التي توسعت، وفقا للقانون الدولي، إلى قبالة جزيرة سردينيا الإيطالية من جهة، وجزر "مايوركا" الإسبانية، من جهة أخرى، على بُعد كيلومترات من الجزيرة الصغيرة "كابريرا".وقال سياسي إيطالي حينها إن الجزائر وسعت حدودها البحرية للاستيلاء على آبار الغاز تحت البحر، متهما شركة "إيني" الإيطالية للمحروقات، المرتبطة بعدة مشاريع مع الجزائر، بدعم الخطوة الجزائرية. وأكدت صحف "سردينيا" الإيطالية أن المنطقة البحرية الجزائرية الخالصة تتضمن مخزونات هائلة من الغاز الطبيعي، وأن الجزائر على علم بها بتعاون تقني مع الولايات المتحدة الأمريكية واستخباراتها، على الأقل.
إ
كل ذلك، يُضفي طابعا تنافسيا إقليميا ودوليا على الطاقة في غرب البحر الأبيض المتوسط، مثلما يحدث منذ أشهر في شرق هذا البحر، في مياه قبرص واليونان وتركيا ولبنان.ويرى الخبراء أن فرنسا لن تكون بعيدة عن هذا التنافس في غرب المتوسط، بل قد تصبح أشرس مما بدت عليه في شرق المتوسط، بحُكم محاذاة المنطقة البحرية الاقتصادية الجزائرية الخالصة لمنطقتها هي ذاتها، فضلا عن الطموحات الغازية، وبحكم القضايا الخلافية العديدة العالقة بين البلدين، بما فيها الجيوسياسية، لأن التاريخ يبين أن صعود الضفة الجنوبية للمتوسط، عبر العصور، يؤدي إلى إضعاف ضفته الشمالية، والعكس بالعكس.
لكل ذلك، في حال لم ينجح التفاوض بين الأطراف المعنية على تذليل العقبات ووضع الخريطة النهائية للحدود البحرية، فإن الوضع مرشَّح للتصعيد وظهور توتر في غرب المتوسط، اختفى منذ العهد العثماني من تاريخ الجزائر وشمال إفريقيا، حيث يُحتمل أن يُحدث انقسامات واستقطابات وتكتلات دولية، كما يجري في شرق المتوسط، في منطقة عالية الحساسية من الناحية الجيوإستراتيجية.
تحسبا لمثل هذا التطور، يُعتقَد أن تتوجه الجزائر إلى تحديث قدراتها العسكرية باقتناء عدة سفن بحرية وغواصات وأنظمة رادارات وصواريخ بعيدة المدى وعالية الدقة من روسيا والصين، الشريكين الإستراتيجيين، الغاية منه التحصّن لِما قد يأتي في المستقبل القريب، خلال الأعوام القليلة المقبلة، وتعزيز القدرات التفاوضية مع الشركاء والمنافسين لحماية مصالحها البحرية الاقتصادية، بما فيها حقول الغاز البحري، والدفاعية/الجيوسياسية.دول الجوار المغاربي تواجه التحديات ذاتها في ظل التحولات الجيوسياسية العميقة التي يمر بها العالم وتغيّر خريطة النفوذ بين الأمم.
قد يهمك ايضا
السيد بوقدوم يتحادث هاتفيا مع نظيره التشادي