المسرح الوطني العراقي


شهد المسرح الوطني العراقي، اليوم الخميس، ولليوم الثاني على التوالي عرضاً لمسرحية (مكاشفات) للفرقة الوطنية للتمثيل التي أعدها الراحل قاسم محمد، وأخرجها غانم حميد، جسّد أدوارها الفنانون: شذى سالم وميمون الخالدي وفاضل عباس، وسينوغرافيا علي السوداني 

 واتكأ العرض على أدوات الممثل وعناصر السينوغرافيا وبلاغة النص، واستهلت مشاهده بمؤثر صوتي يتصاعد من عمق الخشبة استحضر خطبة الحجاج في أهل العراق، جسّد الصراع بين الطغيان وضحاياه، في إسقاط على الراهن العربي، من خلال حكاية عائشة بنت طلحة والحجاج بن يوسف الثقفي.

وسعى المخرج في العرض الذي نهض به في دوري عائشة والحجاج الفنانان القديران شذى سالم والدكتور ميمون الخالدي، إلى خلق محاكاة بين الماضي والحاضر من خلال مفاهيم الشعب والمعارضة والسلطة الديكتاتورية، عبّرت عنها مونولوجات وديالوجات العرض بلغة شعرية بليغة.

ولم تخل المسرحية من اللمحات الكوميدية الخفيفة، ونهلت من تقنيات وأسلوبية المسرحية الشعرية المعاصرة، من حيث خلق واقع فني بديل من الواقع، يبتعد عنه زمانياً ومكانياً، إلا أنه غير بعيد من الناحية الدلالية، والتغريب وكسر الإيهام المسرحي لأكثر من مرة، إضافة إلى التمسرح داخل المسرح لاسيما مساهمة الأدوار والشخصيات التي قدمها بإتقان الفنان فاضل عباس.

ووفق المخرج غانم حميد بتوظيف قدرات الممثلين المميزة وأدائهم الشخصيات بين الماضي والحاضر والانتقال بها من حالة إلى أخرى، وتمكنهم من امتلاك أدوات الإلقاء والمحافظة على شعرية وجماليات النص المنطوق بالفصحى والغني بالانثيالات الشعرية والانتقال منه إلى اللهجة العراقية المحكية دون إخلال.

كما وفق المخرج بتوظيف تقنية الأبعاد الثلاثة في الداتا شو من خلال تأثيث المسرح بشاشات بيضاء ثلاث وظفت فيها انعكاسات كبيرة لظلال شخصيتي عائشة والحجاج في مواقف تطلبت إبراز وتضخيم إحدى الشخصيتين أو كلاهما والمتأتي من موقف أو عبارة أو مونولوج معين، إضافة إلى استخدام الداتا شو في ختام العرض لمشاهد من المظاهرات التي جرت أخيراً في بغداد للتعبير عن السينوغرافيا التي نفذها الفنان علي السوداني، ساهمت إلى درجة كبيرة بخلق بيئة درامية تتساوق مع فصاحة النص ولغته الشعرية ومحمولاته لاسيما الإضاءة المتغيرة والمتحركة بألوانها الحمراء والخضراء والصفراء والتي جاءت منسجمة ومعبرة مع سياقات العرض، والديكور لاسيما الكتلة الضخمة المتموضعة إلى يسار منتصف الخشبة والتي مثلت مقعد السلطة المرتفع بدرجاته السبع، على الشعب، غير المنشغل سوى بسيفه للقمع والتنكيل، علاوة على الأزياء وإكسسوارتها المختلفة والتي ارتداها الفنانون سالم والخالدي وعباس وعبّرت في محمولاتها عن تلك السياقات.

يقول المخرج غانم حميد: " إنّ المسرحية تكشف الصراعات الفلسفية الانتهازية العميقة التي تسكن في دواخل الحاكم المستبد، من خلال الحوار الذي يجري بين الحجاج بن يوسف الثقفي وبين عائشة بنت طلحة أرملة ضحية الحجاج، مصعب بن الزبير".

وأضاف: "هذه التجربة تمثل لي تحدياً كبيراً وأنا عارف وعالم بقدرتي وتطورها وإلا من يجرؤ اليوم على أن يقدم مسرحية شعرية بلغة فخمة ربما تكون قديمة في بعض بناءاتها وموزونة وتتوسل في بعض أماكنها بالقافية برغم ضعف قدرة التلقي العام الباحث عن السهولة والإيجاز والكثافة في رسم الموضوعة وتقديمها لكني قادر على أن أقدم تجربة تتجاوز ما قدمت برؤيا معاصرة وبتقنيات إخراجية حصيلة نجاحات عدة مضت".

وأكدّ حميد أنه أراد إخراج العمل منذ العام 1995، عندما اقترح عليه الراحل قاسم محمد، فكرة أن يقدم هذا النص بعرض يمثل هو فيه شخصية الحجاج، مع الممثلة العربية نضال الأشقر، بعد إعداده للنص عن كتابين عربيين هما: أنا بن جلى لمحمود تيمور، ومكاشفات عائشة بنت طلحة لخالد محيي الدين البرادعي، أجازها وتبناها المركز العراقي للمسرح آنذاك، لكن النظام السابق منعها بعد قطع شوط من التدريبات، لتبقى طي الأدراج طيلة عشرين عاماً.

وتمنى حميد " أن يكون هذا العرض فتحاً جديداً لمسرح حيوي وعودة حقيقية للتلقي ورجوع أمثل لقدرة الكلمة التي بني على أساسها المسرح مع الاعتزاز بالصورة فالأذن تعشق قبل العين أحيانا".

وستشارك (مكاشفات) في مهرجان المسرح العربي بدورته الثامنة الذي تنظمه الهيئة العربية للمسرح التي ستنعقد في دولة الكويت بين العاشر والسادس عشر من شهر كانون الثاني الحالي، حيث ستنافس على نيل جائزة الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي حاكم الشارقة لأفضل عمل مسرحي عربي للعام 2015.