أحد البنوك القطرية

يرجّح خبراء اقتصاديون، أنّ تدخل البنوك القطرية في الأيام المقبلة، أصعب حقبة تشهدها تعاملاتها المالية، ودخولها مرحلة تجفيف الودائع قصيرة الأجل للمؤسسات الدولية، في ظل ارتفاع مؤشر قطر لأسعار فائدة الإقراض بين البنوك 35 نقطة أساس في الأيام القليلة الماضية، في حين تعدّ نسبة تكلفة الاقتراض الأعلى منذ أكثر من 77 أعوام.

وقال محمد الخنيفر الخبير في أسواق الدين الإسلامية: "من المتوقع أن البنوك القطرية قد تعاني من ناحية تمديد أجل الودائع قصيرة الأجل الخاصة بالمؤسسات الدولية، وذلك في حالة قيام وكالات التصنيف الائتماني بتخفيض تصنيف البنوك القطرية، التي تم وضعها تحت المراجعة”.

وعن تأثيرات سحب الودائع من قبل بعض البنوك الخليجية على القطاع المصرفي القطري، والتي تشكل 8 في المائة، من إجمالي المطلوبات أي 20 مليار دولار، وفق “ستاندردز آند بورز”، قال الخنيفر: “حتى الآن لم تصدر توجيهات رسمية من البنوك المركزية الخليجية، بسحب المصارف المحلية الودائع من قطر، وما حصل في الفترة القليلة الماضية، عبارة عن إجراءات احترازية تجاه الودائع القصيرة الأجل”.

وأضاف الخنيفر الذي يعمل لصالح مؤسسة دولية متعددة الأطراف: “مع هذا، فالأرقام التي نشاهدها في سوق النقد القطرية تفيد بأن البنوك القطرية بدأت بتسعير “نقص السيولة بالسوق البينية للمصارف (Interbank Lending Market) ونلاحظ ذلك جليا بحركة مؤشر قطر لأسعار فائدة الإقراض بين البنوك المعروف اختصارا بـ(QIBOR)”.وتابع: “عندما نستشهد بالأرقام الرسمية الموجودة بموقع البنك المركزي القطري، نجد أن نسبة سعر الفائدة (الخاصة بثلاث أشهر) قد وصلت إلى 2.21  الاثنين، مقارنة مع 1.86 في المائة، قبل 7 أيام. هذا يعني أن الـ(QIBOR) ارتفع بـ35 نقطة أساس في الأيام القليلة الماضية. مع العلم أن نسبة تكلفة الاقتراض الذي ذكرناها تعد الأعلى منذ أكثر من 7 سنوات”.

وزاد: “تلك الأرقام تعني أن القطاع المصرفي القطري بدأ يعاني من ارتفاع تكلفة التمويل بأسواق النقد المحلية. وهذا من شأنه أن يضغط على هوامش الأرباح لتلك المصارف ويؤثر كذلك على الشركات التي اقترضت بفائدة متغيرة (floating rate) مربوطة ب حركة الـ(QIBOR)”.وفيما يتعلق بالارتفاع في تكلفة التأمين ضد تعثر الديون السيادية (CDS) القطرية، ومساهمته برفع التكاليف على منطقة الخليج بأسرها، قال الخنيفر: “حتى الآن لم يؤثر ارتفاع تكلفة التأمين ضد تعثر الديون السيادية القطرية على منطقة الخليج بأسرها”.

وزاد أن “كل ما لاحظناه هو ارتفاع مقبول ضمن النطاق الطبيعي لحركة عقود التأمين ضد التعثر. وجاءت تلك الحركة بسبب كسر أسعار النفط للحاجز النفسي (وهو 50 دولاراً للبرميل). وهذا الحدث أعتبره مؤقتاً ريثما تعود أسعار النفط لمستوياتها السابقة”.وأضاف: “باستثناء الديون القطرية، فإن المتعاملين بأسواق الدين لم يلاحظوا أي تحركات تذكر فيما يتعلق بهوامش الائتمان (spreads) الخاصة بديون دول الخليج. عندما نعاين تكلفة التأمين الخاصة بقطر نلاحظ أنها تسجل ارتفاعات استثنائية. فخلال الثمانية أيام الماضية، زادت العقود القطرية ضد مخاطر التعثر ب 44 نقطة أساس”.وعن سيطرة الديون القطرية على المشهد العام لأسواق الدين في الأسواق الناشئة، وذلك بسبب عمليات البيع اللافتة والاحترازية التي شهدتها بعض الشركات القطرية، يعتقد الخنيفر أن ذلك يعود إلى تخفيض التصنيف الائتماني لقطر من قبل وكالتي التصنيف “ستاندرد آند بورز” و”موديز”، وكذلك النظرة السلبية التي رافقت عملية خفض التصنيف، مما يعطي إيحاء أن الوكالات تنوي القيام بتخفيض آخر للتصنيف في حال “تعطلت التجارة وتدفقات رؤوس الأموال إلى قطر”.وقال: “لو نشاهد حركة سندات العشر سنوات لقطر (2026)، نجد أن المستثمرين لا يزالون في طور إعادة تسعير منحنى العائد لقطر. فعوائد تلك السندات تعدت الـ40 نقطة أساس في ظرف 5 أيام فقط. وهذا أعلى عائد تسجله منذ إصدار تلك السندات السنة الماضية”.

وتابع: “التسعير الحالي للسندات يُنبئ، بحسب المستثمرين، بأن هناك تخفيضاً قادماً للتصنيف الائتماني يتراوح ما بين درجة إلى درجتين، وذلك في حالة طال أمد القطيعة الدبلوماسية لقطر، ويعني ذلك أن الديون القطرية قد دخلت حقبة ارتفاع تكلفة الاقتراض وكذلك دخلت مرحلة اجتذاب العلاوة السعرية الخاصة بالمخاطر السياسية”.وبالنسبة للشركات القطرية التي نجد أن ديونها المدرجة بالبورصات العالمية التي يتم تداول معظمها بخصم لتكون بذلك أدنى من القيمة الإسمية، قال الخنيفر: “نجد أن نطاق هوامش العوائد الخاصة بديون البنوك القطرية كان يتداول ما بين 40 إلى 50 نقطة أساس، لذلك فإن المتغيرات في هوامش الائتمان الخاصة بالسندات، لا تتوقف على الأرقام فقط، بل هي بمثابة المرآة العاكسة للمخاطر السياسية والاقتصادية التي يراها المستثمرون”.

وذكر الباحث الاقتصادي النعيم سعيد لـ”الشرق الأوسط”: “هناك توجس من قبل المؤسسات الدولية التي تعمل خارج قطر في بقية أنحاء العالم المختلفة، بأن تتوسع دائرة المقاطعة وآثارها الاقتصادية على الدوحة، وإحداث فجوة كبيرة في التعاملات المالية والمصرفية، قد يولد لديها الرغبة في عدم التمادي في تعاملاتها مع البنوك القطرية، خوفا من فشل برامجها التي تنشدها”.وأضاف السعيد: “هناك بعض المؤسسات الأوروبية والآسيوية وغيرها من بلاد العالم المختلفة، لديها ودائع مالية في البنوك القطرية، بجانب عدد كبير من الأفراد ورجال الأعمال العالميين، قد يضطروا لسحب ودائعهم خشية تجميدها أو خسارتها، ولذلك أتوقع أن تطالب بعض تلك المؤسسات بعدم تمديد ودائعها التي قد لا تنتظر مدد أجلها القصير خلال 6 أشهر”.من جهته، أكد الباحث الاقتصادي صلاح نجم الدين لـ”الشرق الأوسط”، أن واقع الحال يشير إلى توقعات بتنامي الأثر الاقتصادي على قطر، ومقاطعتها من دول أخرى، مما ينذر بقطع تعاملات مالية كبيرة مع البنوك القطرية، في ظل عدد كبير من المؤسسات الدولية التي لديها ودائع قصيرة الأجل، قد تعمل على سحبها قبل الأوان.ويتوقع نجم الدين، أن تحاول المؤسسات التي لها ودائع قصيرة الأجل في البنوك القطرية، أن تستبق حدوث المزيد من الإجراءات الخانقة للتعاملات المالية والمصرفية القطرية، مما يترتب عليه تسريع خطوات تجفيف ودائعها في قطر، مشيراً إلى أن التوقعات تشير بأن البنوك القطرية ستصطدم بعدم تمديد الودائع قصيرة الأجل لأقل من سنة