الجزائر - الجزائر اليوم
تتوالى الانتقادات المصاحبة للانتشار الواسع لتوزيع المساعدات التضامنية، خلال شهر الصيام، التي باتت ترافق بعضها عدسات كاميرا وتصوير فوتوغرافي “غير لائق”، ما أدى إلى ارتفاع التساؤلات عن مدى أخلاقية الأفعال وحسن النية وحدود الاستغلال.
عرفت مدن وقرى الجزائر حملات تضامنية واسعة، من قبل العديد من المحسنين، خلال الأشهر الماضية، تستهدف الفئات الأكثر هشاشة التي تضررت بشكل مباشر جراء انتشار فيروس “كورونا” وتوقف العديد من المرافق الحيوية في الجزائر.
وانتشرت مقاطع عديدة على مواقع التواصل الاجتماعي، تظهر مسؤولين وسياسيين ورجال أعمال وأثرياء، رفقة معوزين يتسلمون طرودا رمضانية وعدسات الكاميرات توثق اللحظة، ما خلف انتقادات حادة في صفوف مواطنين لا ينظرون إلى الأفعال باعتبارها مساعدات، وقد تحولت إلى استغلال.
وتبرز عمليات التوزيع أن “قفة رمضان” تحولت إلى علامة للفقر الاجتماعي، نتيجة التغطية الإعلامية الكبيرة التي تصاحب العملية، ما يؤدي إلى التشهير السلبي بالمستفيدين، كما صارت توظف في الحملات الانتخابية لأغراض سياسية.
“طرود رمضان”.. بين الإعانة والإهانة!
تثير مسألة توثيق استلام العائلات المعوزة، المساعدات التي تمنحها بعض الهيئات والجمعيات عبر التصوير الفوتوغرافيّ أو الفيديوهات، ردود فعل متباينة بين أوساط المراقبين خصوصا في هذه الظرفية التي تتسم بأجواء انتخابية تسبق الحملة الدعائية للاستحقاق التشريعي المقرر في 12 جوان، فهناك من ينتقد هذا المظهر ويحاربه، وهناك من يمتدحه ويباركه.
“الشروق” وقفت على مظاهر في غاية الغرابة منذ حلول شهر الصيام، حيث يفكر بعض موزعي هذه القفف الرمضانية بمنطق انتخابي في عملية توزيع المساعدات، إذ انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي صور لبرلمانين سابقين “كارتل المناسبات” ورؤساء بلديات حاليين في عدة مناطق من تراب الجمهورية، يوزعون المواد الغذائية على الأسر المعوزة دون حتى اتخاذ الإجراءات الاحتياطية الوقائية التي دعت إليها السلطات الصحية، أو القوانين التي تحظر استغلال هذه المناسبة الدينية لأغراض انتخابية.
وعبر أستاذ العلوم السياسية الدكتور محمد بن عائشة، في حديث لـ “الشروق”، عن انزعاجه من استغلال بعض المترشحين في قوائم الانتخابات، لمسألة توزيع الطرود الغذائية التي لا تتجاوز قيمتها 3000 ألف دينار على الأسر، وقال، “لا يعقل أن يقوم رؤساء بلديات بأموالهم الخاصة أو برلمانيون بتوزيع القفة على الناس في هذه الظرفية”.
“شوفوني راني ندير في الخير!”
وأضاف المصدر ذاته، أن السلطات المحلية هي الجهة الوحيدة التي يجب أن تتكلف بتوزيع المساعدات المرتبطة بتبعات “كورونا” لتفادي وقوع مشاكل أو استغلال سياسي، مشيرا إلى أن “تجار المناسبات” استغلوا لجوء الدولة إلى منح إعانة 10000 دج لفائدة المعوزين قبل بداية شهر الصيام، وذلك بالبدء في استهداف القرى النائية وحتى المناطق الحضرية لتوزيع طرود بخلفيات انتخابية محضة، مشيرا إلى أن “القفة” إذا كانت تحفظ كرامة الممنوح له، أو المتصدق عليه، فيجب ألا تكون بتلك الطريقة الّتي نشاهدها اليوم، حيث يصطف الناس أفواجا في طوابير، أمام عدسات الكاميرات، للحصول على لترين من الزيت وكيلوغرام من السكر وعلبة شربة وعلبة من القهوة و500 غرام من الطماطم، مضيفا، “إذا كان الهدف هو التعاون والتكافل، عملا بمقتضيات معاني وأهداف تشريع الصيام التي هي الإحساس بالآخر، فليس بالشكل الّذي نراه الآن”.
وبحسب عبد النور، الفاعل الجمعوي في جمعية “كافل اليتيم” في ولاية الشلف، فإن مساعدات اليوم جاءت في ظرفية انتخابية ضيقة، التقت برغبة دفينة تريد الظهور، لافتا إلى أن الأحزاب السياسية عادة ما تكون أهدافها واضحة ومرتبطة بأجندة ومصالح مرتقبة، قائلا: “وجب وقف عمليات التشهير التي تطال عائلات عديدة خلال هذا الشهر” منبها إلى ضرورة العودة إلى الثقافة الجزائرية الأصيلة، والتي تدافع عن التعاون، لكن في إطار الكتمان وحفظ كرامة الناس.
رأي آخر يمثله خالد حساني، رئيس الجمعية الولائية “افعلوا الخير” في وهران، الذي أكد أن الجزائريين درجوا على التضامن والتكافل من خلال “قفّة رمضان”، الّتي تقوم بها جمعيات خيرية وفعاليات مدنية وليس سياسية، بالإضافة إلى مساعدات الدولة التي تضمن سرية “التوزيع”، وهو عمل ليس فيه أي إهانة، بخلاف بعض التنظيمات التي وضعت “الإحسان السياسي” شعارا لها في هذا الشهر، من خلال توزيعها مساعدات في شكل 100 قفة على كل قرية، حيث باتت الأحزاب في الجزائر، تتقاذف تهم استغلال عوز أسر عديدة انتخابيا، بضمان حيازة الأصوات مقابل الدعم، وهو ما سيتقوى في هذا الشهر، حيث حوله سماسرة الانتخابات، فرصة ذهبية” لاستغلاله ضمن الأجندة الدعائية تحت غطاء العمل الخيري”.
ولاحظ مراقبون في عدة ولايات، أن الانتخابات التشريعية القادمة، صارت محطة لرفع الفعل الخيري وإغداق العطايا والمساعدات”، ما رفع وتيرة حملات ‘شوفوني راني ندير في الخير”، بينما تصنف هذه المظاهر المشينة ضمن طابع الرياء والتوظيف السياسي المشبوه والأمور غير القانونية التي يعاقب عليها قانون الانتخابات كونها حملة انتخابية مسبقة وجب تفاديها، علاوة على أنها رشوة سياسية مقيتة لا تستهدف العمل الخيري بأبعاده السامية، بقدر ما ترمي ضمان أصوات وتهيئة أجواء سياسية.
قد يهمك ايضاً
مسجد "سيدي رمضان" في حي القصبة العتيق في الجزائر صرح شامخ منذ 10 قرون
"مستشار رئيس الجمهورية الجزائري"الإعلان عن تركيبة المرصد الوطني للمجتمع المدني