نشطاء يمنيون يعلنون سر تأخر حصاد الثورة

صناعة الثورة تحتاج الى وقت وصبر حتى تتذوق حلاوتها،  بهذه العبارة يفسر مصطفى مكرد، 32 عامًاً تفاؤله بإمكان حصول تغيير ايجابي في بلاده، في وقت صار اليأس حالة عامة تعكس مدى إحباط اليمنيين نتيجة استمرار الحرب الأهلية.

وخلافًا لكثير من الشبان اليمنيين المجذوبين قتالًا ونقاشًا للحرب وشؤونها، يقضي خريج العلوم الإنسانية، مصطفى مكرد معظم وقت فراغه في قراءة الروايات الإلكترونية ومشاهدة الأفلام على الانترنت.

وقال مكرد إنه كان كالآخرين منغمسًا في مشهد التوتر والصخب وتبادل الاتهامات وبث الأحقاد، لكنني فجأة اكتشفت أن مواقفي وتصرفاتي انفعالية أكثر منها عقلانية، موضحًا أن الإحساس بالزمن يتعلق بطبيعة النظرة إلى الأشياء ودرجة الوعي.

وتسببت الحرب التي تشهدها البلاد في شل الحياة العامة. وباتت النجاة من القتل والحصول على الضروريات مثل الغذاء والماء والكهرباء مطلبًا ملحًا والهمّ الشاغل لغالبية اليمنيين.

وينظر إلى دورات العنف التي يشهدها اليمن بوصفها نتيجة لثقافة الفراغ المجتمعي حيث تشكل الأمية والبطالة وتخلف الاقتصاد سمة للبلد الأفقر والذي تنتشر فيه القبائل وحمل السلاح.

وحتى ما قبل الحرب ظل الترفيه والاستمتاع بأوقات الفراغ ثقافة غائبة عن اليمنيين بمن فيهم الأثرياء، وتقول الطالبة في جامعة صنعاء سوسن عبد الرشيد أن المجتمع غير المنتج لا وقت فراغ لديه أصلاً لأن جل وقته فراغ في فراغ.

ويشبه مكرد المجتمعات العربية بالبركة الراكدة التي تتحرك مياهها تبعًا للحجر الذي يرمى فيها، بينما المطلوب أن نكون مثل النهر المتدفق والمتجه صوب هدف، معتبرًا أن غياب ثقافة تقدير الزمن انعكاس لوضعية البلد الذي يراوح بين التقليد والحداثة

ويلقي ركود الزمن بظلاله على مسارات الحرب. فعلى رغم وضع الحكومة الشرعية وقيادة التحالف العربي الداعم لها، مواعيد زمنية لتنفيذ العمليات العسكرية الهادفة الى تحرير اليمن من سيطرة الحوثيين وصالح، بيد أن الخطط لم تنجز في وقتها المحدد وينطبق الأمر على المشاورات السياسية التي ترعاها الامم المتحدة.

ومع تعطل مجالات الترفيه المحدودة أصلًا، تبدو شبكات التواصل الاجتماعي فضاءًا موازيًا لمقيل القات أو "هي المقيل الافتراضي الوحيد الذي أبقاه لنا الحوثيون" على ما تقول سوسن ساخرة من الاجتثاث غير المسبوق لحرية التعبير والحجب بالجملة لمواقع الانترنت.

وخلافًا للأحلام الوردية التي راودت اليمنيين غداة قيام الوحدة والعمل بالنظام الديمقراطي في 1990 تشهد البلاد حالًا من العنف والتشظي تعززت مع استعانة الرئيس المخلوع علي عبدالله بجماعة الحوثيين للقيام بثورة مضادة.

ولئن أدى انقلاب 21 ايلول "سبتمبر" 2014 الى انقسام المجتمع ما بين مؤيد ومعارض، بيد أن التشظي يمد جذوره الى داخل معسكري المؤيدين والمعارضين على السواء في وقت بات الحنين الى أزمنة السلطنات والمشيخات والخلافة الاسلامية خطابًا جاذبًا لكثير من الشباب.

ويرى مكرد في انبعاثات الماضي ومنها صعود الحوثيين في الشمال وانتشار التدين والتعصب المناطقي في الجنوب نتيجة انزياح سلبي في الزمن وعلامة استيقاظ من سبات الايديولوجيا، قائلًا  "الانفتاح على العالم الذي وفرته العولمة وثورة الاتصالات، أصاب المجتمعات الأبوية والرخوة بصدمة جعلتها تلوذ برحم الأم أي الهويات الصغيرة من مناطقية ومذهبية".

وعلى رغم قتامة المشهد ودمويته، مكرد وسوسن متفائلان بإمكان حدوث تغيير في بلدهما "لكن الأمر يحتاج الى صبر وتضحية" على ما يقولان، معتبرين جيل الربيع العربي "مجرد سماد في تربة التاريخ"، وفق تعبير المفكر الايطالي الراحل انطونيو غرامشي.