إحدى لوحات بوبن كاكر عام 1973

تُعرض أعمال الفنان كاكر في معارض تيت مودرن حيث يجسد بعضها شخصيات ساذجة عارية ومشاهد من المدن النابضة بالحياة، وربما يكشف المعرض عن السبب الذي حوّل المحاسب كاكر من بومباي إلى قوة محررة في الفن الهندي، وولد كاكر في كيتوادي في بومباي عام 1934 وعمل والده كمهندس وتوفى عندما كان كاكر طفلا، وعندما نقرأ السيرة الذاتية للفنان الذي توفى عام 2003 نتوقف قليلا عند كيتوادي المليئة بالخياطين المهرة في صنع البلوزات المثالية، ويُعتقد أن كيتوادي لا تتناسب مع طبيعة بومباي على الرغم من وقوعها في جنوب بومباي لكنها كانت مميزة عنها، حيث تستقر محلات البازار خارج "نانا شوك" وطريق غرانت.

وكانت كيتوادي بلدة صغيرة في مدينة كبيرة لكنها كانت من المستوطنات التي تعتبر عالمية في المدينة، وضمت المدينة صانع بلوزات غوجاراتيا ماهر يدعى "مادافلال" وهو خياط هزيل الجسم يرتدي نظارات طبية ويضع قلم رصاص خلف إحدى أذنيه، لكنه حاد لا يبتسم عند تقديم البلوزات لزبائنه إلا أن ذلك لا يعني بالضرورة أنه غير سعيد، وكان كاكر غوجاراتيا، حيث ضمت بلدة كيتوادي العديد من الغوجاراتيين، وعلى عكس  الخياط  مادافلال  ولد كاكر  لعائلة من الطبقة المتوسطة، وإذا ما حظي الخياط بتعليم جيد فربما تمكن من اتخاذ اثنين من الوظائف المألوفة في كيتوادي والتي برزت في حياة الفنان كاكر وهي المحاسبة، حيث تأهل كاكر كمحاسب قانوني عام 1956، كما حصل على ماجستير في النقد الفني من جامعة MS في بارودا عام 1964، وقُدم إلى عالم الفن هناك بواسطة صديقه الرسام غلام محمد شيخ.

وعلى جانب آخر أراد كاكر أن يصبح خياط وإنه شيء من محض خيال الطبقة المتوسطة حتى يخرج عن نفسه، وتخلى كاكر عن المحاسبة من أجل الفن وغادر كيتوادي إلى برودا، وكان ينظر كاكر في لوحاته غير العادية إلى النطاقات الصغيرة والمحافظات باعجاب من وجهات نظرمختلفة، وانكشفت بعض الحقائق لكاكر بواسطة رجل دين في بانتا، وكان كاكر فنان في دمج التقاليد الهندية القديمة بالمرح، ولذلك لا تعد الإشارة إلى احتفال الفيلسوف الصيني تشوانغ تشو في القرن الرابع بحلمه بكونه فراشة من قبيل الصدفة، وتذكرنا هذه الرواية بعشوائية كاكر بعض الشيء الذي تحول من محاسب إلى فنان غوجاراتي فضلا عن تحول حياته الجنسية لأنه كان مثلي الجنس.

وتواصل كاكر بعد زيارته انجلترا في السبعينات مع المثليين الجنسيين ورؤية لوحات ديفيد هوكني، لكنه وجدت انجلترا مغضبة، وألقى اللوم عليها في تصدير الأخلاق الفيكتورية إلى الهند والتي أدت إلى تبديل البيئة التي كانت أكثر ملائمة لحياته الجنسية، وأخذت لوحته "لا يمكنك إرضاء الجميع" التي عرضت في معارض تيت مودرن عام 1981 اسمها من حكاية إيسوب وجسدت شخص عاري يميل من الشرقة كما لو أنه يريد الخروج من الشرنقة، ويجب آلا تعطينا أحلام الفراشة الانطباع أن كاكر يريد الرفرفة حول العالم دون قيود، ولكن الغرفة والمنزل والجسد والأحياء كانت تمثل كل شيء بالنسبة له، وهذا ما جعله محل جذب كتاب محددين مثل الشاعرEzekiel و Adil Jussawalla والروائي سلمان رشدي.

ولم تكن الأشخاص عارية تماما في لوحات كاكر لكنه كان يلون الجسم بنفس لون الغرفة أو القميص، ويشير تكرار ذلك في لوحاته إلى ما يسمى "روبا" في اللغة السنسكريتية وهو ما يعني شكل ومظهر الأشياء، وتجسد لوحات كاكر الرحلات والعلاقات المتبادلة والأحاديث والمباني وأساليب الحياة في المدن والأحياء وخاصة تلك المرغوب في الانتقال إليها أو زيارتها للبحث عن الأقارب أو العودة للوطن، وظهرت في لوحات مجموعة نماذج مرئية  تمثل الوجهات المقدسة والشرفات والتراسات والأزقة وصور التقويم وغيرها.

ويمكنك ملاحظة مدى تألق الثقافة الهندية منذ القرن الثاني قبل الميلاد عند رؤية اللوحة التي تجسد حياة بوذا في الكهوف، وهو ما يؤكد لنا أن الهند الحقيقية ستظل ممثلة في القرى، وتخبرنا لوحة كاكر Ajanta  عن قوة التحرر الهزلية لديه لرفض زهد غاندي ، حيث لم تثر الطبيعة اهتمام كاكر لكن الثقافة أثارت اهتمامه، حيث أشار إلى أهمية الزهور البلاستيكية في السريالية، وجسد ذلك في لوحة Man With Bouquet of Plastic Flowers.

ونحتاج إلى وضع أعمال كاكر ونظرته المثيرة للفن بين الأذواق في القرن العشرين في المجتمع الغوجاراتي الهندوسي، ونجح كاكر في إعادة صياغة الفن الهابط وإضافة المهارة إليه في أعماله، ويحي خياله في البازارات التي تجمع بين الحداثة الهندية والثقافة البرجوازية.

ويمكن القول أن التقاليد أنتجت رسامين مجردين ما ساهم في تحويل الفن الغربي من الواقعية التقليدية في نهاية القران 19، ولذلك يجب أن تعد الشخصيات في الفن الهندي في المائة عام الأخيرة من أغنى إرث للحداثة العلمانية، وهنا يعد كاكر من الفنانين الرائدين، ونشأ هذا الإرث من قطع العلاقات مع النهضة الأوروبية والواقعية الفوتوغرافية والإصرار على التركيز على الإنسان، ورفض الفنانون الموهوبون مثل طاغور، أمريتا شير غيل وسوزا وجاميني روي وباريتوش سين وغيرهم ما وصفته شير غيل بالمذهب الطبيعي الأكاديمي، والذي يشير إلى أن الوظيفة الوحيدة للرسم والنحت هي استنساخ كائن معين بإخلاص وهو ما يتسم بالقصور العقلي والهوان.

وعكس كاكر بعض تعبيرات الوجه على شخصياته من خياطين ومصلحي ساعات ليس بسبب الملل الداخلي ولكن بسبب هوان الواقعية، لكنه جلهم مختلفين وأكثر مرحا من خلال علاقات الصداقة والعائلة والجنس والشهية، وفي عالم كاكر يمكننا أن نكتشف وفرة المساحة واللعب وهو ما رغبته شير غيل من الفن الهندي والحياة.