تونس - حياة الغانمي
كشفت دراسة ميدانية بعنوان "الشباب والهجرة غير النظامية في تونس"، أن 45 % من الشباب التونسي لديهم استعداد للهجرة، أو أنهم بصدد التفكير فيها، حتى ولو كانت غير شرعية، فيما أكد 9.2% من المستجوبين ضمن الدراسة، انخراطهم في مسالك الهجرة السرية، وأوضح 15% منهم أنهم بصدد الاتصال بوسيط للهجرة غير الشرعية. ولا يعتبر هذا الأمر غريبًا بالنظر إلى ارتفاع عدد الإيقافات على الحدود البحرية، وتفيد المعطيات أن كل عملية هجرة سرية يتم ضبطها في تونس، يوجد في مقابلها 3 عمليات ناجحة.
وتتصدّر ولايتا نابل وبنرزت قائمة الولايات التونسية، في عدد محاولات الهجرة غير الشرعية التي تم إحباطها، فيما سجلتا أعلى نسبة في عمليات العبور، وارتفعت النساء الموقوفات إلى 10% من عدد المهاجرين الموقوفين خلال الشهر الماضي، ويعود تصدر نابل وبنزرت، إلى كونهما أقرب منطقة إلى التراب الإيطالي، إذ تبعد سواحلهما 60 كيلومترًا عن صقلية. كما أن شباب الأحياء الشعبية في العاصمة يحبذون شواطئ بنزرت ونابل، بسبب طول شريطيهما الساحلي، وبسبب انتشار نشاط الوسطاء والسماسرة الذين يمارسون نشاطهم في تجميع المهاجرين من جميع أنحاء تونس بهما، وتبلغ أسعار المحركات الإضافية ما بين 400 دينار و800 دينار.
ورصدت البحرية التونسية تزايد اعتماد المهربين على زوارق متطورة وسريعة، تصل سرعتها إلى 200 حصان وتستغرق ساعة ونصف الساعة، من أجل قطع المسافة بين تونس وإيطاليا وتفوق سرعتها زوارق الحرس البحري التونسي، ويلجأ المهربون إلى تسلم المهاجرين من نقاط تجمّع وسط البحر، وعبر هذه الزوارق يتم نقل المهاجرين إلى جزيرة لامبيدوزا، ويدفع التونسي ما بين 3 آلاف دينار و7 آلاف دينار، حسب شهادات العديد من المهاجرين الذين تم ضبطهم، وكلما قلّ ثمن الرحلة فإن العدد يزداد على متن القارب وتقل فرصة نجاة المهاجرين ووصولهم سالمين إلى وجهتهم في الضفة الأخرى. وعلى الرغم من أن حجم القارب المعتمد للتسفير صغير لا يتعدى طوله 12 مترًا إلا أنه قد يضم 110 شخصًا أو أكثر، وهو ما يجعله عرضه لعطب في أي لحظة.
ولقى خمسة آلاف تونسي حتفهم في قوارب الموت منذ عام 2011، وحتى اليوم، وفق إحصاء موثق، وتدفق على لامبيدوزا 35 ألف مهاجر تونسي، بينما وصل عدد المفقودين التونسيين في إيطاليا، وفق آخر إحصاء، بـ 504 أشخاص.
ويعاقب القانون التونسي مرتكب جريمة الهجرة غير الشرعية بالسجن مدة ثلاثة أعوام وبخطية قدرها ثمانية آلاف دينار كل من أرشد أو دبّر أو سهّل أو ساعد أو توسط أو نظم بأي وسيلة كانت، ولو من دون مقابل، دخول شخص إلى التراب التونسي أو مغادرته خلسة، سواء تم ذلك براً أو بحراً أو جواً، كما يكون العقاب بالسجن مدة خمسة عشر عاماً وبخطية قدرها خمسون ألف دينار، إذا نتج عن الجريمة سقوط بدني للأشخاص الواقع إدخالهم إلى التراب التونسي، أو إخراجهم منه، تفوق نسبتها عشرين في المائة، ويكون العقاب بالسجن مدة عشرين عاماً وبخطية قدرها مائة ألف دينار، إذا نتج عن الجريمة موت.
ولعل ما يقلق أكثر في تونس هو أن فكرة الهجرة لازالت تراود الشباب التونسي، على الرغم من ما تواتر على تونس سمعه من قصص وشهادات لعائدين خاضوا مغامرة الهجرة في عرض البحر، واكتشفوا أن أحلام الثراء وجمع الأموال ليست إلا سراب يثير اللّعاب ولا علاقة له بحقيقة الأوضاع في أوروبا، ولكن مع تفشي البطالة وتواصل الوضع الاجتماعي والسياسي على ما هو عليه في تونس وتنامي الأزمة الاقتصادية في بعض الدول الأوروبية، ومماطلتها في تحسين إجراءات الهجرة القانونية إليها يرى المراقبون أن تدفق المهاجرين لن يتوقف في المستقبل، خاصة وأن الظاهرة تحولت إلى تجارة مربحة لبعض الأطراف خصوصا منظّمي رحلات الهجرة، والعصابات الإجرامية.