انخفاض أسعار النفط يؤدي لسياسات مضطربة


يعتقد الكثيرون في الأوساط السياسية والاقتصادية أن الاتفاقية النووية مع إيران كانت "سيئة للغاية"، كما يردد المرشح الرئاسي دونالد ترامب كثيرا في حملته الانتخابية، لكن هذا ليس صحيحا بالضرورة، ولعدة أسباب.و ذكر الكاتب الأميركي المعروف فريد زكريا في تقرير له في صحيفة واشنطن بوست، السبت، أن الصفقة التي حصلت عليها إيران لا تلبي طموحاتها وهي أسوأ بكثير مما كنت تتوقع. فعندما بدأت طهران المفاوضات كانت أسعار النفط مرتفعة جدا، لكن الأمور تغيرت كثيرا عما كانت عليه في تلك المرحلة.

تضيف الصحيفة أن إيران كانت جادة في قضية التفاوض ووقعت على اتفاقية مؤقتة في 2013، حين كان سعر برميل النفط يحوم حول 100 دولار، وكانت السعودية تتمتع بانتعاش اقتصادي فريد، حيث حقق اقتصادها نموا وصل إلى 6% في 2012. أما إيران فكانت معزولة في تلك الفترة واقتصادها ضعيف. لم تكن الجائزة الحقيقية التي سعت إليها إيران هي استعادة أموالها المجمدة في البنوك الآسيوية والأوروبية بسبب العقوبات الدولية (حوالى 100 مليار دولار)، لكن جائزتها الحقيقية كانت استعادة مكانتها كثاني دولة منتجة للبترول في الشرق الأوسط والاستفادة من الازدهار الاقتصادي.  

كان المسؤولون الإيرانيون يعتقدون في 2010 أنه بحلول 2015، سيصل ريع إيران من النفط والغاز إلى حوالى 250 مليار دولار سنويا. ذلك ما كان الإيرانيون يعتمدون عليه عندما كانوا يقدمون التنازلات في المفاوضات النووية. وفي يناير الماضي، بدأ النفط الإيراني بالفعل بالتدفق إلى السوق، ولكن بأسعار وصلت إلى أقل من 30 دولارا للبرميل. وفقا لحسابات وكالة الأنباء العالمية (بلومبرج نيوز) فإن إيران تحقق دخلا شهريا يبلغ حوالى 2.35 مليار دولار من مبيعات النفط، وهذا أقل بكثير مما كانت تتوقعه عندما تخلت عن برنامجها النووي.
 
 تتوقع صحيفة واشنطن بوست أن هناك مخاوف حقيقية في بعض الدوائر السياسية من انهيار الدولة العراقية إذا استمر تدني أسعار النفط فترة طويلة.

وذكرت إن العراق الذي يخوض حربا مكلفة ضد تنظيم داعش الإرهابي ويواجه كارثة اقتصادية بسبب تدني أسعار النفط ويعتمد حوالى 8 ملايين عراقي على المرتبات التي يحصلون عليها من الحكومة، ويبلغ إجمالي هذه المرتبات حوالى 4 مليارات دولار شهريا، بينما أن الدخل الكامل للعراق من النفط أقل من 3 مليارات دولار شهريا.

وأعربت رئيسة صندوق النقد الدولي كريستين ليجارد عن مخاوفها من وقوع أزمة كبيرة في نيجيريا التي تشكل صادراتها النفط حوالى 90% من صادراتها، ويأتي 60% من دخل الحكومة من إيرادات النفط. بالإضافة إلى ذلك فإن البلد يعاني من أزمة أمنية كبيرة بسبب نشاطات منظمة بوكو حرام الإرهابية التي تعتبر أكثر دموية من داعش، حيث قتلت 6644 شخصا في العام الماضي. وفيما تقاتل الحكومة النيجيرية بوكو حرام في الشمال، تواجه أيضا احتمال تجدد أحداث العنف في الجنوب في دلتا النيجر، حيث تقع آبار النفط الرئيسية للبلاد.

من أجل حل المشكلات التي تعاني منها الدول التي يعتمد اقتصادها على النفط بنسبة كبيرة على المدى البعيد، يقول الخبراء إن على هذه الدول أن تتبع برامج إصلاحية هيكلية، وتقلص اعتماد اقتصادها على الموارد الطبيعية، وتستثمر في صناعات أخرى وفي رأس المال البشري. وفي جميع الأحوال، يقول تقرير الواشنطن بوست إن الحكومات بحاجة للأموال لتدفع رواتب موظفيها وتلبي الاحتياجات الأساسية. ذلك يعني أنها ستضطر لضخ المزيد من النفط، مما يسهم في بقاء أسعار النفط منخفضة. لذلك يختم فريد زكريا تقريره قائلا "مرحبا بكم في عالم النفط الرخيص والسياسات المحفوفة بالمخاطر".