كردستان

مع الاقتراب من موعد استفتاء الاستقلال في كردستان، الذي حدد الإقليم يوم 25 سبتمبر/ايلول الحالي موعدا لإجرائه، تشهد الحركة الاقتصادية للإقليم انتعاشا ملحوظا في المجالات الاقتصادية كافة، بينما يعد خبراء ومختصون اقتصاديون أكراد أن دولة كردستان المقبلة ستحظى باقتصاد قوي يعتمد على مصادر دخل متعددة وإمكانات بشرية هائلة. ويشهد إقليم كردستان منذ 7 يونيو/حزيران الماضي نشاطا سياسيا واقتصاديا وشعبيا كبيرا، بعد أن حدد معظم الأطراف السياسية الكردية موعد إجراء استفتاء الاستقلال في الإقليم والمناطق الكردستانية الواقعة خارج إدارة حكومة الإقليم في المناطق المتنازع عليها بين الإقليم والحكومة العراقية.

وقال الخبير الاقتصادي الدكتور صلاح كاكو لـ"الشرق الأوسط": إن "كردستان بطبيعتها غنية بموارد طبيعية ومعدنية كثيرة، وبدأ الإقليم خلال الأعوام الماضية بحفر آبار النفط وتجهيزها وتصدير النفط فيما بعد، حيث يمثل النفط المورد الرئيسي لكردستان، وكذلك يمتلك الغاز الطبيعي... فضلا عن ذلك هناك معادن كثيرة أخرى يمكن استغلالها اقتصاديا واستثمارها لصالح تغطية جانب كبير من إيرادات كردستان".

ويلفت كاكو أيضا إلى أن كردستان تتميز بأنها منطقة زراعية، والفلاح الكردي يعد من المزارعين الماهرين الذين ينشغلون بزراعة منتجات توفر إنتاجية عالية إلى جانب الثروات الحيوانية. كما أوضح أن كردستان تتمتع بمورد اقتصادي دائم يمكن أن نطلق عليه اسم (النفط الدائم) وهو المتمثل بالسياحة. هناك إمكانات كثيرة ممكن أن تستغلها إدارة السياحة في الإقليم لتنشيط القطاع الخاص ودعم ميزانية الدولة الكردستانية، إضافة إلى الأيدي العاملة التي تمتاز بأنها شابة وإنتاجيتها مرتفعة، مبينا أن هذه الثروات كلها تساهم وتوفر القاعدة لتكون الدولة المقبلة مرتكزة على مقومات اقتصادية متينة.

ويحدد كاكو أهم المقومات الرئيسية لبناء اقتصاد قوي، ويشير إلى أن البنى الارتكازية المتمثلة بالطرق والمواصلات والجسور والمباني والاتصالات ومشاريع الماء والكهرباء والخدمات العامة المتمثلة بالتعليم والصحة ومراكز التأهيل، مهمة جدا لأنها توفر للمشاريع الإنتاجية خدمات غير مباشرة، وتعد أساسية كي تشتغل الماكينة الاقتصادية للإقليم وتوفر له موارد دائمة، مشددا بالقول: يجب أن يكون الاقتصاد متنوعا، وذا مصادر دخل متنوعة على الأمد البعيد.

وبحسب آراء الاقتصاديين والتجار ورجال الأعمال، فقد بدأ الاقليم يخرج من الأزمة الاقتصادية التي واجهها خلال السنوات الأخيرة بسبب المشكلات الاقتصادية مع بغداد منذ بداية عام 2014 وحتى الآن، وتبعات الحرب ضد مسلحي تنظيم "داعش"، واحتضان الإقليم لأكثر من مليوني نازح عراقي ولاجئ سوري، إضافة إلى انخفاض أسعار النفط في الأسواق العالمية، إلا أن قيادة الإقليم وحكومته تمكنت خلال العامين الماضيين عبر مجموعة من الخطوات والإصلاحات الاقتصادية التي أشرف عليها رئيس الإقليم مسعود بارزاني مباشرة، وكان لرئيس الحكومة نيجيرفان بارزاني دور رئيسي في تنفيذها، من تخفيف الأزمة الاقتصادية والخروج منها.

وأعلنت حكومة الإقليم في صيف عام 2015 عن استقلالها الاقتصادي وبيع النفط بشكل مستقل عن العراق، بعدما قالت إنها يئست من التزام بغداد بالاتفاقيات المبرمة بين الجانبين خلال السنوات التي أعقبت عام 2003. ويوضح المدير العام للتقييم والتسيير ومنح الرخص في الهيئة العامة للاستثمار في إقليم كردستان، كامران رقيب مفتي، لـ"الشرق الأوسط": لدى كردستان اليوم فرصة تاريخية لترتيب أوضاعه الاقتصادية وفق أسس ومبادئ مبتكرة تحقق توظيف موارده البشرية والمادية، استنادا إلى أسس اقتصادية سليمة ذات كفاءة تضمن كفاءة توزيع هذه الموارد بشكل عقلاني ورشيد من أجل تحقيق معدلات نمو متسارعة للدخل والناتج القومي بما يؤمن توظيف المتوفر منها في القطاعات الإنتاجية والخدمية المختلفة؛ كالصناعة والزراعة والسياحة والتعليم والصحة والبنوك والبنى التحتية وغيرها، مما يؤدي بالتالي إلى رفع مستوى الرفاهية ومعدلات الدخل الفردي للعائلة الكردستانية.

وأردف مفتي قائلا إن دولة كردستان المقبلة يمكن أن تقدم كثيرا من المنافع الاقتصادية لدول الجوار ومنطقة الشرق الأوسط، فهناك قانون الاستثمار رقم (4) لسنة 2006 الذي شرع لتنظيم النشاطات الاستثمارية في الإقليم وتأمين البيئة والمناخ الاستشاري الملائم وتوفير الفرص الاستثمارية ودعم القطاع الخاص بأنواعه؛ الوطني والأجنبي والمشترك، مشيرا إلى أن القانون في الإقليم لا يميز بين المستثمر الوطني والأجنبي، فلكليهما الحقوق والواجبات نفسها، مؤكدا: بشهادة المستثمرين العرب والأجانب، قانون الاستثمار في كردستان من القوانين الصديقة للمستثمرين.

وأضاف مفتي أن دولة كردستان تتمتع بموارد طبيعية كثيرة لم تستغل بعد، إضافة إلى الاحتياطي الهائل من البترول الذي سيوثر بشكل إيجابي على سوق النفط العالمية، ويُبين: تحتضن كردستان أراضي زراعية خصبة شاسعة، وأماكن سياحية وأثرية جميلة يمكن استخدامها على مدار السنة، وموارد بشرية متعلمة وذات كفاءة... هذه كلها تنتظر رؤوس الأموال والخبرات العربية والأجنبية لغرض استثمارها بالشكل الأمثل في دولة كردستان، بحيث تعود منافعها لشعب كردستان والمستثمرين ورجال الأعمال من دول الجوار والشرق الأوسط والعالم.

بدوره، يوضح صاحب شركة "هانزو" للتجارة العامة في كردستان، فلاح أنور، لـ"الشرق الأوسط" أن "الواقع الاقتصادي في كردستان يتوجه نحو الأفضل، لأن الموقع الجغرافي لكردستان عامل مساعد لنا لنعمل مع أكبر عدد من دول العالم ودول الجوار (تركيا وإيران وسورية والعراق)، هذه الدول في حاجة لنا؛ سواء من خلال تأسيسنا للمعامل والتعامل معها، أو من خلال التعامل التجاري معها، لذا دولة كردستان ستكون صاحبة اقتصاد قوي».
ويرى أنور أن اقتصاد كردستان حاليا يعد الأقوى من بين الدول المحيطة بالإقليم، بحسب مقاييس أعداد السكان والموارد التي يحتضنها الإقليم، مبينا: حاليا هناك مئات الآلاف من الأيدي العاملة الأجنبية التي تعمل في كردستان، وهذا دليل آخر على اقتصادنا القوي الذي هو عامل لجذب هذه الأيدي إلى هذه الأرض.

ويرتبط إقليم كردستان بعلاقات تجارية قوية مع معظم دول العالم، خصوصا مع دول الخليج العربي والعراق وتركيا، ودول المنطقة الأخرى، وفي الوقت ذاته يؤكد المسؤولون في الإقليم أن إيران وتركيا لن تقدما على غلق الحدود ومقاطعة الإقليم، لأنهما ترتبطان بعلاقات اقتصادية مع كردستان وتعمل أعداد كبيرة من شركات هاتين الدولتين في الإقليم منذ سنوات، لذا فإن المقاطعة من جانبهما للإقليم ستلحق أضرارا كبيرة باقتصاديهما.