جانب من فعاليات مهرجان الجنادرية

تمكّن مهرجان الجنادرية، الذي انطلق في عام  1985، من خدمة الموسيقى السعودية ، حيث عمل على دفعها نحو مستوى مميز، وجعلها منتظمة ومكرسة، بعد أن كانت تقدم في مناسبات مختلفة، متباعدة، وليست مستمرة.

وكان "مولد أمة" خير دليل على إضافة هذا المبدأ في تربية العمل الموسيقي الوطني، بعد أن ألهب القلوب في الأوبريت الغنائي السعودي الأول بين الراحل طلال مداح و محمد عبده ، حيث أصبح للأغنية الوطنية وقعًا خاصًا عند الناس، وباتوا ينتظرون صدورها سنويًا.

وأخذ الجنادرية موقعًا مميزًا في سجلات تاريخ الأغنية الوطنية، وتمكن من تقديم الأغنية الوطنية بقالب فني بديع، محملًا بالتراث والقيمة الفنية التي تحاور الإنثروبولوجيا، في جميع مناطق المملكة، وابتدأ الشعراء والملحنون في سباق لتقديم القصائد والألحان ذات الجودة العالية، التي تلائم طموح مهرجان الجنادرية والفكرة التي ابتكر من أجلها.

ويستعرض الجنادرية في أعماله الوطنية كل ما هو مواكب للحركة السياسية والاجتماعية، حيث تجلى ذلك في أوبريت "وقفة حق"، الذي جاء مواكبًا لما بعد حرب الخليج، عقب الغزو العراقي للكويت، ثم أوبريت "أرض الرسالات والبطولات"، الذي قدم تأكيدًا لمكانة المملكة على المستوى العالمي، وتعريفًا بها كأرض للرسالة المحمدية وأرض للبطولات التي تحققت على يدي المؤسس والموحد الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن.

وتبعه أوبريتات "التوحيد" و"دولة ورجال" و"عرايس المملكة" و"كفاح أجيال" وغيرها، هذه الأوبريتات خلقت نوعًا من التنافس بين القيم الشعرية واللحنية وبات لدى الملحنين والشعراء طموحًا للوصول إلى مكانة أوبريت المهرجان، هناك تمثل لهم القيمة والتكريم والقدرة وتخليد الاسم.

ويأتي في مقدمة مبدعي الأوبريت الأمير خالد الفيصل والأمير بدر بن عبدالمحسن والأمير سعود بن عبدالله والدكتور الراحل غازي القصيبي وإبراهيم خفاجي والملحنون كصالح الشهري، وعبدالرب إدريس، ومحمد شفيق، وسراج عمر، وخالد العليان وغيرهم.

وأسهم الجنادرية في تأسيس ذائقة للناس وتطوير العمل الفني الوطني، وهناك العديد من الأوبريتات على مدى ربع قرن خُلدت في افتتاح مهرجان الجنادرية، لتكون منظومة مستمرة تكاملية في العمل الفني المحاط بالتراث والتجديد.

وحملت "كتاب مجد بلادنا، ملحمة فارس التوحيد، أمجاد الموحد، خليج الخير، أنشودة العروبة"، قيمة فنية تتحدث عن أمور عدة، منها السياسية والمجتمع والاقتصاد، على المستوى الداخلي أو عن منظومة الخليج العربي والوضع العربي والدولي بشكل عام

ويمكن القول أن الجنادرية كان أهم محطة في تاريخ الأغنية الوطنية ، فمنذ انطلاق الأوبريت الأول عام 1990، أصبح للأغنية الوطنية جمهورًا كبيرًا ينتظر جديدها أولًا بأول، وهذا لم يحصل من قبل إطلاقًا.

وولّد الاهتمام الشعبي غيرة لدى صناع الأغنية للتنافس في تقديم الأوبريتات المتطورة والأعمال الوطنية المستمرة ليزيدوا من حجم أرشيف الغناء الوطني.

وأكّدت أوبريتات "خيول الفجر، عرين الأسد، وطن المجد، وفاء وبيعة، أرض المحبة والسلام، عهد الخير" هذه الحقيقة، كما أنها دليل مهم على قوة الإنتاج في الحرس الوطني، ومهرجان التراث والثقافة.

وجاءت أوبريتات "وطن الشموس، ووحدة وطن، وفرحة وطن، وقبلة النور، وكوكب الأرض" لترسم قدرة إدارة المهرجان على التنويع والتطوير والمواكبة، وعلى تطوير المشهد الغنائي السعودي بشكل عام، وهي بذلك تكون صاحبة الفضل الأول في استمرار الأغنية الوطنية وفي تطورها ونموها خلال الخمس وعشرين عامًا الماضية.