قمة مجموعة دول "بريكس"

تحضر مصر ضيفة في قمة مجموعة دول "بريكس"، التي تضم البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا، والتي تنطلق غدًا الأحد في مدينة "شيامن" الصينية، خلال الفترة من 3 إلى 5 سبتمبر/أيلول الجاري. ووجهت الصين دعوة إلى الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي لحضور القمة، ورأت الهيئة العامة للاستعلامات في مصر، وهي هيئة رسمية رفيعة تابعة لقطاع رئاسة الجمهورية، أن دعوة الرئيس المصري لهذه القمة تعد بمثابة تقدير لمصر، وإدراك لأهميتها الإقليمية والدولية، والثقة فيما تحققه في مجالات الأمن والاقتصاد والإصلاح السياسي، مشيرة إلى أن مشاركة مصر وعرض رؤيتها على هذه القمة يعزز احتمالات انضمامها لعضوية المجموعة، التي أضحت محط اهتمام كثير من الدول الساعية للانضمام لعضويتها، مثل الأرجنتين ونيجيريا وإندونيسيا.

وأوضح تقرير صادر عن الهيئة أمس الجمعة، أن انضمام مصر إلى عضوية مجموعة "بريكس" يحمل كثيرا من الفرص والمزايا، خاصة على صعيد التنمية والتجارة والاستثمار، فهذه المجموعة استطاعت في وقت قصير أن تحقق نجاحا ملموسا لصالح أعضائها على نحو أفضل مما حققته مجموعات دولية وإقليمية أخرى تسبقها بسنوات بعيدة، فقد استطاعت دول "بريكس" زيادة التجارة البينية بين أعضائها لتصل في عام 2016 إلى 16.6 تريليون دولار، كما ارتفعت حصتها في التجارة الدولية من 11 في المائة، إلى 16 في المائة، خلال أقل من عشر سنوات.

في الوقت نفسه، فإن تعزيز التعاون الاقتصادي بين مصر ودول مجموعة "بريكس" يفتح آفاقا واسعة أمام الاقتصاد المصري، فالناتج المحلى الإجمالي لهذه المجموعة يبلغ نحو تريليون دولار، بما نسبته نحو 23 في المائة من الاقتصاد العالمي، ولديها خطط استثمارية كبيرة من خلال بنك التنمية التابع لها، برأسمال يبلغ 100 مليار دولار، يضاف إلى ذلك اهتمام المجموعة بتشجيع العلوم والتكنولوجيا والابتكار فيما بينها، حيث تساهم الدول الخمس بنحو 27 في المائة من الأبحاث العلمية المنشورة في المجلات الدولية، وتنفق 17 في المائة من الاستثمارات الدولية في مجالات البحث والتطوير.

ويشير تحليل هيئة الاستعلامات إلى أن مجموعة دول "بريكس" لم تضع شروطا محددة للعضوية أو معايير واضحة لانضمام دول أخرى إليها، فقد بدأت المفاوضات الخاصة بالمجموعة بأربع دول عام 2006، ثم انضمت إليها جنوب أفريقيا عام 2010 بعد مفاوضات بين الطرفين. ويقول التحليل إنه بالنظر إلى ظروف نشأة المجموعة، وأهدافها، وخصائص دولها، فإن مصر تعد من بين أكثر الدول المؤهلة لاكتساب عضويتها، استناداً لمؤشرات كثيرة، من بينها أن مصر تمثل إضافة مهمة للمجموعة على الصعيد السياسي والاستراتيجي والجغرافي.

وعلى الصعيد الاقتصادي، تشير هيئة الاستعلامات إلى أن «مصر أصبحت اليوم مؤهلة لعضوية المجموعة بنجاحات ومؤشرات كثيرة، بعدما حققت في ثلاث سنوات فقط مستويات ملموسة من الأمن والاستقرار، وبدأت برنامجها للإصلاح الاقتصادي، والذي بدأت آثاره الإيجابية تظهر على أرض الواقع، وتحظى بثقة المؤسسات الاقتصادية والمالية والتجارية العالمية، التي ترى أن مصر تملك اقتصادا بازغا واعدا، فمجموعة "بريكس" أنشئت بين دول الاقتصادات الصاعدة، ومصر اليوم أصبحت إحدى الدول التي ينطبق عليها هذا الوصف».

وطبقا لتقديرات البنك الدولي، احتلت مصر المرتبة 32 على مستوى العالم لعام 2016، حيث بلغ الناتج المحلي الإجمالي لمصر 346.57 مليار دولار، بينما احتلت جنوب أفريقيا - إحدى دول "بريكس" - المرتبة 42 في نفس العام، بناتج محلى إجمالي 280.37 مليار دولار. كما أكد تقرير البنك الدولي "الآفاق الاقتصادية العالمية" الذي صدر في يونيو/حزيران 2017، أنه من المتوقع أن يسجل معدل نمو الاقتصاد المصري واحدا من أسرع معدلات النمو لدول منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا خلال العامين المقبلين، حيث يتوقع نمو الاقتصاد المصري بنسبة 4.3 في المائة في العام الحالي، و5 في المائة في 2018، و5.3 في المائة في 2019.

ومن المتوقع أن تركز مصر في اجتماعات شيامن على عدد من القضايا المهمة، من بينها تفعيل التعاون بين دول الجنوب، وخاصة التعاون بين دول مجموعة "بريكس" والاقتصادات الناشئة الأخرى ومن بينها مصر، وخاصة في مجالات الاستثمار والبنية التحتية، وتدعيم التعاون بين مصر كممثل للدول العربية في المؤتمر، وبين مجموعة "بريكس" ومن بينها الصين.
وقد شهدت العلاقات التجارية بين مصر ودول تجمع "بريكس" نموا ملحوظا خلال الأعوام الخمسة الماضية، نتيجة الإصلاحات الاقتصادية التي نفذتها مصر، والتي عززت انفتاح الاقتصاد المصري عالميا، وأسهمت في استقرار السوق المصرفية، وتحسن التصنيف الائتماني، واتفاقيات التجارة الحرة التي وقعتها مصر مع كثير من القوى الاقتصادية في العالم.

وتشير الإحصائيات إلى أن حجم التبادل التجاري بين مصر والصين بلغ في عام 2016 نحو 11 مليار دولار، بنسبة انخفاض قدرها 15 في المائة عن عام 2015؛ حيث بلغ حجم الصادرات المصرية إلى الصين 555 مليون دولار عام 2016، مقارنة بنحو 920 مليون دولار عام 2015. كما انخفض حجم الواردات المصرية من الصين خلال عام 2016 بنحو 13 في المائة، حيث بلغت قيمتها نحو 10.4 مليار دولار، مقابل 12 مليار دولار عام 2015.

وتسعى الصين إلى الاستفادة من المزايا التفضيلية التي تتمتع بها مصر، ومن بينها الموقع الجغرافي الفريد والسوق الضخمة التي تضم نحو 90 مليون مستهلك، فضلاً عن كونها بوابة لأكثر من مليار مستهلك يقطنون في الدول التي تتمتع فيها السلع المنتجة في مصر بمعاملة تفضيلية، مثل دول الاتحاد الأوروبي و"الكوميسا" والدول العربية والولايات المتحدة.

وتتركز مجالات التعاون بين مصر والصين في الكهرباء، والبترول، والغاز الطبيعي، والسكك الحديدية، والبنية التحتية، والموانئ، والصناعات المعدنية، ومواد البناء والتشييد، والصناعات الكيماوية، ومستلزمات الإضاءة، والمنسوجات، والأجهزة المنزلية.

ومن جانبها، تسعى الصين إلى تعظيم الاستفادة من مبادرة طريق الحرير في مضاعفة تجارتها مع الدول العربية ومن بينها مصر، وزيادتها من مستوى 240 مليار دولار عام 2015، إلى 600 مليار دولار خلال السنوات المقبلة، بالإضافة إلى الوصول بحجم تجارتها مع أفريقيا إلى 400 مليار دولار بحلول 2020.

ورغم توقعات المؤسسات المالية الدولية بهشاشة النمو الاقتصاد العالمي وتنامي أزمات الديون السيادية بعدد من الاقتصادات الكبرى، فإن قمة «بريكس» تسعى جاهدة لتأسيس مرحلة جديدة من التعاون بين الدول النامية ذات الاقتصادات الكبرى، لمواجهة شبح الركود الاقتصادي والإجراءات الحمائية التي تشكل تهديدا بالغا لحرية التجارة والنمو الاقتصادي العالمي، وإعادة رسم خريطة ميزان القوى الاقتصادية في العالم.

ويشكل تجمع "بريكس" الذي يتخذ من مدينة شنغهاي الصينية مقرا له، قوة اقتصادية وسياسية هائلة، ويبلغ إجمالي عدد سكان دوله الخمس نحو 2.8 مليار نسمة، يمثلون أكثر من 40 في المائة من سكان العالم، ويمتلك نحو 22.5 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، وأكثر من 40 في المائة من حجم إنتاج الطاقة العالمي، وأكثر من 16 في المائة من حجم التبادل التجاري العالمي. كما يستأثر بنصف الاحتياطي العالمي من العملات الأجنبية والذهب، ويستحوذ على نصف الاستثمارات الأجنبية المباشرة على المستوى العالمي.