جنيف - العرب اليوم
أشار خبراء في مصرف "كريديه سويس" السويسري الشهير، إلى أن مجموعة من أثرياء العالم، يتجاوز عددهم نحو 2500 مليونير، موزعون جغرافيًا بين أميركا وأوروبا وآسيا، ينظرون بشغف إلى ما يدور من أفكار بشأن تقديم كبرى شركات التكنولوجيا الأميركية، على غرار "أبل" و"غوغل" و"فيسبوك"، خدمات مالية خاصة بإدارة الثروات. ووفق إحصاءات هؤلاء الخبراء، فإنه في حالة تفعيل عمالقة التقنية لمثل هذه الخدمات، فإن نحو 57% من هؤلاء الأفراد أصحاب الثروات العالية high networth individuals، أي القادرين على ضخ ما لا يقل عن مليون دولار أميركي على شكل استثمارات، مستعدون للاشتراك فيها، كما تكمن المفاجأة، وفق نتائج الإحصاءات، في أن أكثر من 50% منهم مستعدون لنقل إدارة ثرواته إلى شركات عاملة في مجال إنتاج الهواتف الذكية وإدارة شبكات التواصل الاجتماعي، والتي تدور الأحاديث حول استعدادها في الشهور المقبلة لتأسيس وحدات تجارية خاصة بها عاملة في قطاع إدارة الأموال، تمامًا كتلك التي نجدها تقليديًا لدى المصارف، وكان من اللافت في تلك الإحصاءات أن ما لا يقل عن 350 مستثمرًا سويسريًا أبدى استعداده الفوري للتعامل مع هذه الوحدات التجارية الجديدة.
ومن المعروف أن رجال الأعمال السويسريين يمتازون عن أقرانهم بأنهم أكثر اطلاعًا ومتابعة للمستجدات الدولية في الساحات المالية والاستثمارية، نظرًا لطبيعة سويسرا التاريخية بصفتها مركزًا مصرفيًا عالميًا، ما يعني أن انفتاحهم على الأفكار التي قد تشكل تغيرًا في مسار الصناعة الدولية المنوطة بأعمال الصيرفة الخاصة في العالم، يعد إشارة قوية إلى أهمية الأمر والتفاؤل الكبير بشأن ريادة هذه الصناعة مستقبلاً، كما أن عددًا لا بأس به من أثرياء العالم يتخذون من سويسرا وطنًا ثانيًا أو مقرًا رئيسيًا لإدارة أعمالهم. ويعتبر الأثرياء السويسريون، اعتمادًا على تحاليل مالية صادرة عن مصرف "يو بي أس"، الأكثر استعدادا للاكتتاب في أي خدمة إدارية مالية تقدمها شركات التكنولوجيا الأميركية العملاقة، ما يعكس درجة "وفاء" عالية من قبلهم حيال كل ما تقدمه هذه الشركات من خدمات حالية ومستقبلية، ويعود السبب في الثقة العمياء للمستثمرين السويسريين في هذه الشركات، إلى قدرة الأخيرة على استغلال مفاهيم عدة، مثل المهارة والسرعة والشفافية والقدرة على جمع وتحليل معلومات شخصية، من أجل رسم الهوية ومجموعة من السلوكيات المالية المتعلقة بكل فرد على حدة، واللافت أن شركات التكنولوجيا الأميركية تتفوق اليوم بسهولة على كل ما له صلة بقطاع الاستشارات المالية التقليدية، المنوطة بإدارة الثروات، وهو القطاع الذي خسر تدريجيًا بريقه الذي طالما أتاح له التألق عالميًا لأعوام طويلة وبدون منافس.
ورغم أن الخبراء يرون أن شركات التكنولوجيا شديدة التقدم، سواء الأميركية أو غيرها، لن تتمكن واقعيًا من منافسة لاعبين كبار في مجال الصيرفة الخاصة بصورة مباشرة، إلا أن توجه هذه الشركات إلى تأسيس موطئ قدم لها في هذا المجال، وخصوصًا في قطاع إدارة الثروات، سينعش سلسلة من الشراكات الاستراتيجية مع عدد ضخم من المستثمرين الدوليين، ومن ضمنهم السويسريون الذين يعتنقون اليوم سلوكين تجاريين، الأول هو السلوك المالي "الهجومي" عن طريق قيامهم بمضاربات شرسة في قلب الساحات المالية الدولية، عندما يكون الوقت مناسبًا، والآخر الموازي ليس إلا السلوك المالي "الدفاعي" عن طريق توخي الحذر وتحليل كل المعطيات المتوافرة قبل اتخاذ القرار المناسب. وأكد الخبراء في شركة "آتوس غروب"، في مدينة زوغ، الخبيرة أيضًا في أنشطة إدارة الثروات، أن شركات التكنولوجيا الأميركية تحولت على نحو خفي لتصبح نوعًا من أنواع الشركات المساهمة المالية holding companies. فالمستثمرون السويسريون اكتشفوا أن ما لا يقل عن 30 شركة أميركية متعددة الجنسيات لديها ما مجموعه 1.3 تريليون دولار من الأنشطة المالية، الموزعة بين أسهم وسندات وسيولة مالية، ومن بين هذه الشركات "مايكروسوفت"
و"آبل" و"أمازون"، وحتى شركتي "جنرال إلكتريك" و"فورد"، وفي حالة تحليل هذه الأوضاع تحت المجهر الاستثماري السويسري، نجد أن بورصة وول ستريت لديها بعض الانفصام في الشخصية، فمن جهة تعمد هذه البورصة إلى الاقتراض عن طريق بيع سندات الشركات، لكن من جهة أخرى تعمل هذه البورصة على شراء أصول مالية عدة، من دون التفكير مرتين، كما تختار بورصة وول ستريت من بين هذه الأصول تلك التي تتميز بدرجة عالية من النوعية التجارية، ووسط هذا الوضع يتمتع عمالقة التكنولوجيا الأميركية شديدة التقدم بمراكز مرموقة على لائحة أكبر الشركات المساهمة المالية الدولية، بفضل أنهار من السيولة المالية الموجودة خارج أميركا.
ووفق ما أجمِع عليه خبراء مصرفي "يو بي أس" و"كريديه سويس"، يلتمس المستثمرون السويسريون الآن فرقًا شاسعًا بين عمالقة التكنولوجيا الأميركيين "بيغ تيك"، الذين تحولوا إلى خبراء مخضرمين في إدارة إدخال المال، وشركات إدارة الأموال الخاصة، فشركات التكنولوجيا الأميركية مثلاً تعير انتباهًا خاصاً إلى إدارة المخاطر التي تعتبر فجوة غير قابلة للردم لدى الكثير من شركات إدارة الثروات، وحتى صناديق التحوط التقليدية الأكثر شراسة وعدوانية في عالم المضاربات المالية، ونظراً لأن أغلب أثرياء العالم لم ينسوا "الصفعة المؤلمة" التي تلقوها من مصرف "ليمان براذرز"، التي خسروا من ورائها ملايين الدولارات، فإن العالم اليوم أمام موعد مستقبلي مهم مع تحركات عمالقة التكنولوجيا، في "كوبرتينو" و"بالو ألتو"، في كاليفورنيا، الذين أثبتوا بتفوق براعتهم في إدارة الأصول المالية بصورة إبداعية وعقلانية، في الوقت ذاته، وسيكون المستثمرون السويسريون أول المستفيدين عالميًا من تلك الخدمات المالية حال تقديمها، حيث قدرت خبراء المصارف السويسرية من خلال استفتاء واسع بين عملائهم، استعداد كثير من هؤلاء منذ اللحظة الحالية لإحالة مهام إدارة ثرواتهم، المقدرة بأكثر من 30 مليار فرنك سويسري (نحو 30.55 مليار دولار)، إلى تلك الشركات، وهي مبالغ تتخطى الناتج القومي للكثير من الدول الناشئة.