مطار شارل ديغول

تتوقّع فرنسا هذه السنة ما بين 88 و89 مليون سائح، وفق التوقعات الرسمية الصادرة عن دوائر وزارة الخارجية. وهذه التوقعات مبنية جزئيا على الأرقام التي صدرت بنهاية يونيو/حزيران الماضي عن حركة المطارات وحجوزات الفنادق. أما نسبة النمو المتوقعة فهي أكثر من 7 في المائة قياسا بالعام الماضي الذي تأثرت فيه السياحة بعدد من الأعمال الإرهابية لا سيما اعتداء مدينة نيس الذي أودى بحياة 88 شخصاً. وكان قد هبط عدد السياح إلى 82.6 مليون سائح في 2016 من 84.5 مليون في 2015، علما بأن سياح فرنسا هم من الدول الأوروبية بالدرجة الأولى، وبنسبة 75 في المائة مقابل 25 في المائة من غير الأوروبيين.

وفي أرقام حركة المطارات، فقد سجلت نسبة نمو 5.3 في المائة في يونيو الماضي، لا سيما في مطاري رواسي شارل ديغول وأورلي، وبعدد ركاب بلغ 8.9 ملايين. وكانت الأشهر الخمسة الأولى شهدت نموا بنسبة 5 في المائة، إذ بلغ عدد الركاب 48.5 مليون مسافر عبر تلك المطارات. ويذكر أن مطار شارل ديغول كان شهد العام الماضي اعتداء إرهابيا أثر كثيرا في حركته.

وفي تفاصيل تلك الحركة هذه السنة كان لافتا إقبال الآتين من أميركا الشمالية وبنسبة نمو 10.4 في المائة، مقابل 8.4 في المائة من الشرق الأوسط، و7.9 في المائة من منطقة آسيا والمحيط الهادي (باسيفيك) التي كانت قد سجلت هبوطا حادا السنة الماضية. وتؤكد مصادر قطاع السياحة أن فرنسا تتجاوز آثار التهديدات والاعتداءات الإرهابية التي هبطت بسببها الحجوزات بشكل كبير، لا سيما بعد اعتداءات باريس في نوفمبر/تشرين الثاني 2015، واعتداء مدينة نيس في يوليو/تموز 2016.

وتشير تلك المصادر إلى أن السياح الأوروبيين لم يتأثروا كثيرا بالخطر الإرهابي، واستمر إقبالهم على فرنسا، لكن اللافت هذه السنة العودة الواضحة للسياح غير الأوروبيين، الملاحظين بقوة في فنادق باريس وأسواقها. ومن بين أسباب تلك العودة الطاقة الاستيعابية الإضافية على متن شركات طيران الرحلات الطويلة القادمة إلى فرنسا وبأسعار تنافسية جاذبة، إضافة إلى زيادة نشاط الطيران الاقتصادي والرخيص القادم من العواصم القريبة.

وأعلنت الحكومة الفرنسية عقد اجتماع متعدد الأطراف غير مسبوق في 26 يوليو/تموز الجاري، يضم 10 وزارات معنية بشكل مباشر وغير مباشر بحركة السياحة، إضافة إلى 15 ممثلا عن هيئات واتحادات مهنية، لا سيما من قطاعات الفنادق والمطاعم والتسوق، كما سيضم هذا الاجتماع خبراء ومستشارين متخصصين، والهدف منه ليس زيادة الترويج فحسب، بل تحسين العرض السياحي الفرنسي في مناخ تنافسي حاد خصوصا من الجارة إسبانيا التي تزاحم فرنسا على الموقع العالمي الأول في هذا القطاع. والتركيز الرسمي الرفيع على السياحة في فرنسا مدفوع بأهمية هذا القطاع، الذي تبلغ مساهمته في الناتج الفرنسي ما بين 7 و8 في المائة، ويوفر نحو مليوني وظيفة. وسيتناول هذا الاجتماع خطة سابقة كانت حددت هدف 100 مليون سائح في عام 2020، وبإيرادات تصل إلى 50 مليار يورو.

وكشفت مصادر معنية بالتحضير لهذا الاجتماع عن تحديات يفترض إيجاد حلول لها، مثل شكوى المستثمرين من صعوبة الحصول على قروض ميسرة، وضرورة معالجة البيروقراطية التي تشتهر بها فرنسا أوروبياً، فضلا عن بحث سبل زيادة مساهمة الدولة في الترويج في ظل تقشف حكومي قاسٍ للتخفيف من عجز الموازنة. ولا تنسى تلك المصادر التذكير بالتحدي الأمني القائم، وبحالة الطوارئ المستمرة، وأثر ذلك في المناخ السياحي عموما وفي صورة فرنسا خصوصاً، لأن حالة الطوارئ سيف ذو حدين. فمن جهة يبعث الانتشار الأمني على الاطمئنان النسبي، ومن جهة أخرى يعطي انطباعا بأن التهديدات قائمة والخطر ماثل. لذا أعلنت الحكومة أنها سترفع حالة الطوارئ هذه قبل نهاية العام. وتضيف المصادر إلى ذلك مشكلات تتعلق بتعدد المرجعيات المعنية بالسياح، فهناك تشتت أمني وإداري ومهني يفترض بالاجتماع المتوقع وضع حد له، وذلك من خلال خلق آلية عبر لجنة واحدة مرتبطة برئاسة الحكومة مباشرة، وهذا هو مطلب الاتحادات المهنية لا سيما الفندقية منها.

ومن الوجهات الفرنسية المفضلة للسياح، هناك منطقة الجنوب على شواطئ البحر المتوسط، وتحديدا مدن نيس وكان وآنتيب وسان تروبيز ومارسيليا. وتؤكد المصادر السياحية في هذه المنطقة أن الزوار من الصين وروسيا يعودون بقوة. أما العرب، خصوصا سياح دول الخليج منهم، فإقبالهم أقل هذا الموسم لأسباب متصلة بالاضطرابات الجيوسياسية خصوصا تداعيات أزمة قطر المتهمة بدعم الإرهاب.

وبالأرقام، سجلت مدينة نيس على سبيل المثال نموا في الحجوزات والإقامات ما بين 1.9 و2.3 في المائة من بداية العام حتى نهاية مايو/أيار الماضي. والمتوقع لكامل العام نحو 5 في المائة استنادا إلى حجوزات الصيف، علما بأن هذه المدينة شهدت العام الماضي إلغاء 400 ألف حجز بعد الاعتداء الإرهابي الذي استهدفها.

لكن الوضع تحسن كثيرا منذ سنة إلى الآن، بعد 120 حملة ترويجية ركزت على أكبر 25 بلدا مصدرا للسياح، فإذا بنيس وشواطئ الريفييرا الفرنسية (كوت دا زور) تعود إلى وهج جاذبيتها التي لا تضاهى بحسب مدير أحد أكبر وأشهر فنادق مدينة كان، الذي يفخر بأن هذه المدينة الصغيرة جدا يؤمها سنويا معظم المشاهير والأغنياء، يأتون إليها بيخوتهم الفخمة للرسو في مارينا هو الأشهر والأفخر في العالم، كما يقول.