الاقتصاد الأميركي

اكتملت إحباطات شهر أغسطس/آب على صعيد الاقتصاد الأميركي، حيث شهدت الولايات المتحدة ضغوطا كبرى على اقتصادها خلال الشهر الماضي، كان من أبرزها الخسائر الهائلة التي أحدثها إعصار "هارفي"، وآثاره البارزة على قطاع مصافي النفط، وتراجعات كبرى في وول ستريت على خلفية المناوشات بين الولايات المتحدة وكوريا الشمالية.

ودونما قصد، تسببت جانيت يلين، رئيسة الفيدرالي الأميركي خلال اجتماعات "جاكسون هول" التي جرت قبل نحو أسبوع، في تردي الدولار الأميركي وتراجع عنيف بأسواق الأسهم، بعد أن احجمت عن الإشارة إلى أي شيء يعد إيجابيا في نظر المستثمرين حول خطط المركزي المستقبلية... إضافة إلى اللغط الكبير الدائر في الأروقة الأميركية حول بقائها في منصبها العام المقبل، مع تزايد حدة هوة الرؤى التي تفصلها عن الرئيس الأميركي دونالد ترامب.

وربما يفسر البعض صمت يلين، بأن المرأة الحديدية التي اعتادت ألا تتحدث إلا بناء على حقائق؛ ربما كانت تنتظر ظهور بيانات أقوى من المعتاد لكي تفصح عن خططها المستقبلية، وبخاصة أن الاجتماع المقبل للبنك بعد أيام قليلة في سبتمبر/أيلول الحالي سيحدد بشكل كبير بوصلة المركزي خلال الفترة المقبلة. وبالأمس، أظهرت البيانات تباطؤ نمو الوظائف الأميركية أكثر من المتوقع في أغسطس الماضي، بعد أن شهدت الوظائف نموا قويا على مدى شهرين، لكن مع ذلك فإن وتيرة الزيادة الأخيرة تكفي لكي يعلن مجلس الاحتياطي الاتحادي (البنك المركزي الأميركي) خطة للبدء في تقليص محفظة سنداته الضخمة.

لكن النمو الضعيف للأجور قد يجعل البنك المركزي يتوخى الحذر بشأن رفع أسعار الفائدة مجددا هذا العام. وقالت وزارة العمل الأميركية أمس الجمعة، إن الوظائف غير الزراعية زادت بمقدار 156 ألف وظيفة الشهر الماضي بعد أن ارتفعت 189 ألفا في يوليو/تموز الماضي. وزاد متوسط أجر الساعة ثلاثة سنتات، بما يعادل 0.1 في المائة، بعد أن نما 0.3 في المائة في يوليو/تموز، لتظل نسبة الزيادة السنوية في الأجور عند 2.5 في المائة للشهر الخامس على التوالي.وزاد معدل البطالة 0.1 نقطة مئوية إلى 4.4 في المائة. وكان اقتصاديون استطلعت آراءهم توقعوا إضافة 180 ألف وظيفة الشهر الماضي. لكن زيادة أغسطس تتجاوز بكثير معدل الوظائف الجديدة الضروري لمواكبة نمو عدد السكان الذين في سن العمل، وهو ما بين 75 و100 ألف وظيفة شهريا.

وزادت الوظائف في قطاع الصناعات التحويلية 36 ألف وظيفة، وفي قطاع الإنشاءات 28 ألف وظيفة الشهر الماضي؛ مما يسلط الضوء على قوة سوق العمل عموما. وانخفض مؤشر الدولار الذي يقيس أداء العملة الأميركية أمام سلة العملات الرئيسية المكون من ست عملات عالمية بنحو 0.5 في المائة في أعقاب صدور تقرير الوظائف عصر أمس بتوقيت غرينتش.
في حين ارتفعت الأسهم الأميركية في بداية تعاملات آخر أيام تداولات الأسبوع، بعدما ظهور بيانات الوظائف. وارتفع المؤشر داو جونز الصناعي 35.26 نقطة أو 0.16 في المائة إلى 21983.36 نقطة. وزاد المؤشر ستاندرد آند بورز 500 بمقدار 4.77 نقطة أو 0.19 في المائة إلى 2476.42 نقطة. وصعد المؤشر ناسداك المجمع 14.93 نقطة أو 0.23 في المائة إلى644.59 نقطة.

ومن المتوقع أن يجعل ضعف تقرير الوظائف الاحتياطي الاتحادي أكثر «ترددا» في رفع أسعار الفائدة مرة أخرى قبل نهاية العام الحالي. وإذا كان بعض صناع السياسة المالية للاحتياطي قد تشككوا بالفعل في رفع أسعار الفائدة خلال هذا العام بالوتيرة المتوقعة نفسها، فإن بيانات هذا الأسبوع لن تشعرهم بمزيد من الراحة، رغم ترقب المستثمرين لآي إشارة خلال هذا الشهر لتأكد من مسار السياسة النقدية للاحتياطي الاتحادي.

وكان انخفاض متوسط الدخول في يوليو الماضي بمثابة قمة جبل الجليد، فمما يجدر ذكره أن أرقام أغسطس/آب جاءت أكثر خيبة للآمال مما كان متوقعا، وإذا كانت الأمور تقاس فقط بالأرقام الصرفة، فإن سوق العمل الأميركي كان سيعد بذلك سوقا جيدا للغاية، إلا أن ذلك القياس وحده لا يمكن تطبيقه؛ إذ إن القياسات الاقتصادية تعتمد على عوامل أخرى من بينها معدلات التضخم على سبيل المثال، وبقياس تلك العوامل جميعا يتضح حجم الأزمة في سوق العمالة الأميركي، غير أن الاحتياطي الفيدرالي يعتمد على بيانات التوظيف لتبرير المزيد من رفع أسعار الفائدة.

وينظر إلى تقرير الوظائف الأخير على أنه ضربة لفرص المركزي الأميركي في رفع سعر الفائدة هذا العام. وبينما اعتاد الرئيس الأميركي دونالد ترامب أن يبادر بنشر البيانات الإيجابية عن الاقتصاد الأميركي فور ظهورها على موقع التدوينات القصيرة "تويتر" للفخر بما يحققه اقتصاد بلاده خلال ولايته، إلا أن البيانات الأخيرة المخيبة للآمال ربما لا تظهر على صفحته في تغريدة تقليدية.

لكن رغم ذلك، فإن عددا من المحللين يرون أن بيانات التوظيف «القاتمة» لن تكون سيئة بشكل كافٍ وحدها للتأثير سلبا على قرارات سعر الفائدة؛ نظرا للمشكلات الموسمية، وكونها قراءات أولية للشهر، والتي سيتم تنقيحها في وقت لاحق من الشهر الحالي؛ الأمر الذي لن يكون له تأثير مقيد على قرارات الاحتياطي الفيدرالي. ومع ذلك، فمن المتوقع أن تتأثر أرقام سبتمبر بالإعصار هارفي، وربما ينتظر الاحتياطي الفيدرالي حتى صدور بيانات أكتوبر/ تشرين الأول في أوائل شهر نوفمبر/تشرين الثاني؛ للتأكد من صحة سوق العمل قبل رفع الفائدة المقبل.