داعش

أكد عدد من كبار علماء الإسلام تجريم الشريعة الإسلامية لعمليات خطف غير المسلمين وإعدامهم أو حتى إلحاق الأذى النفسي بهم، واتفقوا على خروج تنظيم داعش الإرهابي عن أحكام وقيم وأخلاقيات ديننا الإسلامي التي وفرت الأمن والأمان لغير المسلمين الذين يعيشون على أرض الإسلام .

وأكد العلماء أن جرائم خطف غير المسلمين وإعدامهم، كما حدث على يد التنظيم المتطرف في العراق وسوريا وليبيا يمثل خروجاً على تعاليم الشريعة الإسلامية التي كفلت لغير المسلم "المستأمن" حياة آمنة مستقرة وجرمت العدوان على حياته، وأن من يلحق أذى بمستأمن سيكون خصيماً لرسول الله يوم القيامة، حيث أوصى صلوات الله وسلامه بحسن معاملتهم وقال: "ألا من ظلم معاهداً أو انتقصه أو كلفه فوق طاقته أو أخذ منه شيئاً بغير طيب نفس فأنا حجيجه يوم القيامة" .

وأوضح العلماء: إن النبي صلوات الله وسلامه عليه توعد أمثال هؤلاء المتطرفين الذين يقتلون الأبرياء فقال: "من قتل معاهداً لم ير رائحة الجنة، وإن ريحها توجد من مسيرة أربعين يوماً" .

في البداية يؤكد مفتي مصر، د . شوقي علام، فداحة الجرم الذي يرتكبه هؤلاء الحمقى والبعيد كل البعد عن قيم وأخلاقيات الإسلام، ويتعارض تماماً مع إنسانيته ورحمته، ويقول: لا شك أن هؤلاء الجهلاء بأفعالهم وجرائمهم النكراء التي لا تقبلها الفطرة الإنسانية السليمة يمثلون خطراً على الإسلام أكثر من أعدائه، لأنهم يشوهون صورة الإسلام السمحة وينفرون بجهلهم الناس من الدين، ويعطون فرصة لأعداء الإسلام لترسيخ الصورة المشوهة للدين الحنيف في أذهان الناس خاصة في الغرب .

ويوضح مفتي مصر أن من أبرز مقاصد شريعة الإسلام توفير الأمن لكل الناس، وتجريم كل عدوان على أرواحهم أو إلحاق أي أذى نفسي بهم . . وفي تعاليم وأحكام هذه الشريعة يعيش كل أفراد المجتمع الإنساني في طمأنينة بعد أن يأمنوا على أرواحهم ويضمنوا عدم المساس بحقوقهم المادية أو المعنوية .

ويضيف: لقد حفظت شريعة الإسلام للإنسان كرامته الإنسانية وجرمت كل عدوان عليه، فهو خليفة الله في الأرض وحمله مسؤولية عمارتها، ولن يستطيع الإنسان أن يؤدي واجبه ويتحمل مسؤولياته، ويقوم بحق الخلافة لله في الأرض إلا إذا كان آمناً على حياته، متمتعاً بكل حقوقه وفي مقدمتها الاستقرار النفسي .

ويؤكد علام: إن شريعة الإسلام لم توفر الحماية المادية والمعنوية ولم تضمن حفظ الأرواح والحقوق كافة لأتباعها فقط . . بل توفر الحماية لكل البشر بلا استثناء بصرف النظر عن أجناسهم وألوانهم ومعتقداتهم، ولذلك جعلت العدوان على نفس بشرية واحدة كأنه عدوان على البشرية كلها، فالله عز وجل يقول: "من قتل نفساً بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعاً" وينهى الإسلام عن إلحاق الأذى بأي إنسان فيقول سبحانه: "ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق" .

ويوضح د . علام أن الحماية التي جاءت بها شريعة الإسلام للإنسان لا تقف عند إقرار حقه في الحياة وتجريم كل عدوان على روحه، بل انطلقت هذه الحماية لتوفر للإنسان أقصى درجات الأمان المعنوي عن طريق تجريم كل أذى نفسي يلحق به . . مشيراً إلى أن تعذيب الإنسان لأي سبب من الأسباب مرفوض ومدان في شريعة الإسلام حتى ولو كان هذا الإنسان متهماً في جريمة ويمارس التعذيب ضده من أجل الاعتراف والإقرار .

ويضيف: كل صور التعذيب والإهانة وإهدار الكرامة التي تمارس ضد الإنسان مرفوضة في ميزان شريعتنا الإسلامية، فلا يجوز بأي حال من الأحوال إذلال الانسان وتعذيبه أو سلب حريته بالحبس الانفرادي بغير حق . . وكثير مما يمارس ضد المسلمين وغير المسلمين على يد المتطرفين والتكفيريين من امتهان لكرامة الإنسان وعدوان صارخ عليه، وإهدار غير مقبول لحقوقه أمر ترفضه وتجرمه شريعة الإسلام، وتوجب عقاب هؤلاء الجهلاء عليه .

كما أدان عضو هيئة كبار العلماء في الأزهر العالم الأزهري د . أحمد عمر هاشم، ، سلوك الجماعات المتطرفة التي استباحت خطف المسلمين وغير المسلمين والانتقام منهم بالذبح أو الحرق أو الشنق أو أي شكل آخر من أشكال الإعدام، حيث يرتكب هؤلاء الخاطفون جرائم منكرة تستوجب القصاص منهم حتى يكونوا عبرة لمن يعتبر . . ويقول: الإسلام لا يعرف هذه الصور النكراء من صور الانتقام الإجرامي الذي ترفضه كل الشرائع السماوية فلا شيء يبيح لإنسان تصفية إنسان آخر انتقاماً منه لخلاف عقدي أو تصفية حسابات مع دولته .

ويضيف: لقد تعلمنا من رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم حرمة دم المسلم وماله وعرضه واحترام حقوقه كافة، حرصاً على العدالة التي تستهدف استقرار المجتمع وأمنه، وقد تعددت وتنوعت التوجيهات النبوية الكريمة التي تحذر المسلم من العدوان الآثم على حياة إنسان - مسلماً كان أو غير مسلم - وأوضح صلى الله عليه وسلم الحالات التي يجوز فيها لوليّ الأمر وحده استحلال دم إنسان ارتكب جرماً يستحق بموجبه الاقتصاص منه، حيث قال: "لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث: الثيِّب الزاني، والنفس بالنفس، والتارك لدينه المفارق للجماعة"، وما نطق به الرسول صلى الله عليه وسلم هنا هو ترجمة لما جاء به القرآن حيث حرم الله سبحانه الدماء والأموال والأعراض .

سألت د . هاشم: هل من حق جماعة أو تنظيم إلحاق عقوبة بإنسان من دون محاكمة أو لمجرد الانتقام من موقف بلاده؟

- أشار أنه لا حق لجماعات الضلال والإجرام التي تستوطن بعض البلاد العربية والإسلامية نتيجة الفوضى الشائعة في هذه البلاد في إلحاق عقوبة بأحد حتى ولو كانت عقوبة مشروعة، لأنه لا سلطان لهؤلاء على الناس، وتوصيف هذه الجماعات أنها عصابات إجرامية مثل عصابات السرقة والخطف وقطع الطرق، وهي للأسف تفعل كل ذلك على أرض الواقع، ولذلك يجب على المسلمين جميعاً مقاومتها وإلحاق العقاب الرادع بها .

وأضاف د . هاشم: الموقف الشرعي من العدوان على الإنسان واضح، فالإنسان بنيان الله تعالى، ولا يحق لأحد أن يهدم هذا البناء، إلا صاحبه وبانيه، وهو الله عز وجل، فلا يجوز أن تُقْتل نفس بغير حق . . أي نفس معصومة، صغيرة كانت أو كبيرة، نفس غني أو نفس فقير، نفس أمير أو نفس خفير، فكل نفس مسلمة أو غير مسلمة، حرم الله قتلها ما دامت غير معتدية بالكفر أو بالظلم، يقول الحق سبحانه: "ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق" ولا حق مع هؤلاء المجرمين الذين يمارسون كل صور الإجرام التي يبرأ منها الإسلام .

أستاذ التاريخ والحضارة الإسلامية في جامعة الأزهر، د . عبدالمقصود باشا، يؤكد أن المسلمين أصحاب حضارة راقية ترعى حقوق غير المسلمين، ولذلك يدين جرائم تنظيم داعش الإرهابي مع غير المسلمين الذين يختطفهم ويروعهم ويقتلهم انتقاماً من دولهم من دون جرم ارتكبوه، ويقول: هؤلاء لن يستطيعوا تشويه تاريخنا الحضاري، حيث سجل قادة وحكام المسلمين عبر العصور صفحات مشرقة من التسامح والرقي الحضاري في مواقفهم من غير المسلمين، وأكدوا أن التسامح الإسلامي ليس شعارات يطلقها البعض هنا وهناك، بل هو حقيقة واقعة ومنظومة إنسانية رائعة تؤكد للقاصي والداني أن هذا الدين الخاتم، جاء لينشر في ربوع العالم قيم المودة والمحبة والتآلف والإخاء الإنساني بين كل خلق الله .

ويشير أستاذ التاريخ والحضارة الإسلامية إلى أن تاريخنا الإسلامي حافل بصور مشرقة للتسامح مع أهل الكتاب منذ عهد الرسول صلى الله عليه وسلم وتؤكد التزام المسلمين بكل ما قرره الحق سبحانه من مبادئ وقواعد في التعامل الراقي والحضاري مع المخالفين لنا في العقيدة . . فقد طبق الرسول مع أهل الكتاب التسامح القائم على القسط والبر والعدل والإحسان . . وتجلت هذه السماحة في معاملته لأهل الكتاب يهوداً كانوا أم نصارى، فقد كان يزورهم ويكرمهم ويحسن إليهم ويعود مرضاهم، ويأخذ منهم ويعطيهم . . فقد روي أن وفد نجران وهم من النصارى، لما قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة، دخلوا عليه مسجده بعد العصر، فكانت صلاتهم، فقاموا يصلون في مسجده، فأراد الناس منعهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "دعوهم" فصلوا صلاتهم، ولذلك ذهب بعض فقهاء المسلمين إلى جواز دخول أهل الكتاب مساجد المسلمين، وتمكينهم من صلاتهم بحضرة المسلمين إذا ما كانت هناك ضرورة لذلك .

والأمر لم يقف على ما فعله الرسول صلى الله عليه وسلم مع المخالفين في العقيدة والذي يجسد أروع صور التسامح والرحمة في التعامل معهم . . فقد سار الصحابة والتابعون على نهج رسول الله، فهذا عمر بن الخطاب رضي الله عنه يأمر بصرف معاش دائم ليهودي وعياله من بيت مال المسلمين ثم يتلو قول الحق سبحانه "إنما الصدقات للفقراء والمساكين" ويقول: هذا من مساكين أهل الكتاب .

ورغم أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أصيب بضربة رجل من أهل الذمة (أبو لؤلؤة المجوسي) فإن هذا العدوان الإجرامي لم يمنعه من أن يوصي الخليفة من بعده وهو على فراش الموت بقوله: "أوصي الخليفة من بعدي بأهل الذمة خيراً، أن يوفي بعهدهم، وأن يقاتل من ورائهم، وألا يكلفهم فوق طاقتهم" .

وتبرز صور التسامح الإسلامي في التعامل مع المخالفين في العقيدة من خلال مواقف الفقهاء المسلمين واجتهاداتهم، فقد أباح بعضهم تقديم جزء من صدقة الفطر لرهبان النصارى، وذهب بعضهم إلى جواز إعطائهم من الزكاة، وحث كثير منهم جماهير المسلمين على أن يقدموا صدقتهم لأهل المسكنة من المسلمين وأهل الذمة . . وتتجلى هذه السماحة بعد كل ذلك في مواقف كثير من الأئمة والفقهاء في الدفاع عن أهل الذمة، واعتبار أعراضهم وحرماتهم كحرمات المسلمين .

ويؤكد أستاذ التاريخ والحضارة الإسلامية بالأزهر أن هؤلاء المتطرفين لن يستطيعوا بجرائمهم المنكرة تشويه المآثر التي انفردت بها شريعة الإسلام وتميزت بها حضارة المسلمين، والتي أدت إلى شيوع التسامح الديني مع أصحاب الديانات المخالفة من اليهود والنصارى والمجوس والهندوس وغيرهم . . ويقول: ما سجله التاريخ الإسلامي لن تمحوه جرائم التنظيمات الإرهابية، حيث اعترف المؤرخون والكتاب الأوروبيون وغيرهم بكل ما ينصف الإسلام وأمته وحضارته .

ويضيف: مواقف المسلمين المتسامحة مع غيرهم من أصحاب الديانات والعقائد الأخرى جاءت ترجمة لما وضعه القرآن الكريم من أسس ومبادئ وقواعد للتعامل مع غير المسلمين ما داموا مسالمين للمسلمين، لم يقاتلوهم في دينهم، ولم يخرجوهم من ديارهم، ولم يظاهروا على إخراجهم، حيث يقرر الحق سبحانه قاعدة التعامل الراقي والعادل مع غير المسلم: "لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين" . . ورغم أن هذه الآية قد نزلت في شأن المشركين الوثنيين من قريش وأمثالهم من العرب فإنها شرعت برهم والإقساط إليهم .

وهنا يعود د . عمر هاشم ليؤكد أن أهل الكتاب لهم معاملة أخص من هذه المعاملة، فقد أجاز الإسلام مؤاكلتهم ومصاهرتهم، وقمة التسامح الديني الإسلامي أن تكون زوجة المسلم ورفيقة حياته وأم أولاده غير مسلمة، ويصبح أهلها أصهاراً له، ويصبحون أجداداً وجدات وأخوالاً وخالات لأبنائه وبناته . . كما تتجلى عظمة الإسلام في مواقفه المتسامحة من خلال تقرير القرآن أن اختلاف الناس في الدين واقع بمشيئة الله الكونية، ومشيئته لا تنفصل عن حكمته "ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعاً أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين" . . كما قرر القرآن أن الفصل بين المختلفين في الدين، إنما يكون يوم القيامة، وأن الله بعدله هو الذي سيحكم بينهم، ويجزيهم بأعمالهم ونياتهم "وإن جادلوك فقل الله أعلم بما تعملون . الله يحكم بينكم يوم القيامة فيما كنتم فيه تختلفون" .

ويؤكد عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر أن القرآن الذي ارتفع بقيمة العدل في التعامل مع أهل الكتاب وذلك في قوله تعالى: "يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون"، سيكون خصيماً يوم القيامة لكل من يعتدي على غير مسلم، أو يحمله بغضه على عدم العدل في تعامله مع غير المسلمين، فالمسلم مطالب بالعدل معهم ومع غيرهم، ذلك أن الظلم من أشد الحرمات سواء كان لمسلم أم لغير مسلم، فالله لا يحب الظالمين، ولا يهدي القوم الظالمين، ولن يفلح الظالمون أبداً .