أنقرة ـ جلال فواز
أثار إعلان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان حالة طوارئ في تركيا بعد الانقلاب العسكري الفاشل، انتقادات من المعارضة التركية التي اعتبرت القرار "انقلابًا مدنيًا" على البرلمان، فالسلطات التي جمّدت العمل بالاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان، حرصت على تقليل تداعيات قرارها بعدما استحضر ذكريات أليمة لدى الأتراك، الذين لم ينسوا فرض أحكام عرفية بعد انقلاب 1980، والطوارئ في المناطق الكردية بعد أعوام.
لكن دفاع الحكومة عن قرارها لم يمنعها من الإقرار بأن حزب "العدالة والتنمية" الحاكم سهّل لجماعة الداعية المعارض فتح الله غولن، الذي تتهمه أنقرة بتدبير الانقلاب، التغلغل في مؤسسات الدولة، كما اعترفت الحكومة بتقصير جهاز الاستخبارات في كشف الانقلاب والتعامل معه، فيما أقرّت قيادة الجيش بعجزها عن منعه.
وكان لافتًا أن واشنطن خفّفت ضغطها على تركيا في شأن حملة "تطهير" طاولت عشرات الآلاف بعد المحاولة الفاشلة، اذ أعلن ناطق باسم البيت الأبيض أن المجتمع الدولي "سيتابع" ما يحدث، مستدركًا أن "الولايات المتحدة لن تدقّق في كل تفاصيل الوضع في تركيا". لكن ألمانيا شددّت على "ضرورة أن تكون حال الطوارئ محدودة بفترة زمنية، وتطبيقها في شكل مضبوط".
وصادق البرلمان على إعلان الطوارئ لثلاثة أشهر بغالبية 346 صوتاً في مقابل 115، بنيله دعم الحزب الحاكم وحزب "الحركة القومية"، لكن النائب عن "حزب الشعب الجمهوري" المعارض أوزغور أوزيل، رأى في القرار "انقلابًا مدنيًا على البرلمان، يعكس جحودًا تجاه جميع النواب الذين تجمّعوا في مبنى البرلمان لمعارضة محاولة الانقلاب، وتحدث النائب سيزغين تانريكولو، من الحزب ذاته، عن تجميد الحقوق والحريات الأساسية، منبّهًا إلى أن فرض الطوارئ يوجِد وسيلة للحكم تمهّد لارتكاب انتهاكات.
في المقابل، شدّد نائب رئيس الوزراء محمد شيمشك، على أن هذه الخطوة ستُستخدم لملاحقة أفراد "مارقين" داخل الدولة، معتبرًا أن نجاح الانقلاب كان سيؤدي إلى "مجزرة في الشوارع"، وأكد التزام معايير المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، وزاد: ليست أحكامًا عرفية، فلن يكون هناك حظر تجوّل ولا قيود على الحركة سوى للمشبوهين، ونبّه وزير العدل التركي بكير بوزداغ إلى أن فرض الطوارئ هدفه منع انقلاب ثانٍ، واعتبر رئيس الوزراء بن علي يلدرم، أن حال الطوارئ مفروضة على الدولة، لا الشعب، وتابع: سنطهّر الدولة منهم أتباع غولن واحدًا تلو آخر، ونقضي على الذين يحاولون إيذاء وطننا.
ويمنح الطوارئ صلاحيات واسعة للحكومة على مستوى الدولة والمحافظين، وعلى مستوى الأقاليم، بينها إصدار الحكومة قوانين من دون الرجوع إلى البرلمان، وتمديد فترة الاعتقالات والتحقيق، وإسقاط جزء من حقوق الإنسان، خصوصًا ما يتعلق بحرية الرأي والتعبير، ما يشمل منع صدور صحف، أو إغلاقها، أو التحقيق مع أشخاص بسبب آرائهم، وفرض رقابة على الفن والمسارح والسينما والكتب والإصدارات الفنية، كذلك تُحظَّر التجمعات والتظاهرات وأيُّ اجتماعات تثير شكوكًا في احتمال تهديدها الأمن العام، إضافة إلى إعطاء أفراد قوات الأمن أمرًا بإطلاق النار فورًا، في حال عدم التعاون معهم.
وكان لافتاً إقرار شيمشك أن أكثر من ألف شخص في المؤسسات الحكومية، ما زالوا فارين بعد الانقلاب، وفي إشارة توحي بعزل رئيس جهاز الاستخبارات هاكان فيدان قريبًا، اعترف وزراء بينهم كورتولموش، بارتكاب الجهاز أخطاءً هيكلية وفردية خلال الانقلاب، إذ تأخّر في كشفه وفشل في التعامل معه، وتحدث عن إصدار قوانين، وإعادة هيكلة الجيش، مذكّرًا بأن منع المتدينين وخرّيجي المعاهد الإسلامية من الانضمام إليه، لم يَحُل دون تغلغل جماعة غولن. وأعلن مراجعة هذا الأمر، في إشارة إلى احتمال السماح لطلاب المعاهد الإسلامية بالالتحاق في الجيش كضباط.
وتزامن ذلك مع إقرار قيادة الجيش رسميًا بعجزها عن منع الانقلاب الفاشل، على رغم أن جهاز الاستخبارات حذرها قبل ساعات من حدوثه، وشرحت في بيان كيف فشلت محاولات رئيس الأركان الجنرال خلوصي أكار لعرقلة خطط الانقلابيين، وامتناع سلاح الجوّ عن تنفيذ أوامره، قبل أن يعتقله الانقلابيون.
وأثار البيان تساؤلات حول سلوك أكار، الذي يُرجَّح أنه استهان بتحذيرات الاستخبارات وبالمخطط الانقلابي، ولم يستعِن بقائد سلاح الجوّ الجنرال عابدين أونال الذي كان يحضر عُرسًا في إسطنبول، بل بالقائد السابق لهذا السلاح الجنرال المتقاعد أكن أوزترك، وينسجم ذلك مع إفادة الأخير، إذ ينفي اتهامات بقيادة الانقلاب، أو علمه به، وإلى ذلك، أصدرت محكمة يونانية أحكامًا بالسجن شهرين مع وقف التنفيذ على 8 عسكريين أتراك فرّوا إلى اليونان بعد محاولة الانقلاب، إذ أدينوا بدخول البلاد في طريقة غير مشروعة.
وأعلن نائب رئيس الوزراء التركي نعمان كورتلموش، أن الحكومة التركية تأمل في رفع حالة الطوارئ في غضون شهر أو شهر ونصف، إذا ما عادت الأمور إلى طبيعتها، بينما قال وزير العدل بكير بوزداج "إن الغرض من فرض حالة الطوارئ منع وقوع انقلاب عسكري ثان"، وأضاف الوزير متحدثًا أمام البرلمان التركي، أن المواطنين لن يشعروا بأي تغير في حياتهم خلال حالة الطوارئ، وأنها لن تؤثر سلبًا في الاقتصاد أو الاستثمار.
وبعد ساعات من إعلان حالة الطوارئ، وجه الرئيس رجب طيب أردوغان نداءً إلى الشعب ليظل في حالة تعبئة من أجل الديمقراطية بعد فشل انقلاب 15 يوليو/تموز، وعلى الرغم من القيود التي فُرضت على حق التظاهر بموجب حالة الطوارئ، تلقى عدد كبير من الأتراك رسالة نصية من "رجب طيب أردوغان" تدعو أنصاره إلى مواصلة النزول إلى الشارع لمقاومة "الإرهابيين الخونة" حسب وصفه.
ونشرت صحيفة "ييني شفق" (الفجر الجديد) المؤيدة للحكومة تسجيل أذان من مسجد المجمع الرئاسي نسبته إلى أردوغان، لكن مسؤولاً في الرئاسة أكد أنه صوت الرئيس وهو يتلو آيات من القرآن، ونفى أن يكون رئيس الدولة رفع الأذان، في الوقت نفسه، لم تتوقف حملة التطهير التي تقوم بها السلطات التركية. فقد أوقف، أو أقيل، أو كفت أيدي نحو 55 ألف شخص.
وذكرت وكالة أنباء "الأناضول"، الخميس، أن 109 جنرالات أو أميرالات ما زالوا موقوفين، خصوصًا قائد سلاح الجو السابق أكين اوزتورك الذي يشتبه في أنه أحد قادة الانقلاب، كما أوقف المساعد الخاص لأردوغان علي يازجي، وأبقي على توقيف نحو ثلاثين قاضيًا، بينما علقت وزارة الدفاع مهام 262 قاضيًا ومدعيًا عسكريًا، وأعلن المتحدث الرئيسي باسم الرئيس التركي أن عقوبة الإعدام سوف تكون عقوبة عادلة بحق مدبري محاولة الانقلاب، وقال إبراهيم كالين في مقابلة مع قناة "خبر إيه" "إن إعادة العمل بعقوبة الإعدام مدرج على أجندة تركيا".
وفي تداعيات ردود الفعل الدولية، قال البيت الأبيض، الخميس، إن الولايات المتحدة حثت الحكومة التركية على الحفاظ على المؤسسات الديمقراطية بعد محاولة انقلاب، وإن المجتمع الدولي سيتابع ما يحدث في الدولة العضو في حلف شمال الأطلسي، بيد أن المتحدث باسم البيت الأبيض غوش إيرنست قال في إفادة صحفية "الولايات المتحدة لن تدقق في كل تفاصيل الوضع في تركيا".
ودعا وزير الخارجية الألماني فرانك-فالتر شتاينماير، تركيا إلى تقليص حالة الطوارئ في فترة زمنية قصيرة قدر الإمكان، مشيرًا إلى أن كل شيء آخر سوف يمزق البلاد ويضعف تركيا داخليًا وخارجيًا، وأعرب مواطنه وزير الداخلية توماس دي ميزير عن قلقه إزاء التطورات الأخيرة في تركيا، وقال، الخميس، في برلين "إن طريقة ما يسمى بالتطهير في تركيا وحجمه تجاوز أي رد معقول ومتناسب، وحذرت منظمة العفو الدولية من انتكاسة لحقوق الإنسان في تركيا بعد إعلان حالة الطوارئ هناك، وقالت المنظمة إن إعلان حالة الطوارئ لا يصح أن يتخذ ستارًا لانتهاك حرية الرأي، أو لحماية عمليات الاعتقال التعسفي، أو ممارسة التعذيب.