اكتشاف لوحة فسيفساء تبسة

عرف مؤخرا نشاط تهريب الآثار في الجزائر تزايدا عبر مختلف المعابر الحدودية، إذ بات يصنف ثالثا بعد جرائم المخدرات و الاتجار بالأسلحة، كما أخذ أبعادا أوسع و تعدى الشعوذة و أساليب التنقيب و التهريب القديمة، ليعتمد بشكل كبير على التكنولوجيا، عقب انفتاح السوق الإلكترونية على الآثار،  ما ضاعف الطلب عليها حتى في دول الخليج العربي، و سهل على اللصوص بيعها، خصوصا بالإقليمين الجنوبي و الشرقي للبلاد ، لغناهما بهذه الكنوز التي باتت مصدر تمويل هام للمتطرفين.

في الجزائر استفحل هذا النشاط خلال العشرية السوداء، ليتوسع مداه جراء حربي العراق و سوريا، وهو ما أفرز تطورا في طبيعة الوسائل اللوجيستيكية، التي يستخدمها المخربون من تجهيزات تباع على الإنترنت أو تهرب إلى الدول المستهدفة عن طريق أفراد و جماعات إجرامية، تنشط ضمن منظمات يصعب كبحها، خصوصا في ظل وجود ثغرات في قانون حماية التراث الجزائري 98ـ 04، الذي يرى مختصون بأنه يستوجب مراجعة استعجالية، كما يؤكدون بأن جزءا من مسؤولية حماية التراث الثقافي، يقع على عاتق المواطن الذي يفتقر في بعض الأحيان للوعي الكافي بأهمية هذا الموروث الإنساني و المورد الاقتصادي.

الجزائر متحف مفتوح في مواجهة الإرهاب الثقافي
 تعتبر الجزائر متحفا أثريا مفتوحا، و قد وقّعت مطلع سبعينات القرن الماضي على «اتفاقية حماية التّراث العالمي، الثّقافي والطّبيعي»، بمنظمة اليونسكو ، و صنفت بدءًا من الثمانينيات، سبعة مواقع  ضمن قائمة التّراث الإنساني، كما  اكتشفت منذ أيام فقط فسيفساء جنائزية من العهد البيزنطي بمنطقة نقرين بتبسة إلا أنها خربت في غضون يومين، و قبلها اكتشف موقع يزيد عمره عن 2.4 مليون سنة بعين بوشريط في سطيف سنة 2019.

 و تعد آخر المكتشفات ضمن سلسلة طويلة من المواقع التي بات التصريح بها معقدا، رغم إلزامية ذلك قانونيا، و السبب هو حمايتها من عمليات التخريب قصد السرقة و التهريب، التي تطالها بشكل دائم، منذ سنوات عديدة، كما صرح به للنصر  في وقت سابق، مدير الثقافة لولاية ميلة جمال بريحي.

 باستثناء  الفترة الاستعمارية التي نهبت خلالها ثروات عديدة، تعتبر مرحلة التسعينيات منعرجا فاصلا بالنسبة لهذا النشاط، و ذلك بعدما خدم الإرهاب الأمني، الإرهاب الثقافي، كما عبرت مديرة المتحف الوطني العمومي بقسنطينة، آمال سلطاني، مشيرة إلى أن هذه المرحلة الصعبة من تاريخنا سهلت استباحة التراث، فيما تؤكد مختلف أجهزة الأمن بأن هذا النشاط عرف تزايدا في السنوات الأخيرة، إذ كشفت المديرية العامة للأمن الوطني سنة 2016 ، بأن مصالحها عالجت منذ التسعينات 170 قضية تتعلق بتهريب ما يتجاوز 10 آلاف قطعة أثرية.

 بالمقابل، أكد ممثلون عن مكتب الشرطة الخاصة بالقيادة الجهوية للدرك الوطني خلال ملتقى حول حماية التراث ومكافحة التهريب انعقد بقسنطينة سنة 2017، أن الجزائر تتكبد سنويا خسائر تعادل  6 مليار دولار، بسبب تهريب الآثار و التحف.
و تمت الإشارة خلال الملتقى إلى أن قيمة المسروقات ارتفعت بشكل ملحوظ في السنوات الأخيرة، بسبب تزايد نشاط الجماعات المتطرفة في سوريا و العراق التي حولت التراث الإنساني إلى أحد أهم مواردها المالية، خصوصا و أن قيمة حفريات بسيطة، قد لا تتعدى صخرة بها سهم صغير، تعادل 150 أورو، في السوق السوداء التي تعتبر إيطاليا و ألمانيا أكثر الدول تداولا فيها.

خلال ذات الملتقى، ذكر محافظ الشرطة مصطفى بالموكر، رئيس الفرقة الاقتصادية و المالية بالمصلحة الولائية للشرطة القضائية بقسنطينة، بأن دراسة حول نوعية المتورطين في قضايا التهريب، أوضحت بأن 38 بالمئة منهم، أشخاص تتراوح أعمارهم بين 39 و 74 سنة، بينما 73 بالمئة منهم دون مستوى تعليمي، و 8 بالمئة جامعيون و أصحاب اختصاص، مقابل 7 بالمئة أعوان أمن و حراسة، سواء في المواقع الأثرية أو المتاحف و 17 بالمئة فلاحون، بينما يشكل البطالون 29 بالمئة من الناشطين في هذا المجال.

و في سنة 2018 نشرت وزارة الثقافة بيانا حول إحالة 43 متورطا في جريمة المتاجرة غير  المشروعة بالممتلكات الثقافية و تهريب الآثار أمام العدالة، وذلك  خلال السداسي الأول  فقط من العام، مع استرجاع 4427 ممتلكا ثقافيا.

تورط سياح و علماء أجانب والآثار الرومانية الأكثر طلبا
تؤكد مصالح أمنية مختلفة، بأن مدن الشرق تعتبر أكثر المناطق عرضة لنشاط التهريب، حيث يسيل الإرث الروماني لعاب تجار و زبائن الآثار عبر العالم، خصوصا في أوروبا و تحديدا إيطاليا و ألمانيا.

 من جهة ثانية، يشكل الجنوب الكبير معضلة حقيقية أمام خلايا مكافحة التهريب بسبب شساعة الشريط الحدودي و كثرة النشاط السياحي، إذ يؤكد مختصون بأن أصابع الاتهام توجه أيضا للسياح و حتى الباحثين، وحسب الأستاذ شعيبي عبد الحق، محافظ التراث الثقافي بالمتحف الوطني العمومي سيرتا، فإن التراث  يتعرض للنهب بطرق مختلفة عن طريق التنقيب العشوائي، وحتى باسم البحث العلمي وقد حدثت مواقف عديدة في الطاسيلي و في مناطق أثرية أخرى أين استخدم باحثون و علماء آثار أجانب تقنيات حديثة و نوعية من الأوراق ذات الخصوصية الكيميائية لنقل الرسومات الحجرية و غيرها، كما يوجد حسبه، سياح أجانب يحترفون سرقة الآثار، ففي سنة 2011، عالجت محكمة تمنراست بأقصى الجنوب الجزائري، قضية تتعلق بخمسة سياح ألمان اتهموا بتهريب الآثار في منطقة جنات جنوب حظيرة الطاسيلي، إذ عثر عليهم من قبل مصالح الدرك الوطني في الموقع المسمى «تادارت» وهم يقومون بنشاطات مشبوهة على متن سيارتهم الخاصة بعدما ظن أنهم تاهوا في الصحراء ورجحت  وسائل إعلام إمكانية تعرضهم للاختطاف.

 

:قد يهمك ايضــــاً

 البرلمان المصري يوافق مبدئيًا على إنشاء نقابة للمكتبيين

 مسؤولة البرامج الثقافية في اليونسكو تشيد بأعمال "متحف الحضارة"