اليابان

تحمل الطفلة ماو تاكيشيتا ابنة السادسة على عاتقها تقاليد تخطى عمرها ثلاثة قرون. تقف ماو برداء الكيمونو التقليدي الثقيل وقد غطت وجهها بطلاء أبيض سميك لتبدو مثل ممثلي فن الكابوكي. فيما يجلس أمامها جمهور يقدر بالمئات على حصير التاتامي، تخطو ماو للأمام نحو الضوء لتؤدي رقصة ثم تقدم نفسها بدندنة ذات نغم منفرد تقليدي قديم.

مظهرها مستوحى من طقس قديم. فعندما يبدأ العام الدراسي الجديد ستكون أول تلميذة بمدرستها في قرية "دأمين" التي تقع في وسط جبال اليابان لتنضم إلى مجموعة كبيرة لكنها متضائلة من الأطفال الذين يؤدون الأعمال الدرامية المنمقة ل فن الكابوكي.

يقضي الطلاب كل عام شهورًا في التحضير لأدوارهم للخروج بعمل درامي متقن. وساعد الالتزام بأداء الأعمال التي بنى لها سكان قرية "دامين" مسرحًا مؤقتًا من الخيزران على إبقاء المدرسة الابتدائية على قيد الحياة حتى بعد إغلاق العديد من المدارس الأخرى في المناطق الريفية في اليابان بسبب قلة عدد الأطفال.

وفي الوقت الذي تتعامل فيه "دامين" مع نفس العناصر التي قضت على قرى يابانية أخرى - شيخوخة السكان والهجرة إلى المدن - قد تختفي هذه الطقوس التي شهدها عشرات الأجيال والتي لا تزال تحتفظ بجودتها وسحرها حتى اليوم.

الأطفال هم صميم العرض الذي يقام في فبراير (شباط) من كل عام حيث تراهم وقد انهمكوا في وضع الماكياج وراء الكواليس وهم يندفعون عبر جزء صغير من المسرح يسمى "هنمايشي" المخصص للممثلين الرئيسيين لتراهم يدوسون بأقدامهم ويلوحون بسيوفهم في الهواء. يصرخ الحشد تعبيرًا عن التأييد ويرمون بأكياس مليئة بالعملات المعدنية على خشبة المسرح لتهبط في صحن معدني.

كان هناك 11 فنانًا شابًا العام الجاري، لكن بعد أن التحقت ماو بالصف الأول، لن يكون هناك تلاميذ بمدرسة "دامين" الابتدائية على الإطلاق.

تقع مهمة تعليم الأطفال فن وطقوس "كابوكي" على سوزومي إيشيكاوا (82 عامًا) التي غالبًا ما تسافر برفقة مجموعة صغيرة من رواد المسرح القديم لتدرب الممثلين الشباب على أداء تلك العروض.

عندما كانت مراهقة، انضمت إيشيكاوا إلى فرقة من النساء الشابات اللواتي قدمن عروضًا في جميع أنحاء البلاد، وهي النسخة النموذجية لمجموعات الفتيات التي تتسيد مشهد البوب الحديث في اليابان.

بعد عقود، باتت إيشيكاوا مسؤولة عن إدارة عروض وتمارين الطالبات وتصميم الحركات اللافتة التي باتت اختصارًا لأشهر مسرح تقليدي في اليابان.

 

تعتقد إيشيكاوا أن مهرجان "دامين كابوكي" هو الأقدم من نوعه في المنطقة، لكن ليس من الواضح إلى متى يمكن أن تستمر، فليس الأطفال وحدهم من يختفون، فمعلموهم أيضًا اندثروا.

بمجرد خروج إيشيكاوا من المشهد لا أحد يعرف من سيحل محلها. وتعليقًا على الحال، قالت في أسى إن أحدًا لم يعد يرغب في الالتزام بدوام كامل مع "كابوكي". أضافت ومسحة حزن ظاهرة على وجهها انتظارًا لقيام البالغين بقيادة البروفات، "قد تكون مقاطع الفيديو هي أداة التعليم الجديدة لهذا الفن".

رغم بقاء المهرجان على حالة لسنوات طويلة، تغيرت القرية وبلدة "شيتارا" التي تنتمي إليها في تفاصيلها الكبيرة والصغيرة.

تضاءل "شيتارا"، مقارنة بالفترة التي قضتها فيها بين جنباتها. فالعديد من الفنادق القديمة ذات الطراز الياباني التي اصطفت على جانبي الشارع الرئيسي خرجت من الخدمة.

النشاط الوحيد الذي أخذ في التنامي بصورة حقيقية في المدينة هو رعاية المسنين. وفي هذا الصدد، قال ماساهيرو توياما، الذي عمل في السابق في نفس القسم الذي عملت به في مبنى البلدية وهو الآن رئيس قسم التعليم في المدينة، إن هناك 70 وظيفة جديدة في دور التمريض التي ظهرت في ضواحيها.

العام الجاري، تخطط البلدة لبدء التشاور مع القرويين حول مستقبل قرية "دمين"، حيث تدرس دمج المدرسة مع مدرسة أخرى في واد قريب.

أضاف توياما: "إنها مشكلة صعبة. فإغلاق المدرسة سيكون بمثابة تمزيق لروح القرية"

قد يهمك ايضا:

اليابان وأمريكا تتفقان على تطوير لقاحات مضادة لفيروس كورونا

الإنتاج الصناعي في اليابان يرتفع خلال شباط رغم "كورونا"