هيئة التحقيق والادعاء العام السعودية

شدّد العضو في هيئة التحقيق والادعاء العام السعودية الدكتور ياسر بن حمد الحقيل، على اتفاق فقهاء وعلماء الشريعة منذ قرون على رفض الاحتكار، وتفويض إمام المسلمين باتخاذ العقوبات الرادعة بحق ذوي المآرب الجشعة من التجار، مثلما يرجح آخرون جواز تقنين الأسعار عند الحاجة.

وتساءل الحقيل في بحث محكم له عن أحكام احتكار الأراضي السكنية والسياسة الشرعية في تسعيرها، عن الذي دفع واقع الإسكان في بلد مترامي الأطراف مثل السعودية إلى التأزم، إذ كان السكن ومواد بنائه ميسورًا، فضلاً عن الأرض التي يبنى عليها، وكان شعارهم في ذلك "من أحيا أرضًا ميتة فهي له"، ولم يكن السكن يمثل مشكلة، فكان المنزل الواحد تسكنه أكثر من أسرة في وفاق ووئام، حتى جاء هذا العصر، فأصبحت أزمة السكن من أشد مشكلات هذا العصر القلق، نظرًا إلى حاجة كل المجتمعات الإنسانية إليه.

وأشار إلى أن التقدم الحضاري والمدني غيّر الكثير من العادات والوسائل التي كانت سائدة في ذلك الزمن، فضلاً عن طريقة الحصول على الأرض.

واعتبر الباحث أن واقع الجنون في أسعار المساكن "نازلة لا عهد للناس بها، تسببت في تحفيز جشع التجار وضعاف النفوس في المضاربة على الأراضي، حتى وصل سعر المتر الواحد إلى مبلغ لا يستطيع عليه متوسطو الدخل ولو بعد حين، فضلاً عن محدودي الدخل".

وخلص، بعد مناقشةٍ لأقوال الفقهاء،  إلى إسقاط أحكام الاحتكار المغضوب عليه فقهيًا، على سلوك تجار العقار والمضاربين، وتوصل إلى نتائج اعتبرها لب المشكلة، بعد تدقيق وبحث، وهو المحقق في هيئة التحقيق والادعاء العام. وشدد على أنّ "الجشع الذي يسلكه تجار العقار، والطريقة التي ينهجها بعض مكاتب العقار، والاحتكار والتلاعب في أسعار الأراضي، تؤدي على المدى البعيد إلى انهيار الاقتصاد، ما يوجب تدخل الجهات المعنية لكبح ارتفاع الأسعار، مع زيادة العرض والتطوير في هذا المجال".

ولاحظ أنّ "معظم الأراضي السكنية تم منحها للمواطنين من جانب الدولة مجانًا، وذلك من باب السياسة الشرعية، فارتفاع أسعارها بهذه الطريقة يدل على تلاعب فيها، وأن احتكارًا مفتعلاً بات واضحًا لكثير من الأراضي والمخططات السكنية، يصاحبه ارتفاع غير مبرر، لا يخضع للعرض والطلب، وإنما يخضع للاحتكار من جانب فئة معينة من التجار".

وأوصى الحقيل الدولة بالمبادرة إلى "سن أنظمة تعاقب من يقوم باحتكار الأراضي السكنية بغية رفع أسعارها، والتشهير بهم عبر وسائل الإعلام، ذلك أن الاحتكار أصبح يمارس جهارًا نهارًا".

وطالب بفرض تسعير عادل للأراضي السكنية يقدره أهل الخبرة، ومعاقبة الذين يخالفون التسعير"، مبرزًا أنّه "إن وجدت صعوبة في تسعير كثير من الأراضي، فإن تسعير المخططات الجديدة، غاية في اليسر والسهولة، مما يؤثر إيجابًا في أسعار الأراضي التي لم تسعّر".

واقترح الباحث على السلطات السياسية "النظر في استعادة المساحات الشاسعة من الأراضي التي منحتها لفرد من الناس على أنها زراعية، فتركها حتى وصلها البنيان فحولت إلى سكنية".

ودعا إلى "منع بيع أية أرض منحتها الدولة بالمجان لمواطنيها، ذلك أن تلك الأراضي تتم المضاربة عليها من جانب تجار العقار، لرفع أسعارها أو احتكارها، وبالتالي يصيب الارتفاع كل المنطقة". كما اقترح "خفض السعي الذي تتقاضاه المكاتب العقارية، في مقابل التوفيق بين البائع والمشتري، من 2.5 إلى 1%، سيكون مسهمًا في الحد من الاحتكار، الذي اتهم المكاتب العقارية بالتواطؤ عليه".

وبرر ذلك بأن "السبب الرئيس في رفع أسعار الأراضي والمنازل، هو فتح المكاتب العقارية وانتشارها، نتيجة للعائد المرتفع من السعي ثم يقوم كثير من أصحابها أو من يعمل بها برفع أسعار الأراضي بطرق ملتوية مصحوبة بالتدليس، ويعي ذلك كل من تعامل معها، لاسيما المكاتب في أطراف المدن، التي يفتحها أصحابها دون أي ترخيص، ثم يقومون بالمضاربة على بعض قطع الأراضي، ما يؤدي إلى رفع أسعارها دون مبرر، ما يؤثر في سعر الأراضي داخل النطاق العمراني".