الاتحاد الأوروبي

دخل الاتحاد الأوروبي وبريطانيا أمس الاثنين في صلب مفاوضات الانفصال "بريكست"، لتحديد شروط الطلاق بين الطرفين بعد زواج مضطرب دام نحو 40 عاماً. وهذه هي الجولة الثانية من المفاوضات، بعد مرحلة أولى كانت تمهيدية، وضع فيها الطرفان أجندة زمنية للقاءات وطرح موضوعات وتحديد أولويات يفترض البدء بها وإنجازها تباعاً. وتضمنت جولة الأمس جلسات بين عدة فرق عمل، وتستمر حتى الخميس المقبل، وهو موعد جلسة عامة موسعة يعقبها مؤتمر صحافي. واعتبارا من أمس، سيستطيع الطرفان بدء مقاربة ومقارنة مواقفهما التفاوضية بشأن الملفات الشائكة، خصوصاً وضع المواطنين الأوروبيين المقيمين في بريطانيا ومسألة الالتزامات المالية التي على الجانب البريطاني الاعتراف بها ثم دفعها، فضلاً عن مسألة الحدود في الجزء الآيرلندي.

ويقول رئيس المفاوضين من الجانب الأوروبي ميشال بارنييه إنه يتمنى استطاعة تأمين أرضية تقوم على أسس مشتركة، تؤدي في نهاية المطاف إلى تحقيق الأهداف المرجوة من الجانبين. أما رئيس المفاوضين البريطانيين ديفيد ديفيس، فيشير إلى أن تحديد حقوق المواطنين أولوية... وهذا ما يجب التقدم سريعاً بشأنه. وكان الضغط بدا ملحوظاً منذ الأسبوع الماضي مع اقتراب جولة المفاوضات التي انطلقت أمس، وهي العملية المبرمجة بشكل شهري حتى خريف 2018.

فالمسألة المالية تبدو ضاغطة بالدرجة الأولى بعدما أعلن وزير الخارجية البريطاني بوريس جونسون أن على الأوروبيين عدم التعويل كثيراً على تحميل البريطانيين فاتورة الخروج، وحكم وزير المالية فيليب هاموند على رقم الفاتورة المتداول بأنه مضحك، لكنه قال أيضاً: نحن بلد يلتزم بتعهداته، وإذا وصلنا إلى رقم صحيح مدقق فسندفعه، لأن بريطانيا لا تتهرب أبداً من ديونها.

وكان المفاوض الأوروبي أكد في 12 يوليو/تموز الحالي أن على المملكة المتحدة سداد فواتيرها غير المدفوعة قبل أن تطلب بدء أي نقاش حول العلاقة المستقبلية مع الاتحاد الأوروبي. ويذكر أن الرقم المتداول - وعلى بريطانيا دفعه - هو 60 مليار يورو كما ذكرت صحيفة "الفايننشيال تايمز" في مايو/أيار الماضي.

ويحذر المفاوض الأوروبي ميشال بارنييه من أن الوقت يمر، وعلى بروكسل ولندن الإسراع في الوصول إلى اتفاق على بريكست، المتوقع إنجازه في مارس/آذار 2019... لكن المفاوضات تنتهي في أكتوبر/تشرين الأول 2018 حتى يتسنى بعد هذا التاريخ المصادقة على الاتفاق النهائي من كل الأطراف قبل ربيع 2019.

وصدر بيان بريطاني الأسبوع الماضي يعترف بالحاجة إلى نقاش حول كيفية تحديد قاعدة منصفة للحقوق والواجبات البريطانية... أما الأوروبيون، فيؤكدون أنهم أنهوا تحضيراتهم الأولية منذ مايو الماضي، ويبدون مستعجلين لمعرفة خريطة الطريق البريطانية التي تغيرت بعض معالمها بعدما عجز المحافظون ورئيسة الحكومة تيريزا ماي عن الحصول على الأغلبية البرلمانية المطلقة في الانتخابات التشريعية التي جرت في 8 يونيو/حزيران الماضي. وبدت الحكومة ضعيفة إثر ذلك، ما دفع رئيس المفاوضين الأوروبيين إلى لقاء رئيس المعارضة العمالية في بريطانيا جيريمي كوربين في 13 يوليو في بروكسل للوقوف على موقف حزبه من مجمل عملية "بريكست".

وأعلنت لندن الأسبوع الماضي وثائق ونصوصا تحدد فيها رأيها أو موقفها في موضوعات أساسية، لكنها لم تقطع الشك باليقين بشأن الشق المالي. وركزت تلك النصوص على ضرورة التفاهم حول المرحلة الانتقالية، والبدء سريعاً في مناقشة وضع تصورات للعلاقة المستقبلية بين الطرفين. لكن الاتحاد الأوروبي يشترط قبل ذلك التقدم أولاً –وسريعاً - في حسم مسألة مصير الأوروبيين المقيمين في بريطانيا، والبالغ عددهم نحو 3.5 مليون شخص. فرد البريطانيون بأن كل أوروبي مقيم منذ 5 سنوات سيستطيع الحصول على إقامة دائمة والحفاظ على الحقوق الحالية، ما عدا حق التصويت في الانتخابات المحلية، كما عليه إثبات مستوى دخل معين ليستطيع استقدام أحد أفراد عائلته.

لكن بعض الأوروبيين غير موافقين على ذلك، ويهددون بوضع "فيتو اعتراض" على الاتفاق النهائي إذا لم يحسن البريطانيون العرض الخاص بوضع الأوروبيين المقيمين في المملكة المتحدة. وذكرت صحيفة "الغارديان" أن حكومة تيريزا ماي متهمة من بعض المفوضين في بروكسل بأنها ترمي إلى إعطاء الأوروبيين حقوق درجة ثانية، خصوصاً في مجالات العمل والضمان الاجتماعي.

إلى ذلك، يشدد الجانب الأوروبي على مسألة ترسيم الحدود بين جمهورية آيرلندا والمقاطعة البريطانية في آيرلندا الشمالية، علماً بأن تلك المقاطعة صوتت بنسبة 55.8 في المائة ضد "بريكست".

وبالعودة إلى الشق المالي، يشدد ميشال بارنييه على ضرورة قطع حساب واضح، لكنه يعترف بأن الأمر ليس سهلاً، وقد يكون مكلفاً للطرفين، ويضيف: لا نطلب منهم أي يورو أو جنيه أكثر من الالتزامات التي قطعوها على أنفسهم عند انضمامهم إلى السوق المشتركة في 1972. وفي لندن تقلل دوائر الخزانة من أثر تلك الكلفة على المالية العامة لأنها إذا دفعت فستكون لمرة واحدة، أي أنها استثنائية غير مكررة.

من جهة أخرى، يفترض بالطرفين بدء نقاش حول مسائل مختلفة، مثل الانتماء إلى المنظمة الأوروبية للطاقة الذرية (يوراتوم) وهيئة العدل الأوروبية. وبشأن النقطة الأخيرة، أعلنت لندن في 13 يوليو الجاري أنها ستنهي تقدم وعلو النص القانوني الأوروبي على البريطاني في تصويت حدد له تاريخ 28 مارس 2019. وهناك أيضاً تفاوض مرتقب بشأن السلع الموضوعة في السوق المشتركة بعد تاريخ "بريكست"، مثل السيارات المصنعة والمسوقة قبل "بريكست"، والمبيعة بعده.