تزيين شوارع الإمارة وتحويلها لمتحف مفتوح

ثمة ما يدعو لإعادة البصر كرتين هنا في شارع البنوك في مدينة الشارقة، فالجدران لم تعد كما كانت في السابق، زينتها الجداريات الفنية التي تعتبر نقطة الانطلاق لمشروع "جدارية"، الذي يهدف لتزيين شوارع الإمارة وتحويلها لمتحف مفتوح يسر الناظرين ويخاطب الناس بلغة الحق والخير والجمال، رهان الشارقة ولغتها التي تتميز بها على الدوام، وهو ذات ما يسعى إليه المشروع، المرتكز على إخراج الفن من صفوية المتاحف والغالريهات إلى الفضاء العام بحيث يكون متاحاً للجميع .

المبادرة التي أطلقها الأسبوع الماضي مركز مرايا للفنون، إحدى مبادرات هيئة الشارقة للاستثمار والتطوير (شروق)، وأحد أبرز مواقع الفنون البصرية المعاصرة في الإمارات، تعتبر من أهم المشاريع التي تعمل على الارتقاء بالذائقة العامة، والمساهمة في إعطاء لمحات جمالية لمدينة الشارقة وتعزيز مكانتها كوجهة سياحية، إلى جانب جذب عشاق الفن من شريحة الشباب بما يسهم في بناء حافز اجتماعي للمشاركة في كافة المشاريع التي يقيمها المركز في إطار هذه المبادرة، على أن يتم التعبير عن هذا الحافز من خلال مشاركة الشباب في العمل الفني، أو في أوقات أخرى من خلال المساهمة بفاعلية في زيادة الوعي ببعض القضايا المهمة، لتمزج بين دورها الوظيفي والجمالي، وهو ذات ما مضى إليه مروان السركال المدير التنفيذي لهيئة الشارقة للاستثمار والتطوير "شروق"، مشيراً إلى أن المشروع الذي انطلق عبر جدارية في شارع البنوك من إبداع الفنان التونسي الفرنسي المعروف "السيد" سيستمر عبر مراحل مختلفة داخل أحياء مدينة الشارقة المختلفة، مبيناً أنه لن يقتصر على جدران المدينة فقط بل سيشمل المدن الأخرى، وأضاف قائلاً: "الهدف من هذا المشروع ليس فقط إضافة المزيد من الجمال إلى جدران المدينة، بل نريد ممن يشعر بأن الشارقة وطن له، وكل من يسير في شوارعنا، سواء للأعمال أو السياحة، لأن يكون جزءاً من الحراك الفني النابض بالحيوية في الشارقة، وهكذا نقوم بنقل الفن إلى خارج جدران وأروقة صالات الفنون"، ويبين أن اختيار شارع البنوك لإطلاق المشروع لم يأت من فراغ، إنما جاء من حركة تشييد المباني التي تمتد على طول هذا الجزء التاريخي من الشارقة في أواخر ثمانينات القرن الماضي لتبشر بحلول حقبة جديدة من النمو والازدهار للإمارة، مشيراً إلى أن ذلك الوقت كان موعد التغيير، والزمن الذي بدأت خلاله تتشكل جذور هذا المجتمع النابض بالحيوية والمتعدد الثقافات الذي نراه اليوم، حيث كانت تلك المباني، القلب التجاري للشارقة بحسب السركال، الذي أشار للتطور الذي تخضع له هذه الأيام من خلال مشروع قلب الشارقة، والذي سيعمل على إحياء هذه المنطقة وتجديدها لتبدو منطقة تراثية تعكس تقاليد الإمارة وإرثها وتمثل وجهة سياحية وتجارية في آن معاً، معرباً عن فخرهم بإضفاء المزيد من الجمال على هذه المنطقة من خلال هذه الجداريات، التي أبدعها الفنان السيد، أحد أبرز فناني الشارع، والذي سبق له التعاون مع الشارقة في مهرجان الفن الإسلامي للعمل في القصباء، مشيراً إلى أنهم يتطلعون لاختيار المزيد من قائمة الأماكن المذهلة والكثيرة في الشارقة كي يضيفوا للمشهد العمراني المزيد من الروعة والبهاء .
الجدارية المطلة على شارع البنوك، تقدم نمطاً جديداً من فن الشارع يدمج فيه الفنان "السيد" بين الخط العربي "بالغرافيتي" ليقدم "الكاليغرافيتي" واستمر العمل عليها ليل نهار حسبما يؤكد ذلك الفنان السيد، مشيراً إلى أنه استوحى العمل من قصيدة جميلة لشاعر الشارقة البارز أحمد بو سنيدة، والتي باتت أغنية معروفة ومحببة في الشارقة، مشيراً إلى أنه كان يعمل على الجدارية منذ الصباح الباكر حتى الغروب، معرباً عن سعادته بالعمل، مشيراً إلى أن المركز وفر له كل الإمكانات اللازمة للعمل، حيث تم تزويده بمعدات السلامة وتقنيات التسلق والهبوط بأمان، بالإضافة إلى أدواته من طلاء بالرذاذ، ومرسام لإبداع التحف الفنية العملاقة في الأماكن العامة لمواجهة تحدي الصعود العمودي في الواجهات الضخمة .
الجدراية الكاليغرافيتية المتعرجة التي تتمتع بتدرج لوني ينساب مع العين كلما صعدت عبر تعرجاتها المذهلة، الحافلة بالخط العربي، تعتبر عملاً فنياً متكاملاً، حيث جذبت أنظار الكثيرين في الشارقة الذين تمكنوا عبرها من التعرف إلى الفنون عن قرب، وهو ذات الهدف الذي يسعى له مركز مرايا، الذي يعمل منذ تأسيسه في 2010 على نقل الفنون للناس عبر مشروعات متعددة .

ويرى يوسف موسكاتيلو، مدير مركز مرايا أن فن الشارع أهم أنواع الفنون، مشيراً إلى أنه أضاف بعداً جديداً للمشهد العمراني، وأسهم في تحويل الجدران إلى لوحات فنية تُبرز الثقافة الشعبية لسكان الإمارة، باستخدام وسيلة رائعة لإضافة جمال خارجي، وتأسيس حوار بين الناس وعالم الفن، مشيراً إلى سعيهم من خلال هذه الأعمال لمشاركة المجتمع وخاصة شريحة الشباب، في هذا المشروع .

وينتظر أن تتزين شوارع الشارقة بمجموعة من الجداريات الفنية المختلفة ضمن المراحل المقبلة للمشروع، الذي يهدف لتعزيز الإمارة كواجهة سياحية، بعد ريادتها كمركز للثقافة العربية والإسلامية في المنطقة .