"المدرسة المستنصرية"

اعلنت وزارة الثقافة والسياحة والاثار عن انجازها مراحل متقدمة من مشروع صيانة المدرسة المستنصرية، في حين كشف رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس النواب الأميركي، أن تنظيم (داعش) يسعى لمحو الاثار العراقية وعمقها التاريخي، مؤكّدًا سعي واشنطن لتشريع قانون لحماية الاثار المهربة من العراق.
وذكر بيان للوزارة تلقى "العرب اليوم " نسخة منه انه "تنفيذا لتوجيهات وزارة الثقافة والسياحة والآثار أعلن وكيل الوزارة لشؤون الاثار والتراث قيس حسين على افتتاح مدرسة المستنصرية في القريب العاجل ضمن السقف الزمني المحدد، مبينا ان هذا الانجاز يعد كرد ثقافي وحضاري على جرائم تنظيم داعش التي طالت المواقع الاثارية والتراثية والثقافية في بعض المحافظات.

واضاف البيان أن "الوكيل التقى بكوادر دائرة المهندس المقيم في الموقع واستمع منهم الى شرح عن مراحل الاعمال الهندسية التي تم الانتهاء من انجازها وما سيتم العمل عليه في المراحل اللاحقة من خطة العمل المُعدة ، مؤكداً على ضرورة الالتزام بالمعايير الفنية والهندسية التي من شأنها الحفاظ على الطابع التاريخي للمدرسة دون المساس بهويتها التاريخية التي توثق لحقبة مهمة من تاريخ العراق الاسلامي والثقافي"

*المدرسة المستنصرية التي يفتخر العراقيون ببنائها وريادتها وشكلها الهندسي ونقوشها, تقع هذه المدرسة العريقة في الجهة الشرقية من بغداد, في موقع يطل على نهر دجلة من جانب الرصافة, وبالتحديد بالقرب من جسر الشهداء حاليا. إنها بحق صرح أثري عظيم ومعلم من معالم بغداد التاريخية, يعود تاريخ بنائها الى العام 1227م، إذ أمر بتشييدها الخليفة العباسي المستنصر بالله ابو جعفر ابن الظاهر ابن الناصر, واستغرق بناؤها ست سنوات استخدم فيها الاجر المحكم التشكيل والجص, ونقشت على واجهتها المطلة على دجلة كتابات مكتوبة بخط الثلث وقوام هذه الكتابات تتكون من قطع الاجر المنظم والمرصوف بشكل هندسي دقيق مكوّنة حروفا عربية جميلة. بالإضافة الى أن بناءها كان على الطريقة الإسلامية من حيث بناء الأقواس والايوانات.

وتشير المصادر التاريخية الى أن (ابن بطوطة) شاهد المدرسة المستنصرية ووصفها في كتاب رحلته الشهير قائلا: وهذه الجهة الشرقية من بغداد حافلة بالأسواق, عظيمة الترتيب وأعظم أسواقها يعرف بسوق الثلاثاء, كل صناعة فيه على حدة، وفي وسط هذا السوق المدرسة النظامية التي صارت الأمثال تضرب بحسنها, وفي آخره المدرسة المستنصرية ونسبتها الى الخليفة المستنصر بالله ابي جعفر ابن الظاهر ابن الناصر. وبها المذاهب الأربعة, لكل مذهب ايوان فيه المسجد وموضع التدريس وجلوس المدرس في قبة خشب صغيرة على كرسي على البسط ويعقد المدرس وعليه السكينة والوقار لابساً ثياب السواد معتما, ويساره معيدان يعيدان كل ما يمليه. وهكذا ترتيب كل مجلس من المجالس الأربعة. (انتهى وصف ابن بطوطة) وبمرور الزمن أصبحت (المدرسة المستنصرية) من أولى الجامعات الشهيرة في العالم، وخلال العام 1865 في زمن السلطان العثماني عبد العزيز خان, جدد صيانتها ولكن وضعها لم يستمر طويلا حيث اتخذت هذه (المدرسة الأثرية) في أواخر العهد العثماني مقرا لدائرة الكمارك ومخازن لها.

وما ان تدخل المدرسة المستنصرية حتى تاسرك اجواؤها المفعمة بعبق التاريخ، فهي تعد اقدم جامعة عربية إسلامية تدرس فيها مختلف العلوم الدينية والطبية والفلكية والفلسفية والرياضية، بناها الخليفة العباسي ابو جعفر منصور بن الظاهر محمد بن الناصر والمشهور بالمستنصر بالله الخليفة (السادس والثلاثون) الذي بويع بالخلافة يوم الجمعة 13 رجب عام 623هـ (1226)م وقد كان منشغلا بالعلوم الدينية والادبية منعكفاً على نقل الكتب وترجمتها، تكامل بناؤها عام (630هـ) شهر جمادي الاخر، وتم افتتاحها رسمياً عام (631هـ) ـ (1233م) وكانت قد بنيت بمادتي الجص والنورة، وانفق عليها من المال ما يعجز عنه الحصر ووقف عليها وقفاً جميلاً.
 
*شكل المدرسة
شكل المدرسة مستطيل، طولها من الخارج (184.40) م وعرضها من الجهة الشمالية (44.20)م اما عرضها من الجهة الجنوبية فيبلغ (48.80)م ومساحتها الكلية (4836)م مربع، اما مساحة الصحن فتبلغ (1710)م مربع، تحيط به الاواوين والاروقة والمسجد وقاعات الدرس وخزانة الكتب وحجرات صغيرة في طابقيها السفلي والعلوي لاقامة الطلبة. 

وأوضح الموظف في دائرة الآثار السيد غازي حسين: كانت خلف المدرسة من جهة النهر مجموعة من (الدكاكين) و المقاهي وهناك جسر يربط الرصافة بالكرخ (جسر دوب) ويقال: ان هناك قناة تربط المدرسة بقصر الخلافة كان الخليفة يأتي عبرها إلى مدرسته بواسطة زورقه الخاص، وعلى الرغم من قربها للنهر وكثرة فيضانات دجلة آنذاك لكنها لم تتعرض لأي اثر من آثار فيضانه وذلك بسبب علوها عن مستوى سطح النهر، وقد أجريت اول صيانة للمدرسة عام (1945) بعدما تسلمت دائرة الآثار ادارتها. وقد فتحت رسمياً للزوار عام (1960) اما الصيانة الثانية فكانت في عام (1973).


*إيوان الطب والصيدلة
يقع هذا الايوان مقابل المدرسة وعمل تحته (صفة) يجلس فيها الطبيب وجماعته الذين يشتغلون بعلم الطب، ويقصده الكثير من المرضى ، وفي كتاب (مختصر تاريخ الدول) لابن العبري ان طبيب المستنصرية كان يتردد إلى مرضاها من بكرة كل يوم يتفقدهم وكان يشرف على تجهيز المرضى بالدواء صيدلي، ومن اشهر من تولى التدريس في ايوان الطب: شمس الدين ابن الصباغ ومجد الدين ابو علي الحكيم، وتضم المدرسة خزانة للكتب حيث ذكر ابن عنبة العلوي في كتابه، (عمدة الطالب في انساب ابي طالب) : ان المستنصر اودع في خزانة المدرسة (80) الف مجلد في مختلف العلوم والفنون.

ومن القاعات التي تجلب الانتباه هناك قاعة يقال انها تعود (لناظر المدرسة) حيث تضم فتحتين تبدآن من وسط احد جدرانها وتنتهيان بسطح المدرسة وتسمى هاتان الفتحتان حالياً (بادكير) حيث تؤدي الفتحتان دور (المكيف) ، فتحة يدخل منها الهواء والاخرى منفذا لخروجه. وبالعكس، فنظام تهوية المدرسة وانارتها تدلان على عقلية هندسية رائعة! فالقاعات مضاءة وتهويتها منعشة على الرغم من عدم وجود (أدواتهما)!

ومن عجائب المدرسة (ساعتها) التي لم يبق منها سوى رسمها، فقد رسمت في دائرة صورة الفلك وجعل فيها أكثر من طوق لكل طوق باب وفي الدائرة (بازان) من ذهب في طاستين من ذهب وراءهما (بندقتان) من (شبه) لا يدركهما الناظر! فعند مضي كل ساعة ينفتح منها (البازان) وتقع في فمهما (البندقتان) وكلما سقطت (بندقة) انفتح باب من ابواب تلك (الطوق) فيصير الباب حينئذ (مفضضاً) فاذا وقعت البندقتان في الطاستين تذهبان إلى مواضعهما الاولى ثم تطلع شموس من ذهب في سماء (لازوردية) في ذلك الفلك مع طلوع الشمس الحقيقية وتدور مع دورانها وتغيب مع غيابها، فاذا جاء الليل فهناك اقمار طالعه من ضوء خلفها كلما تكاملت ساعة تكامل ذلك الضوء في دائرة القمر ، ثم يبتدئ في الدائرة الأخرى إلى انقضاء الليل وطلوع الشمس فتعرف اوقات الصلاة".


*الدراسة في المدرسة المستنصرية
مدة الدراسة في المستنصرية 10 اعوام وتضم اقسام علوم القرآن والسنة النبوية والمذاهب الفقهية والنحو والفرائض والتركات ومنافع الحيوان والفلسفة والرياضيات والصيدلة والطب وعلم الصحة، وهي أول جامعة إسلامية جمعت فيها الدراسة الفقهية على المذاهب الاربعة (الحنفي والشافعي والمالكي والحنبلي) في "مدرسة واحدة" اما المدارس الفقهية التي قبلها فأختصت كل واحدة منها بتدريس مذهب معين من هذه المذاهب. وبعد انتهاء الدراسة يمنح الطالب شهادة التخرج التي تؤهله التوظف في دواوين الدولة، وظل التدريس قائما في الجامعة المستنصرية أربعة قرون منذ ان أفتتحت في عام (631 هـ/1233م) حتى عام  (1048 هـ/1638م)، وان تخلل ذلك فترات انقطاع، كانت الأولى في أثناء الاحتلال المغولي لبغداد عام (656 هـ/1258م) وتوقفت الدراسة فيها قليلاً، ثم عاد إليها نشاطها من جديد؛ حيث استؤنفت الدراسة في نفس السنة، وظلت الدراسة قائمة بالمستنصرية بانتظام بعد سقوط بغداد نحو قرن ونصف من الزمن.

وتوقفت الدراسة بها وبغيرها من مدارس بغداد؛ بسبب تدمير تيمورلنك لبغداد مرتين الأولى عام (765 هـ/1392م) والأخرى في عام (803 هـ/1400م)؛ حيث قضى تيمورلنك على مدارس بغداد ونكل بعلمائها وأخذ معه إلى سمرقند كثيراً من الأدباء والمهندسين والمعماريين، كما هجر بغداد عدد كبير من العلماء إلى مصر والشام وغيرها من البلاد الإسلامية، وفقدت المستنصرية في هذه الهجمة الشرسة مكتبتها العامرة، وظلت متوقفة بعد غزو تيمورلنك نحو قرنين من الزمن حتى أفتتحت للدراسة عام (998 هـ/1589م)، ولكن لم تدم طويلا فعادت وأغلقت أبوابها عام (1048 هـ/1638م)، ومن ثم فتحت مدرسة الآصفية في مكانها، وكانت مدرسة الآصفية من مرافق المدرسة المستنصرية، وجدد عمارتها الوزير داود باشا والي بغداد في عام (1242 هـ/ 1826م)، وسميت بالآصفية نسبة إلى داود باشا الملقب بآصف الزمان.

وكشف رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس النواب الأميركي، أن تنظيم (داعش) يسعى لمحو الاثار العراقية وعمقها التاريخي، مؤكّدًا سعي واشنطن لتشريع قانون لحماية الاثار المهربة من العراق، ومشيرًا الى ان التنظيم يحصل على 100 مليون دولار سنويا من بيع الاثار العراقية والسورية.

وأوضح ادورد رويس خلال مؤتمر صحافي عقده في المتحف الوطني العراقي، وسط بغداد، برفقة عدد من نواب المجلس الاميركي إنها "فرصة جيدة ان اكون، اليوم، هنا في المتحف حيث تاريخ الانسانية الذي يعود الى آلاف السنين"، مبينا أن "هذا التاريخ تعرض لهجمات تنظيم (داعش)، وأن التنظيم لم يستهدف هذه الاثار فقط بل يريد ان يمحو عمقها التاريخي الانساني ايضا" ، مضيفًا: "نريد ان نلبي دعوة الامم المتحدة عبر قيام كل دولة بتشريع قانون يدعو الى ايقاف الاتجار بالقطع الاثرية وحمايتها"، مشيرا إلى "اننا في الولايات المتحدة نعمل على تشريع قانون لحماية القطع الاثرية المهربة من العراق وسنطرحه على الكونغرس، كما ندعو لالحاق الهزيمة بـتنظيم (داعش) أيضا"، وتابع: "القانون الذي نعمل عليه مخصص لحماية جميع الممتلكات العراقية من اثار وسيحمي أيضا ممتلكات سوريا من الآثار"، مؤكدا أن تنظيم  "(داعش)، يقوم بتدمير وبيع الاثار من العراق وسوريا ويجني ثروة تقدر بـ 100 مليون دولار سنويا من هذه التجارة، مشيرًا إلى أن "زيارتي تهدف للإطلاع على كمية القطع الاثرية التي تعرضت للنهب والتي تم اعادة بعضها وقسم منها يعود لبضعة آلاف من السنين قبل الميلاد"، مشددا "اننا نريد ان ننقل ما نطلع عليه الى الكونغرس لوضعهم في الصورة وان مجلس الامن تحدث سابقا عن اهمية الحفاظ على الارث التاريخي للانسان وحضاراته" ، مؤكّدًا أن "تنظيم (داعش) يمثل تهديدا للانسانية جمعاء في كل انحاء العالم ومعسكراته منتشرة في مختلف انحاء العالم الان فهو تهديد عالمي ويجب مواجهته بتعاوننا جميعا" ، موضحًا أن "مباحثاتنا في الكونغرس تركزت ايضا على كيفية الاستفادة من قوات العمليات الخاصة في المنطقة وكذلك سبل توجيه الضربات الجوية في مساعدة القوات العراقية على الارض"، لافتا الى انه "بحث وسائل تعزيز زخم هذا الاسناد للقوات العراقية ضد تنظيم (داعش) والتباحث مع المسؤولين العراقيين وتبادل وجهات النظر حول هذا الموضوع".