تباطؤ نمو الاقتصادات الناشئة

أكّد تقرير لمجموعة "QNB" صدر حديثًا أن الاقتصادات الناشئة تعاني بشدة وقد تأثر نموها الاقتصادي سلبًا بهروب رؤوس الأموال العالمية، موضحًا أنه مع تباطؤ الأسواق الناشئة تتأثر التجارة العالمية، ما يؤثر بدوره سلبًا على النمو في الاقتصادات المتقدمة، فيما أعلن بيان صادر عن المجموعة أنه بعد الهروب الكبير لرؤوس الأموال العالمية في السنة الماضية، بدأت الأسواق الناشئة تشعر بالعناء الاقتصادى، إذ إن نمو هذه الأسواق يتباطأ بحدّة، من البرازيل إلى إندونيسيا، وروسيا، وجنوب أفريقيا، عاكسًا بشكل جزئي التشديد الذي طرأ على السياسات الداخلية في السنة الماضية لتحقيق استقرار أسعار صرف العملات الأجنبية في الأسواق الناشئة.
وأوضح: "يؤثر هذا التباطؤ في الطلب على الصادرات العالمية، وبالتالي في تعافي الاقتصادات المتقدمة أيضًا، عمومًا، فإن تباطؤ الأسواق الناشئة قد يعرض تعافي الأسواق العالمية للخطر، ما لم تبادر الاقتصادات المتقدمة بالتعويض عن هذا الركود".
ومنذ إعلان بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي في شهر أيار/ مايو 2013 نيته تخفيض برنامج شراء الأصول أو ما يُعرف بالتيسير الكمي، بدأت رؤوس الأموال العالمية بالهروب من الأسواق الناشئة، ما اضطر البنوك المركزية في تلك الأسواق إلى تشديد السياسات الداخلية لتحقيق الاستقرار في أسعار صرف عملاتها (راجع تحليلنا الاقتصادي المتعلق بالموضوع بتاريخ 27 نيسان/ أبريل 2014)، وبينما نجحت سياسة التشديد في إيقاف هروب رؤوس الأموال نسبيًا في بعض البلدان، فإن التأثير على نمو الأسواق الناشئة بدأ في الظهور الآن.
وأشار التقرير إلى أن الأسابيع القليلة الماضية شَهِدت صدور سلسلة من البيانات المالية المخيبة للآمال عن الأسواق الناشئة، فقد تباطأ معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي في البرازيل خلال الربع الأول إلى 0.7% (على أساس ربع سنوي) مقارنة بـ2.3% للعام 2013 ككل.
وأوضح: "انخفض معدل النمو في إندونيسيا في الربع الأول إلى 3.5٪ (5.8٪ في عام 2013). وانكمش الناتج المحلي الإجمالي في جنوب أفريقيا في الربع الأول بنسبة 0،6% مقارنة مع نمو بـ1.9٪ في العام 2013".
وأكّد: "لكن أكثر صور التراجع مأساوية كان في تايلاند، بانكماش بنسبة 8.2% على أساس سنوي في الربع الأول، ليعكس جزئيًا عدم الاستقرار السياسي الراهن".
وفي اتجاه آخر، ارتفع الناتج المحلي الإجمالي في الهند على أساس سنوي في الربع الأول بنسبة 8،2%، ويرجع ذلك جزئيًا إلى إنفاق قياسي بقيمة 5 مليارات دولار أميركي على الانتخابات، مما أضاف ما يُقدَّر بحوالي نقطتين مئويتين إلى النمو في الربع الأول.
وأكّد التقرير أن هذا التباطؤ العام في نموّ الأسواق الناشئة يؤثر على تدفقات التجارة العالمية، وتشكل الأسواق الناشئة حوالي 40٪ من مجمل النشاط التجاري العالمي، وكانت من بين أكبر المساهمين في نمو الصادرات العالمية في السنوات الأخيرة، وعليه، فإن تباطؤ الأسواق الناشئة يؤثر على نمو الصادرات العالمية، ووفقًا لمنظمة التجارة العالمية، فقد نمت قيمة الصادرات العالمية بالدولار الأميركي بـ 1.7% فقط، على أساس سنوي خلال الربع الأول من 2014، مقارنة بنسبة 4.3% في الربع الأخير من 2013، مشيرًا إلى أنه يمكن أن يُعزَى معظم هذا التراجع إلى انخفاض الطلب على الصادرات من الأسواق الناشئة.
وفي المقابل، ساهم تراجع الطلب على الصادرات العالمية في انخفاض النمو الحقيقي للناتج المحلي الإجمالي خلال الربع الأول في كل من الولايات المتحدة (-1.0٪) ومنطقة اليورو (0.2٪).
وهل يشكل تباطؤ الأسواق الناشئة إذن خطرًا على تعافي الاقتصاد العالمي؟ الجواب المختصر وفقًا للتقرير هو أن هذا ممكن، ما لم تعمل الاقتصادات المتقدمة على التعويض عن هذا التباطؤ، حتى الآن، لم يؤد تباطؤ الأسواق الناشئة بعد الى انكماش في التجارة العالمية كالذي شهدناه خلال الكساد الكبير سنتي 2008 و 2009، مشيرًا إلى أنه "إذا استمرت الاقتصادات المتقدمة في التعافي وإنهاء الركود الناتج عن تباطؤ الأسواق الناشئة، فإن الاقتصاد العالمي سيستطيع الحفاظ على زخم النمو".
وأوضح التقرير أن أداء الاقتصادات المتقدمة يعتمد بشكل حاسم على استقرار السياسة النقدية الاميركية، مبينًا: "ويبدو البنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي عازمًا على استكمال تخفيض برنامج التيسير الكمي في أواخر 2014".
وأعلن "إذا أدى هذا التخفيض إلى إضعاف النمو في الولايات المتحدة، فمن المتوقع أن تظل أسعار الفائدة في الولايات المتحدة على المدى البعيد تحت نسبة 3%، ما سيدفع رؤوس الأموال العالمية إلى البحث عن عائدات أعلى في الأسواق الناشئة، مشيرًا إلى أنه قد ينتج عن ذلك تفاوت في تعافي الاقتصاد العالمي لصالح الأسواق الناشئة، كما حدث في الفترة ما بين 2010 و 2013".
من ناحية أخرى، إذا تعافى الاقتصاد الأميركي كما هو متوقع، فمن المرجح أن ترتفع معدلات الفائدة في الولايات المتحدة على المدى البعيد، وتجعل الأسواق الناشئة بذلك أقل جاذبية، وهذا سيعني مزيدًا من التباطؤ للأسواق الناشئة، بينما تتعافى الاقتصادات المتقدمة، ويؤدي ذلك إلى تعافٍ أكثر توازنًا واستدامة للاقتصاد العالمي، بما أن الاقتصادات المتقدمة تشكل الجزء الأكبر من التجارة العالمية.
وأوضح: "عمومًا، يبدو الاقتصاد العالمي مرة أخرى في مفترق طرق، فمع تباطؤ الأسواق الناشئة، تتأثر التجارة العالمية، وهذا بدوره له تأثير سلبي على النمو في الاقتصادات المتقدمة، فإذا أدّى استقرار السياسة النقدية الأميركية إلى انتعاش تدريجي في الولايات المتحدة، ستكون الاقتصادات المتقدمة قادرة على التعويض عن تراجع النمو في الأسواق الناشئة على حساب مزيد من التباطؤ في هذه الأسواق"، مختتمًا: "غير أن آخر أرقام النمو الصادرة من الولايات المتحدة تشير إلى سيناريو مختلف نوعًا ما، وهو ما قد يُعرِّض الانتعاش الاقتصادي العالمي للخطر فعلاً".