الوزير البريطاني ديفيد ديفيس

 عقدت الجولة الرابعة من مفاوضات انسحاب بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، مؤخرًا، بين الوفدين الأوروبي برئاسة ميشيل بارنييه والبريطاني برئاسة الوزير ديفيد ديفيس، في بروكسل، من دون نتائج تذكر، كما كان متوقعًا على نطاق واسع، وكان بارنييه لاحظ بعد الجولة الثالثة التي عقدت في 31 آب/أغسطس الماضي، أنّ الملف الوحيد الذي حقق بعض التقدّم هو ملف رسم الحدود بين إيرلندا الشمالية وجمهورية إيرلندا، معلّقًا بقوله "رغم ذلك فإنّ الأمر لا يزال غير كاف، وما زلنا بعيدين عن التقدّم الذي يسمح لي بتقديم توصية للمجلس الوزاري الأوروبي لفتح التفاوض مع بريطانيا بشأن ترتيب العلاقة المستقبلية معها".


وترفض المفوضية الأوروبية ما تعتبره "تحركًا بريطانيًا مقصودًا، للاحتفاظ بحق توجيه السوق الأوروبية الموحدة بعد خروجها من الاتحاد"، مؤكدة أنّ الوثائق التي قدمتها بريطانيا في المباحثات "تحفل بنصوص تدل على رغبة لندن في استمرار الاستفادة من إيجابيات هذه السوق مع البقاء خارجها"، ويرى بارنييه أنّ "هذا غير ممكن، إذ أنّ لقرار لندن الانسحاب من الاتحاد نتائج اقتصادية واجتماعية وإنسانية ومالية"، وعلى رغم تأكيده استعداده لتسريع وتيرة المفاوضات من أجل التوصل إلى حلول مقبولة من الجانب الأوروبي، لا تزال المفاوضات مع لندن تراوح مكانها، خصوصًا بعد طلب الأخيرة من بروكسل السماح لها بالبقاء عامين إضافيين داخل الاتحاد بعد انتهاء المهلة في آذار/مارس 2019 المعطاة لها من أجل إنهاء ترتيبات "بريكزيت"، وطالب ديفيس الطرف الأوروبي بتبني "نهج أكثر مرونة وابتكارًا"، رافضًا الاتهامات الأوروبية بأن بلاده تخلط بين الانفصال والشراكة المستقبلية. وبدلًا من أن تتبنى لندن "نهجًا أكثر مرونة وابتكارًا" ستلجأ قريبًا إلى تشديد شروط الهجرة إليها من أوروبا، ما يزيد العلاقة تأزمًا مع بروكسل.


وكشفت صحيفة "ذي غارديان" البريطانية، مؤخرًا، حصولها على وثيقة حكومية تفيد بأنّ لندن تخطط لخفض فترة السماح بالإقامة والعمل فيها للعمال الأوروبيين غير المختصين إلى سنتين فقط بعد "بريكزيت"، وتحديد فترة من ثلاث إلى خمس أعوام لأصحاب التخصص، بشرط أن يحظى العامل أو المتخصص البريطاني بالأولوية، وتتضمن الوثيقة تحديدًا صارمًا لمسألة لمّ الشمل، حيث يوجد في بريطانيا حاليًا 3.6 مليون أوروبي يعملون في القطاعات كافة، ثلثهم في لندن.


وأعلنت رئيسة الحكومة البريطانية تيريزا ماي، للمرة الأولى، من فلورنسا في إيطاليا، لا من لندن أو بروكسل، نية حكومتها احترام وضع العمال الأجانب في بلدها والحفاظ على حقوقهم المكتسبة، ودفع جزء فقط من فاتورة الحساب المطلوبة منها، في وقت بدأ الحديث يتزايد عن أن وضعها على رأس حكومتها المحافظة بدأ يهتز مع إمكان أن يحل محلها أحد أهم مهندسي خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وزير الخارجية الشعبوي بوريس جونسون، الذي لا يخفي الأخير موقفه العدائي الواضح من أوروبا، وأمام العرقلة البريطانية الواضحة، والبلبلة القائمة في حكومة ماي، قرر البرلمان الأوروبي أن يبحث قريبًا، مسألة تحذير الشركات البريطانية أيضًا من فقدان فاعلية شهادات بيع انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون المعطاة لها من بروكسل، في حال عدم التوصل مع لندن إلى انفصال منظم ومقبول يحدد حقوق كل طرف وواجباته.


ورأى باحثون في "أوتو بايسهايم سكول أوف مانيجمنت" في ألمانيا، أنّ فرانكفورت بدأت تجذب الكثير من المصارف الدولية والأوروبية بعد قرار بريطانيا الانسحاب، ولفت هؤلاء في دراسة إلى أنّ "المدينة المصرفية" الألمانية التي تضم المصرف المركزي الأوروبي ومصارف كبيرة أخرى، والبورصة وشركات التأمين، ستستقطب مستقبلًا مع منطقة الماين التابعة لها، عشرات آلاف فرص العمل الإضافية خارج قطاع المصارف، تحديدًا في قطاعات العقارات والخدمات العامة والخدمات العلمية والتقنية والصناعات التحويلية وصناعة السيارات، وتوقعت الدراسة انتقال عدد كبير من فروع المصارف الدولية من لندن إلى فرانكفورت قبل الانفصال وبعده.


وعلّق رئيس اتحاد الصناعة الألمانية ديتر كمبف، تعقيبًا على جولات المفاوضات مع لندن في بروكسيل، أنّ "حكومة لندن خالية من أي نهج واضح، وفي ظلّ هذه الشروط لا يمكن توقع حصول أي تقدم في المفاوضات الجارية".


وخرج "حزب العمال البريطاني" مؤخرًا، بموقف جديد من "بريكزيت" يبتعد فيه عن تأييده لخروج بلده نهائيًا من الاتحاد الأوروبي بعد سنتين، ويدعو الحزب، الذي ازدادت شعبيته في الفترة الأخيرة على حساب المحافظين، إلى انسحاب شكلي من الاتحاد الأوروبي عام 2019، والبقاء عضوًا في السوق الأوروبية والاتحاد الجمركي لسنوات على الأقل كمرحلة انتقالية مع القبول بالشروط السارية حاليًا في الاتحاد، ويؤيد الحزب التزام لندن بمواصلة دفع حصتها المالية في موازنة الاتحاد السنوية والقبول بقرارات المحكمة الأوروبية العليا، والحفاظ على حرية تنقل العمال من بريطانيا وإليها، مؤكدًا استعداده لتنفيذ كل ذلك في حال وصل إلى الحكم، ما يرفضه بالطبع حزب المحافظين.