آفاق جديدة في الرواية

اتفقت آراء متخصصين ونقاد في شؤون الرواية والأدب المحلي والعربي والغربي أن هناك تحولات لافتة في مسار الرواية العربية، وأن البناء الروائي العربي يمر بمرحلة جديدة تنطلق من الرواة الشباب الذي يشكلون الجانب الأكبر في الإنتاج الروائي المعاصر، وأن القارئ الغربي مهتم بكل مايصل إليه من الروايات العربية التي يحرص على قراءتها والتعرف إلى عوالمها الرحبة، وأن على الرواة العرب الإنطلاق نحو هذه العوالم الرحبة بمنتج ينسجم مع الصورة الذهنية السابقة للغرب عن مفهوم الإنتاج الأدبي العربي انطلاقًا من أهمية الموروث الثقافي الذي حمل في خزائنه أنواع الأجناس الأدبية من شعر رواية وغيرهما.

جاء ذلك خلال ندوة موسّعة أقيمت في قاعة "ملتقى الكتاب" تحت عنوان "آفاق جديدة في الرواية"، وذلك ضمن الفعاليات الثقافية لمعرض "الشارقة الدولي" للكتاب 2014، وبحضور كل من: الدكتور سمر روحي الفيصل، والدكتور سعيد يقطين، وياسمينة خضرا، وأدار الجلسة الدكتور عمر عبدالعزيز، وتخللها العديد من المداخلات حول واقع الرواية العربية والخليجية والمحلية، ومدياتها حول العالم، والتحولات التي تشهدها تبعًا للحركة العامة للراوية العالمية.

وبيَّن الدكتور عمر عبدالعزيز في بداية الجلسة أن الرواية عبارة عن تشبيك نسيجي أدبي يمتلك القابلية الكبيرة واللامتناهية للعديد من الأنساق الكتابية الأخرى، ويمكن اعتبار ماتشهده الرواية العربية الحالية -التي اعتبرها البعض أنها ديوان العرب في عصرنا الحاضر- من تزايد في الحضور والإنتشار لابد أنه سيؤدي الى إضافة جديدة تصب في صالح الأدب العربي، والحركة الأدبية بشكل عام.

وانطلق الدكتور سمر روحي الفيصل في حديثه قائلًا:" تبلغ الرواية الإماراتية في هذا العام عتبة عامها الأربعين، بعد الرواية الأولى "شاهنده" التي كتبها الروائي عبد الله النعيمي عام 1974، واستطاعت الرواية الإماراتية أن تواصل حضورها حتى بلغت في وقتنا الحالي نحو 80 رواية، ومن المهم عند تقييم الرواية الإماراتية أنه لايمكن أن يتم بالمقارنة مع روايات خليجية أو عربية لأنها كتبت في ضوء ظروف خاصة ومديات معينة".

 وأضاف الفيصل:" الشئ اللافت أن الرواية ينهض بها روائيون إماراتيون شباب، والملاحظ أن الرواد تركوا الرواية وانطلقوا للعمل في مجالات أخرى تحت أسباب عدة، ويصر الشباب الإماراتيون على متابعة دورهم في حقل الرواية، ويلاحظ أنهم فتحوا تجارب جديدة على مكان الرواية، وصلت إلى الهند وبريطانيا وغابات الأمازون وغيرها، وتركوا موضوعات قديمة كالغوص، والبيئة المحلية التراثية، كما تطرقوا إلى أشياء جديدة كانت هامشية إلى حد ما كالأسرة وعلاقتها بالخدم، والشئ الأبرز أن الكثير نقلوا تغريداتهم إلى كتب في الوقت الذي كنا نتوقع فيه أن تكون محتويات الكتب أساسًا للمحتوى الإلكتروني".

 ودار حديث الأديب سعد يقطين حول تجربة الرواية العربية قائلًا:" لابد أن يكون لكل تجربة أفق تبحث عنه، وبخلافه لايمكننا اعتبارها رواية، وهناك لحظات مهمة يمكن أن تتحقق فيها شروط رواية الرواية، وهي تعود إلى كل كاتب وطريقته في التعبير ومدى قابليته لتطويع وتوظيف أدواته الفنية في خدمة العمل الروائي، وعلينا أن ندرس الرواية العربية في سياق تطور ونمو الرواية العالمية، وبنظري أن الرواية لن تشهد تطورًا كبيرًا مالم تنفتح على الإنسان، وعلى جميع الوسائط التي يتعامل معها في حياته".

وأضاف يقطين:" الرواية في أفقها الحالي لارؤية لها ولا آفاق ولاتعامل مع المجتمع، وهناك تنافس في إصدار روايات كثيرة واستسهال في كتابتها، وأتوقع أن الجيل الحالي من الرواة سيستمر على هذا النسق من التأليف، ولكن لكي تكون التجربة ناجحة، على الرواة الجدد من الجيل الجديد استثمار وسائل التقنية الحديثة، وتطوير أدواتهم الفنية، وإطلاعهم على المزيد من التجارب المحلية والعالمية، وعدم إنطلاقهم في كتابة رواية جديدة مالم يكن ذلك نتيجة إنتاج عمل إبداعي وليس مجرد إضافة رقم على رصيد الكتابة، أو من أجل منافسة رواة آخرين تحت أي ظرف كان.

وتساءل الأديب والكاتب والناقد ياسمينة خضرا: هل أن الرواية العربية هي التي تكتب باللغة العربية، أو هي تلك التي يكتبها الإنسان العربي؟، وبيّن من خلال تجربته في الغرب أن الرواية العربية فرضت نفسها هناك، والمشكلة أن القارئ العربي لم يعرف بعد ماهي الرواية العربية، وأكد أهمية أن يتربى الطفل على القراءة وليس ماذا يقرأ، وأن خلق المجتمع القارئ ينطلق من الطفل، وأن القراءة الواعية تحدد أدوات النقد بعد أن تمنح القارئ أدواته، وتخلق فيه ملكة التذوق، وكلها أدوات لاتنشأ من الصدفة ولا تأتي من فراغ، وأن تطور أي مجتمع لابد أن ينطلق من القراءة، حيث تكون الرواية هي العامل الأول في هذه الإنطلاقة.