المفوضية الأوروبية

لم تدخل أوروبا والعالم بعد عصر ما بعد الـ "بريكسيت"، أي خروج بريطانيا من دول الاتحاد الأوروبي. فالإجراءات القانونية ستطول، والعراقيل تتكاثر. وهناك من كان يرى أن الانفصال لن يحدث في الواقع. بيد أن الصفعات التي توجهها بروكسيل الى لندن لم تنته ولن تكون الخاتمة سهلة. والمثال على ذلك واضح في آخر حلقة من الحلقات الانتقامية بحق بريطانيا، إذ قررت المفوضية الأوروبية تخصيص 4 ملايين يورو لتنفيذ مشروع بناء كابل بحري من شأنه استجرار الطاقة الكهربائية، إضافة الى معطيات معلوماتية، عبر الألياف الضوئية من فرنسا الى إيرلندا، من دون المرور بالأراضي البريطانية. ويعود قرار تفادي عبور المشروع الأراضي البريطانية الى ضرورة شبك الدول الأوروبية طاقوياً أكثر فأكثر، في شكل مستقل، من دون الخضوع لا لمصلحة الجمارك البريطانية ولا لـ "الفضول" البريطاني!

ويفيد خبراء في مدينة "لوزيرن"، بأن سويسرا ستستفيد من طلاق بريطانيا مع كتلة دول الاتحاد الأوروبي. فعلى الصعيد المصرفي، قد تكون سويسرا بديلاً جزئياً للفراغ الذي ستتركه المصارف الأوروبية في لندن، لا سيما في قطاعي إدارة الأصول والاستثمار في المعادن الثمينة. كما أن سويسرا قد تشارك مستقبلاً، في تغذية إرلندا بجزء من الطاقة الكهربائية. علماً أن مشروع الكابل البحري، بعد مغادرة بريطانيا الكتلة الأوروبية عام 2019 مبدئياً، سيكون المشروع الأوروبي الوحيد والمستقل، الذي سيغذي إرلندا بالطاقة بعيداً من التداخلات البريطانية.

ولا شك في أن مشروع الكابل البحري يثير إعجاب خبراء الطاقة السويسريين. كما أطلق على هذا المشروع اسم "سيلتك اينتركونيكتر" وسيربط الشمال الغربي لفرنسا مع الساحل الإرلندي الجنوبي، بطول 600 كيلومتر. فمن جهة، سيغذي هذا الكابل 400 ألف أسرة إرلندية بالطاقة التي قد تصل الى 700 ميغاواط/ساعة، ومن جهة أخرى، سيحمل معه تكونولوجيا ليفية ضوئية لضمان التواصل عبر الإنترنت بين إرلندا والخارج. وفي موازاة الطاقة التقليدية، سيزود هذا المشروع إرلندا بالطاقة المتجددة، الشمسية والريحية. وفي حال تم تسجيل فائض في آلية تغذية إرلندا بالطاقة، سيتم توجيه هذا الفائض الى دول أوروبية أخرى.

على صعيد العلاقات السويسرية-الإرلندية فهي على أبواب الدخول في منعطف جديد. فرحيل الشركات الأوروبية تدريجاً من لندن، على رأسها تلك العاملة في القطاعين المصرفي والمعلوماتي، سيحض السويسريين على تقليص وجودهم التجاري في بريطانيا. وللتعويض عن هذا الانسحاب الاستراتيجي من لندن، يسعى بعض الشركات السويسرية الى الانتقال الى إرلندا، التي تحتضن شركات تكنولوجية شديدة التطور والتنافسية.