صانع الرخام يبتكر طريقة لصناعة فانوس بأطر مختلفة

مساحة لا تتعدي الأربعة أمتار تحتضن بين جدرانها المتواضعة، قطعًا فنية شاهدة على مراحل تطور صناعة الفوانيس، في مصر.. فمنذ أن دقت يد أول صانع مصري وأخرجت أول فانوس نحاسي في مصر الفاطمية، وصناعة الفانوس في تطور مستمر، قطعًا فنية تملأ ورشة أول صانع للفوانيس من الرخام، قطعًا فنية تملأ الورشة تٌنبئ عن دقة ومهارة وحميمية الأيادي التي صنعتها، تحتفظ بروعة الشكل ودفء المكان التى جعلت المصريين والسياح يقصدون تلك الورشة الصغيرة في حي الربع في مصر القديمة.
ورشة عم جابر.. هي أولى تلك الورش التي تحاول تطوير صناعة الفانوس، من خلال إيمانه بأن الرخام مُعَمر والفانوس المصنوع من الصفيح يصدأ ويُكسر بعد وقت قليل.
يقول عم جابر: مع حلول موعد زفاف إبنتي أردت أن أصنع لها شيئًا مميزًا، فأشار علي إبني الكبير محمد أن أصنع لها فانوس من الرخام وبالفعل أخذنا، الشكل الخاص للفانوس من الفانوس الصفيح، وأعُجبت إبنتي جدًا بالفانوس حتى أنها مازالت تحتفظ به من أجل فرح إبنتها وتركنا الفكرة لأن شغلنا كان مرتبط بصناعة التماثيل الفرعونية والأشكال مثل الطقطوقة.
ويضيف عم جابر لأنه مع أحداث الثورة وما تعرضت له البلاد من مآسي جعلت حركة السياحة ضعيفة لذلك بدأنا في تصنيعه لأننا لدينا عمال وضرائب ونريد أن نعيش، فأقبل الناس على شراءه وذلك لأن لدينا صناع مهرة، وصعوبة الفانوس الرخامي تكمن في أن الفورمة الخاص به، الشكل التأسيسي للفانوس، تتغير من عام إلى آخر وبأشكال جديدة ومختلفة.
ولا تستغرق صناعة الفانوس الرخامي وقت طويل فبحسب عم جابر: هذا العام صنعنا إحدى عشر فانوس إستغرقت صناعتها (15) يومًا فى الورشة، والورشة يعمل بها ثلاث صنايعية، يتقاضي الواحد منهم (100 جنيه) يوميًا، فمراحل صناعة الفانوس ليست صعبة أو مرهقة خاصة وأنه لصناعة الفانوس مذاق خاص، فصناعة فانوس تختلف عن صناعة تمثال أبو الهول أو تمثال نفرتيتي أو أى شكل آخر.
ويشير إلى أنه يتم جمع ألواح الرخام ويتم أخد المقاسات المطلوبة بالنسبة لطول وعرض الفانوس ثم يتم تقطيع الألواح بحسب مقاساتها وتُجمع ثم تلُصق عن طريق إضافة مادة "الكولَّة"، وعندما تكتمل أضلاع الفانوس الأربعة نقوم بشطف أي زيادات عن طريق إستخدام أدوات الحفر، ثم يتم تركيب قبة الفانوس وهي التي تكون مصنوعة إما بنفس طريقة صناعة جسم الفانوس أو تكون محفورة حفرًا داخل قطعة كبيرة من الرخام ثم يتم جليه، وتنظيفه من بودرة الرخام، ومن ثم تلميعه، ولتبدأ مرحلة أخرى.
آخر مراحل صناعة الفانوس، هي مرحلة الكتابة عليه وتتم الكتابة على الفانوس بإستخدام الألوان بخطوط إسلامية سواء كان الخط الكوفي أو العثماني أو خط النسخ بحسب رؤية الصانع للفانوس وفي غالب الأمر تكون الكتابات المنتشرة على الفانوس هى آيات قرآنية أو عبارات وآدعية بمناسبة شهر رمضان، ويقول عم جابر: إننا نبدأ التحضير لصناعة الفوانيس في أوائل شهر رجب خاصة وأنه ليس لدينا أماكن نقوم بتخزين البضاعة فيها ونخشى أن تتعرض الفوانيس للتلف عن طريق تعرضها للأتربة وأشعة الشمس التي تُفقدها زهوها وبريقها مما يجعلها بضاعة لا تباع، لذلك كلما تم بيع الفوانيس خلال الموسم كان أفضل لأنها تحتفظ بذلك البريق.
وتابع: الفانوس الرخامي ليس سهل الحمل بآيادى الصغار ولكنه مصمم للوضع في غرف الإستقبال أو على أبواب الفنادق أو الشركات، ولكني هذا العام صممت مجموعة من الفوانيس الصغيرة التى يُمكن وضعها بداخل غرف النوم أو في مكتبة أو يمكن نقله من مكان لآخر حسبما يتراءى للشخص صاحب الفانوس.
يتنهد عم جابر ويتراجع للوراء قليلاً، ويعود قائلًا: مصر غنية جدًا بالأحجار الكريمة والراقية، الرخامة التى يُصنع منها الفانوس لا توجد إلا في مصر وفي محمية في بنى سويف، الفوانيس التي نقوم بصنعها في الورشة يتم إستخدام رخام من نوع الأونكس أو الألباستر وهذان النوعان يستخدمان لأن خاماتهم شفافة جدًا مثل الشمع السايح، فعندما تُوضع بداخل الفانوس لمبة أو حتى شمعة فإنه يضئ ويصبح شكله في غاية الجمال.
إن الصدفة جعلت من عم جابر صانع الرخام يتحول إلى مصمم لشكل رائع من الفانوس، جعلته رغم أن مكسب العملية غير مضمون وخسارته كبيرة بالنسبة لرجل يعمل بيده، ولكنه إستطاع أن يخرج بالفانوس من أطره وقواعده إلى قواعد وأطر مختلفة.