الخرطوم ـ جمال إمام
بينما نفى الرئيس السوداني عمر البشير، أمس، ضلوع قواته في قتل المحتجين، واتهم "جهات عميلة ومندسة" بقتل المتظاهرين، لتأجيج الصراع وإثارة الفتنة، تدخلت الشرطة وحالت دون مسيرة متظاهرين إلى البرلمان في أم درمان للمطالبة بتنحيه وحكومته، مستخدمة قنابل غاز الدموع والصوت والرصاص الحي.
وبعيد تفريق المظاهرات الرئيسية، غافل المتظاهرون الترسانة الأمنية التي حشدت في طرقات أم درمان أمس، ونظموا مظاهرات فرعية في داخل الأحياء والطرق الفرعية. وقبيل بدء الاحتجاجات، أطلقت الشرطة الغاز المسيل للدموع على الناس في الشوارع، للحيلولة دون تجمعهم، وقال شهود إن المتظاهرين غافلوا الشرطة ونظموا مظاهرة هتفت "حرية سلام عدالة"، ثم تفرقوا إلى مظاهرات فرعية داخل الأحياء.
وبحسب الشهود، أطلقت الشرطة والأجهزة الأمنية والملثمون الغاز المدمع بكثافة في أكثر من موقع بأم درمان، واحتجزت عشرات المتظاهرين، وأجبرتهم على الصعود إلى العربات نصف نقل وأقلتهم إلى جهات غير معلومة، فيما سمعت أصوات إطلاق رصاص من عدة نواحٍ. وتحولت أحياء (العباسية، الموردة، العرضة، بانت)، ومناطق صينية الأزهري، والشهداء، إلى ساحات لمعارك الكر والفر بين المتظاهرين وقوات الأمن، في تحدٍ واضح للانتشار الأمني الكثيف، وجره إلى الشوارع الفرعية، وتشتيت جهوده، مما اضطر الأجهزة الأمنية إلى إطلاق عدد كبير من قنابل الغاز فسقطت في المنازل والطرقات.
وفي "حي كافوري" في مدينة الخرطوم بحري، وبالقرب من مساكن الرئيس البشير وأفراد أسرته، اعتصم متظاهرون أمام منزل الطبيب بابكر عبد الحميد، الذي لقي مصرعه برصاص الشرطة الخميس الماضي، وسدوا الطريق المؤدي للمنزل، طوال اليومين الماضيين.
أقرا أيضًا: تجمع "المهنيين السودانيين" يدعو إلى مظاهرات ضد الحكومة الأحد
من جهتهم، نظّم طلاب "جامعة الرباط" وقفة احتجاجية، قبل أن تطوق الشرطة المكان، وتفرق المحتجين، وسط أنباء غير مؤكدة عن تعليق الدراسة في الجامعة، فيما نظم أطباء في عدد من مدن البلاد وقفات احتجاجية استهلوا بها إضراباً عن العمل، وتواصل إضراب المعلمون والمحامون والصيادلة.
واعتذرت "لجنة الأطباء المركزية" المحسوبة على المعارضة، عن خطأ في إعلانها مقتل طفل في احتجاجات الخميس الماضي، وذلك بعد أن قالت الشرطة إن شخصين فقط قتلا الخميس، وقالت اللجنة إن 3 أشخاص بينهم طبيب وطفل قتلوا، وأضافت: "نعتذر عن الخطأ في إيراد معلومة مقتل طفل في مظاهرة الخميس".
ومنذ 10 ديسمبر/كانون الأول الماضي، لقي 26 شخصاً مصرعهم برصاص الأجهزة الأمنية، وفقاً لإحصائية رسمية، بيد أن منظمتي العفو الدولية و"هيومن رايتس ووتش" تنسبان إلى مصادر موثوقة أن عدد القتلى بلغ 40، بينهم أطفال وأطباء.
وتتهم جهات معارضة كتائب غير نظامية تعمل في الظل برعاية النائب الأول للرئيس، علي عثمان محمد طه، بارتكاب انتهاكات واسعة ضد المتظاهرين، وباستخدام الرصاص الحي بقصد القتل، وذلك استناداً إلى تهديدات وجّهها الرجل لمعارضي الحكومة، بأن الكتائب مستعدة بالتضحية بالأرواح للحفاظ على النظام.
من جهته، اتهم الرئيس عمر البشير مجهولين بقتل المتظاهرين لتأجيج الصراع وإثارة الفتنة، نافياً أن يكون ضحايا الاحتجاجات قد قتلوا بواسطة قوات الأمن السودانية، وأن السلاح الذي استخدم في قتل بعضهم غير موجود لدى أي من قواته، بل غير موجود في السودان.
وقال البشير، في كلمة أمام حشد صوفي يقام سنوياً في بلدة "الكريدة": "إن بعض الشباب خرجوا ليعبروا عن أنفسهم، لكن المندسين والمخربين انتهزوا الفرصة، فأحرقوا ودمروا وقتلوا المتظاهرين"، وتابع: "الطبيب الذي قتل في ضاحية بري، قتل داخل المظاهرة بسلاح غير موجود عند الجيش أو الشرطة أو في السودان"، وأضاف: لدينا مقبوضون من جماعة عبد الواحد محمد نور اعترفوا أن واجبهم وتوجيهاتهم أن يدخلوا المظاهرات ويقتلوا الناس ليؤججوا الصراع ويثيروا الفتنة.
واعترف البشير في كلمته بالضائقة الاقتصادية التي تمر بها البلاد، بيد أنه أرجعها إلى حصار اقتصادي وإعلامي ودبلوماسي، وحرب وتمرد، وقال: "كل أنواع التآمر جربوها معنا"، وأقرّ بحق المتظاهرين في التظاهر، بقوله: "بعض الشباب خرجوا ليعبروا عن أنفسهم، لكن المندسين والمخربين، اتخذوها فرصة فحرقوا ودمروا".
وقطع البشير بأن الجدل في السودان ليس حول من يحكمه، بل كيف يحكمه، وقال: "من يحكم السودان قرار المواطن السوداني عبر صناديق الانتخابات، وتبقت سنة واحدة لانتخابات 2020 والشعب يقرر من يحكمه". وتابع: "تأكدوا، نحن مع الشعب ونحترم خياره، لذلك رجعنا السلطة للمواطنين ليختاروا رئيسهم ونوابهم وحكومتهم، وبمحض إرادتهم في انتخابات حرة نزيهة لتكونوا أنتم أسياد الشأن".
وكان "تجمع المهنيين" الذي يقود الحركة الاحتجاجية دعا إلى مظاهرات جديدة أمس وعلى مدى عدة أيام خلال الأسبوع المقبل، وذكر أن العاصمة وأم درمان ستشهدان مظاهرات ليلية الثلاثاء، وأن الخميس المقبل سيشهد خروج مسيرات في أنحاء السودان كافة.
إلى ذلك، أعلن التحالف الديمقراطي للمحامين في السودان عن دخوله وجميع المحامين والمحاميات بالخرطوم وولايات السودان المختلفة في إضراب عن العمل، ابتداء من اليوم، في جميع محاكم السودان وكل الجهات الحكومية لمدة يومين.
قد يهمك ايضَا: