دبي – العرب اليوم
يستضيف مزاد كريستيز للأعمال الفنية شرق أوسطية الحديثة والمعاصرة في دبي خلال شهر مارس/آذار 2017، الفنان التشكيلي المصري محمود سعيد (1897 – 1964)، حيث يشمل المزاد المرتقب ست لوحات استثنائية له، إلى جانب إطلاق كتاب شامل مقرون بشروحات مفصّلة عنه كأول دليل من نوعه عن فنان تشكيلي في منطقة الشرق الأوسط، وأيضًا تنظيم معرض استعادي لأعمال محمود سعيد يتضمن بعض أهم أعماله التي عُرضت وبيعت في مزادات كريستيز في دبي خلال العقد المنصرم.
وأُخذت اللوحات الست المشاركة في مزاد كريستيز في دبي (من 15 – 19 مارس/آذار) من المقتنيات الخاصة لأفراد من عائلة محمود سعيد وهم محمد سعيد ذو الفقار، ابن أخت محمود سعيد وهو أحد أشقاء صافيناز ذو الفقار الشهيرة باسم الملكة فريدة؛ وإسماعيل مظلوم، ابن خالة محمود سعيد؛ و د. حسن الخادم وناديا محمود سعيد، ابنته الوحيدة. وتمثل هذه اللوحات الست ما يربو على أربعة عقود من مسيرة محمود سعيد مع الرسم، بدءًا من لوحة "عيد الأضحى" (1917 تقريباً)، ثم "قبور باكوس، الإسكندرية" (رسمة أولية، 1927 تقريباً)، ثم "بورتريه محمد باشا سعيد" (أواخر عشرينيات القرن العشرين)، ثم "تأمُّل النفس" (1930)، ثم اللوحة الكبيرة "أسوان – جُزر وكثبان" المعروضة في المزاد مع رسمتها الأولية التحضرية وتعودان معاً إلى عام 1949. وتُظهر اللوحات الستة طيفاً عريضاً وغير مسبوق من رحلة محمود سعيد مع الرسم، من الشعائر الدينية إلى بورتريه العائلة، ومن بورتريه المرأة إلى طبيعة النيل الخلابة، ومن لمسة المدرسة الانطباعية إلى ألوان محمود سعيد المفعمة، ومن الرسم بالفحم إلى اللوحات الصغيرة والكبيرة.
ويشمل المزاد المرتقب لوحة "أسوان – جُزر وكثبان" إلى جانب الرسمة الأولية التحضيرية، ورُسمت كلتاهما بالألوان الزيتية في عام 1949، وهذه هي المرة الأولى في سوق الأعمال الفنية الشرق أوسطية التي تُعرض فيها لوحة مع الرسمة الأولية التحضيرية لها في مزاد واحد. ويُشاهد في هذه اللوحة النيل في يوم مشمس، وهناك اختلافات دقيقة بين اللوحة النهائية واللوحة الأولية، خاصة في ألوان الجبال والسماء التي تبدو أكثر بساطة في اللوحة النهائية مقارنة باللوحة الأولية. وتُظهر هذه اللوحة ممارسة محمود سعيد الإبداعية على خُطى رسامي القرن الثامن عشر الذين اعتادوا البدء برسمة أولية تحضيرية بحيث تتحدّد معالم اللوحة النهائية، بشكلها وألوانها وظلالها، قبل البدء بها. ومن المرجح أن محمود سعيد قد زار أسوان للمرة الأولى بين عامي 1918-1919، غير أن أول لوحة له تجسّد أسوان تعود إلى عام 1947، ومن ثم رسم لوحات عدّة لأسوان خلال الفترة بين عامي 1948-1949، ولاحقاً في عام 1953.وفي المجمل، يبدو اختيار الألوان في اللوحة النهائية والرسمة الأولية المصغَّرة متشابهاً، غير أن اللون الأصفر الساطع للجبال والأزرق السماوي النقي للسماء أقلّ صقلاً في اللوحة النهائية مقارنة بألوان الرسمة الأولية التي تبدو أكثر براعة. ومن الفروقات الأخرى بين اللوحتين النهائية والأولية أن محمود سعيد اختار في اللوحة النهائية تحريك "الفلوكة" (المركب) التي يبحر به رجلان إلى وسط اللوحة مقارنة باللوحة الأولوية حيث تبرز في صدر اللوحة النهائية. ويتلاقى اللون الأزرق لجلابية الرجلين مع ألوان السماء وانعكاسه في مياه النيل، وأيضاً في الصخور المتناثرة، وهو ما يرمز إلى تضاريس المياه النيل الضحلة في محيط أسوان. وهاتان اللوحتان كانتا ضمن مقتنيات نادية محمود سعيد و د. حسن الخادم (القيمة التقديرية: 250,000 – 300,000 دولار أميركي).
ولا شك أن لوحة البورتريه الذاتية الفريدة المعنونة "تأمُّل النفس" والمعروضة في مزاد كريستيز المرتقب هي واحدة من أكثر اللوحات الذاتية اللافتة لمحمود سعيد من بين لوحات البورتريه الذاتية الأخرى له التي يُعتقد أنها ثمانية أو تسعة، أربعة أو خمسة منها في شكل رسومات. وكما يشير عنوان اللوحة فإن محمود سعيد يتأمل في نفسه وهو في سنّ 33 عاماً في عام 1930، كاشفاً عن مكنون ذاته في هذا البورتريه الذي يبدو فيه واثقاً من نفسه ومعتداً بنفسه. وينصبّ اهتمام محمود سعيد في هذه اللوحة على إبراز تعابير وجهه، بخاصة العينان الداكنتان المحاطتان بحاجبين كثيفين يتسمّر أمامهما من يشاهد اللوحة. ويُشاهد محمود سعيد في لوحة البورتريه مرتدياً قميصاً وبشعر داكن غير ممشوط، ويبرز وجهه مقابل خطوط التهشير السوداء لخلفية اللوحة. واختار سعيد أن يتجنّب أي إشارة في لوحة البورتريه "تأمُّل النفس" إلى منزلته الاجتماعية أو القانونية أو هوايته الفنية، مكتفياً بعرض نفسه كرجل متألم، يقوده شغف وتقيّده مهنته. وهذه اللوحة أيضاً كانت ضمن مقتنيات نادية محمود سعيد و د. حسن الخادم (القيمة التقديرية: 8,000 – 12,000 دولار أمريكي).
وأقدم لوحة ضمن هذه اللوحات الست هي لوحة "عيد الأضحى" التي رسمها محمود سعيد في عام 1917 تقريباً وهي من ضمن مقتنيات محمد سعيد ذو الفقار. ومن المعروف أن محمود سعيد تدرَّب في بداية حياته على يد الفنانين الإيطاليين أرتورو زانيري وإميليا دافورنو كازوناتو، وتعرَّف من خلالهما على اتجاهات ومدارس الفن في الغرب في حينه، حيث هيمنت في تلك الفترة مدرستان هُما المدرسة الانطباعية والمدرسة الطبيعانية. ورغم أهمية هذه المرحلة المفصلية في مسيرة محمود سعيد الإبداعية وما تركته في أثر في تحديد مسار اهتماماته في الرسم، غير أن قلة قليلة من أعمال تلك المرحلة المبكرة من حياته الإبداعية وصلت إلينا، وعلى الأغلب تُعدُّ لوحة "عيد الأضحى" من أقدمها. وتتسم هذه اللوحة بحركات الريشة التعبيرية وألوان كثيفة، وتبرز هذه اللوحة الاستثنائية شغفه بالألوان وكيف أنها تبعث النور من خلال تبايُن الألوان، وعلى سبيل المثال باستخدام لون اللايم الأخضر لإبراز الملابس الخضراء الداكنة للأشخاص على يسار اللوحة، أو اللون الأزرق الساطع لنحت الرجل الجالس في مقدمة اللوحة بجلابية باللون الأزرق الداكن. وهذه اللوحة شاهدٌ على تجارب محمود سعيد في التقاط اللحظات العابرة في حياتنا اليومية، وفي هذه اللوحة على وجه التحديد في تجسيد شعيرة ذبح الأضحية في عيد الأضحى (القيمة التقديرية: 20,000 – 25,000 دولار أمريكي).
ويتألف معرض أعمال محمود سعيد الاستعادي من 14 لوحة من ضمن مقتنيات تسعة مقتنين مختلفين، وستُعرض الأعمال خلال الفترة من 15 إلى 19 مارس 2017 بالتزامن مع أسبوع مزادات كريستيز بدبي، وشوهِد بعض تلك الأعمال خلال مزادات كريستيز التي عُقدت في الفترة من أكتوبر 2007 حتى مارس 2016 عندما احتفلت كريستيز بمرور عشرة أعوام على انطلاق مزاداتها في دبي. كما أن أحد الأعمال هو لوحة تم اكتشافها مؤخراً لبورتريه بعنوان "فلاحة" رسمت عام 1951 وعرفت في السابق من خلال صورة قديمة بالأبيض والأسود. وستبرز الأعمال المشاركة في المعرض الاستعادي براعة محمود سعيد في رسم البورتريه وأيضاً في رسم الطبيعة، وتتواءم هذه الأعمال مع الأعمال الستة المعروضة في مزاد كريستيز المقرر في 18 مارس، عند الساعة 7:00 مساء، وبذلك تتيح كريستيز لمتذوقي الفن الحديث والمعاصر مشاهدة ما مجموعه 20 لوحة لأحد أوائل رواد الفن الحديث في المنطقة العربية.