محكمة جزائرية

أدانت محكمة بالعاصمة الجزائرية،  اثنين من أكبر رموز حكم الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، وبدأت بمحاكمة ثالث، بتهم فساد كبيرة، قادت العام الماضي عشرات من كبار المسؤولين المدنيين والعسكريين إلى السجن. فيما وضع الرئيس الجديد، عبد المجيد تبَون، استعادة الأموال العامة التي أخذها من يسمون «رموز العصابة»، على رأس أولوياته؛ حيث تم إطلاق مساعٍ مع السلطات الفرنسية لمصادرة ودائع بعض المسؤولين في بنوك باريسية.

وحكمت محكمة سيدي أمحمد، على وزير التضامن وأمين عام حزب «جبهة التحرير الوطني» السابق جمال ولد عباس، وعلى رجل الأعمال والبرلماني بهاء الدين طليبة بـ8 سنوات سجناً نافذاً، بناء على تهم «تبديد أموال عمومية»، و«خرق القانون في إبرام صفقات»، و«استغلال الوظيفة»، و«تزوير محررات رسمية».
وتمت إدانة نجل ولد عباس الأصغر إسكندر بالعقوبة نفسها، فيما حكم القاضي على نجله الأكبر الوافي بـ20 سنة سجناً، وهو مقيم بالخارج ومحل أمر دولي بالقبض عليه. كما حكم على أمين عام وزارة التضامن، خلادي بوشناق، بعامين حبساً مع التنفيذ.
وتتداخل الوقائع، التي بنت النيابة عليها الاتهامات، في قضيتين. الأولى تتعلق بأموال مخصصة للمعاقين وفئات واسعة مصنفة فقيرة جداً، تمنحها كل سنة وزارة التضامن والعائلة لمستحقيها، وقد كشفت تحقيقات أمنية أن ولد عباس تلاعب بها مع أبنائه وبوشناق في مشروعات خاصة، وذلك عندما كان وزيراً بين عامي 2003 و2004.
أما القضية الثانية، والتي أثارت جدلاً حاداً، فتتعلق باتهام رجل الأعمال طليبة بدفع رشوة لنجل ولد عباس، مقابل وضعه على رأس لائحة مرشحي «جبهة التحرير» في انتخابات البرلمان، التي جرت عام 2017. وقد أكد طليبة للقاضي أنه رفض دفع مبلغ كبير لإسكندر، الذي كان مكلفاً من والده، حسبه، بجمع الأموال من المترشحين. وقال إسكندر من جهته إن والده كان يتلقى أوامر من السعيد بوتفليقة، شقيق رئيس الجمهورية السابق، (يقضي عقوبة 15 سنة سجناً)، لفرض مترشحين للانتخابات نظير تسلم رشى منهم. لكن ولد عباس نفى كل الوقائع المنسوبة إليه، فيما أنكر رجل الأعمال أنه دفع مالاً لقاء قبول ترشيحه.
ويعتبر الرجلان من أكبر المقربين من الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة. وقد أنفق طليبة أموالاً ضخمة في الحملات الانتخابية لفائدة بوتفليقة على مدى الـ20 سنة الماضية. وكان ولد عباس من أشد المتحمسين لترشحه للولاية الخامسة، التي أسقطها الحراك الشعبي عندما اندلع في 22 فبراير (شباط) 2019.
في السياق نفسه، بدأ القضاء أمس محاكمة سعيد بركات، وزير التضامن السابق، بتهم مرتبطة بتسيير أموال قطاعه. وقال المتهم إن سلفه ولد عباس (ينتميان لنفس الحزب) «خلّف لي تركة ثقيلة من سوء التسيير والتلاعب بخزينة الوزارة». وكان بركات من أكبر الموالين للرئيس السابق، وفي مقابل ولائه، وضعه بوتفليقة في الحصة التي تعود له بـ«مجلس الأمة» (الغرفة البرلمانية الثانية)؛ حيث يستفيد عشرات البرلمانيين غير المنتخبين من امتيازات مادية كبيرة.
كما تم أمس بدء محاكمة الإخوة كونيناف، وهم 4 رجال أعمال جرى توقيفهم والتحقيق معهم من قبل الدرك العام الماضي، بتهم «التربح غير المشروع». وتربط عائلة كونيناف علاقة خاصة ببوتفليقة، وفتحت لأفرادها الباب واسعاً للحصول على مشروعات كبيرة. وكانت هذه العائلة سنداً مالياً كبيراً للرئيس خلال فترة حكمه.
من جهة ثانية، اعتبرت منظمة «مراسلون بلا حدود» أمس، أن طلب النيابة الجزائرية إنزال عقوبة بالسجن 4 سنوات في حق الصحافي خالد درارني «متطرف وغير مؤسس»، داعية إلى «مزيد من التعبئة» من أجل الإفراج عنه.
وخلال جلسة الاستئناف في حكم السجن لـ3 سنوات في حق مدير موقع «قصبة تريبون» الإخباري، عاودت النيابة، أول من أمس، طلب السجن 4 سنوات وغرامة مالية بقيمة 50 ألف دينار (330 يورو). وبعد محاكمة استمرت إلى ساعة متأخرة من الليل، وتخللتها احتجاجات أمام مقر المحكمة، أعلن القاضي عن تاريخ النطق بالحكم في 15 سبتمبر (أيلول) الحالي.
وقال المحامي والناشط في مجال حقوق الإنسان مصطفى بوشاشي لوكالة الصحافة الفرنسية أمس: «أقولها بحزن كبير وبإحباط إن الجزائر تتراجع في مجال حقوق الإنسان والحريات العامة، في مجال حرية التعبير، ومئات المتابعات القضائية، وفي عزّ هذه الثورة الشعبية السلمية هناك مئات تمت متابعتهم وسجنهم فقط بسبب منشوراتهم على حساباتهم في مواقع التواصل الاجتماعي. لهذا فأنا أقول إن النظام الجزائري لم يتغير. هو نفس النظام الشمولي... الذي لا يؤمن بحقوق الناس... والذي لا يؤمن بحرية التعبير».

قد يهمك ايضا :

إنجاز 84 بناية بدون رخصة خلال شهر أفريل بالعاصمة الجزائرية

السلطات الجزائرية تنفي وفاة 12 سجينا بفيروس كورونا