التحرر في مواجهة التطرف

تزامن  تكاثر الجمعيات الخيرية في تونس في فترة ما بعد الثورة مع تفريخ مماثل للجماعـات المتطرفة التي تؤمن بأن المدخل الأكثر جدوى لاستقطاب الفقراء والمهمشين هو العمل الخيري سواء تعلق بمساعدات مالية في المناسبات والأعياد أو بمساعدة البعض على إطلاق مشاريع صغرى تجارية في الأحياء الشعبية وزراعية في الجهات الداخلية تتراوح كلفتها ما بين 5 الاف و10 الاف دينار وقـد تصـل إلى نحو 20 الف دينار, وفي الوقت الذي يعتبر فيه البعض ان الجمعيات الخيرية دورها التخفيف من المعاناة بما تيسر من مساعدات، إلا أن مصادر تمويل  البعض منها جعل الشكوك تتزايد حول دورها, ما دفع السلطات إلى فتح ملف التمويل الخارجي ومن يقف وراءه وماهي أهدافه الاجتماعية والدينية والسياسية في تونس.

وعلى الرغم من تكتم غالبية الجمعيات الخيرية عن مصادر تمويلها مخافة افتضاح أمرها الذي قد يقودها إلى الحل والتتبعات القضائية فقد تم التوصل إلى أن الضخ المالي الأوفر جاء بغزارة من جهات عربية وغربية وفي مقدمتها دولة قطر وألمانيا وفرنسا والولايات المتحدة الأميركية تحت عناوين مختلفة ولكنها تصب كلها إما في خانة العمل الإنساني وإما في خانة العمل التنموي, فيما حذرت السلطات من مخاطر الأجندات التي تقف وراء ابتزاز فقراء التونسيين ومحروميهم ومقايضة ولائهم السياسي بالمساعدات في مسعى إلى جر البلاد إلى الدخول في محاور دولية تهدف إلى نخر مجتمعات المنطقة العربية من الداخل بعد أن فشلت في نخرها من الخارج مستفيدة من تفجر ألغام الجماعات السلفية في غياب رقابة الدولة, حيث تم التأكد من أن المئات من الجمعيات تجاوزت قوانين البلاد لتتلقى ضخًا ماليًا أجنبيا تحت عنوان هبات دون ترخيص مسبق من قبل السلطات وفق ما ينص عليه قانون الجمعيات الذي يلزم أي جمعية بالحصول على إذن مسبق والإعلام بمصدر التمويل وأهدافه وحجمه ونوعيته.

وسارع البنك المركزي إلى تركيز خلية متخصصة في التحاليل المالية لمراقبة تمويلات الجمعيات فيما أصدرت رئاسة الحكومة تعليمات صارمة إلى الجهات المعنية بالتدقيق في التمويلات سواء من حيث مأتاها أو من حيث حجمها أو من حيث أهدافها إن كانت خيرية وإنسانية بحتة أم أنها تتنزل في إطار أجندات.

وتوصلت السلطات التونسية بعد عمليات جرد وتدقيق على حقائق مفزعة تؤكد على أن المئات من الجمعيات الخيرية تحصلت على مبالغ مالية خيالية تفوق المليارات من عدد من الجهات بعضها دول مثل قطر وتركيا وألمانيا وبعضها أثرياء خليجيين محسوبين على جماعات الإسلام السياسي الذين راهنوا على الجمعيات لنشر الفكر السلفي الجهادي.

وخلال عمليات متابعة تم الكشف على أن العشرات من الجمعيات الخيرية، تلقت المليارات من الدولارات ظاهرها هبات لدعم العمل الخيري وباطنها جر المجتمع التونسي إلى أجندات محاور إقليمية ودولية تستهدف سيادة القرار الوطني وتعبث بأوضاع الفئات الهشة من التونسيين في مسعى إلى نخر مؤسسات الدولة وتركيز دويلات موازية تقود مشاريع منافسة للمشاريع الحكومية في الأحياء الشعبية والجهات المحرومة.

وعلى الرغم من وجود ملفات تثبت تورط العشرات من الجمعيات الخيرية في تمويلات مشبوهة فإن السلطات تبدو متساهلة مع أحد أهم الملفات الخطيرة التي تستوجب قرارا سياسيا قويا لوضع حد لتدفق الجمعيات التي تمثل خطرا على الامن الوطني .
وأوضحت مصادر أمنية فان أكثر من 150 جمعية خيرية ترتبط بمعاملات مالية مع خلايا جهادية متحالفة مع شبكات التهريب التي تستحوذ سنويا على نحو 600 مليون دولار ،فيما يرتبط بعضها الآخر بصفة مباشرة أو غير مباشرة بتنظيم القاعدة وتنظيم أنصار الشريعة.