وزير المال والتخطيط الاقتصادي، محمد صالح الركابي

على الرغم من الاستياء الذي أصاب قطاعات اقتصادية سودانية، جراء تمديد مهلة الرفع الكلي للعقوبات الأميركية، الخميس الماضي، لثلاثة أشهر، أعلن وزير المال، السبت، عن حصول السودان على خطابات وتأكيدات من المؤسسات الأميركية "على الفك الكامل للتحويلات المالية من وإلى السودان من جميع أنحاء العالم اعتبارًا من الخميس الماضي".

واعتبر وزير المال والتخطيط الاقتصادي، محمد صالح الركابي، أن حصولهم، ولأول مرة منذ الرفع الجزئي للعقوبات الاقتصادية في يناير/كانون الثاني من العام الماضي، على خطابات مكتوبة وممهورة من المؤسسات المالية الأميركية بشأن التحويلات المصرفية، يعتبر انفراجة كبيرة في علاقات السودان مع القطاع المالي العالمي والمؤسسات الدولية والبنك وصندوق النقد الدوليين والمستثمرين والمصارف والبنوك، إضافة إلى عموم المغتربين السودانيين، المقدر عددهم بنحو 5 ملايين يحولون في العام خارج المصارف، نحو 6 مليارات دولار.

وتنتظر مئات المصارف العالمية والمؤسسات، منذ يناير الماضي، القرار الأميركي بالرفع الكلي للتحويلات المالية من وإلى السودان، وتردد عدد منها في الدخول في عمليات مصرفية خلال الستة أشهر الماضية، وأبدت بعض التحفظات على الرغم من تطمينات البنك المركزي السوداني لها، بأن التحويلات المالية لا غبار عليها أثناء فترة الرفع الجزئي.

وواجهت البنوك السودانية نفسها تعقيدات التطبيق الفعلي لرفع الحظر ومهلة الستة أشهر وفك التحويلات المالية، حيث لم تتلقَ بنوك كبرى في الخرطوم إشعار يفيد بالسماح بانسياب التحويلات من وإلى السودان بالعملة الأميركية، من البنك المركزي، لكن عددًا من البنوك السودانية أبدى الاستعداد للتحويلات المالية الدولية، ونشطّت علاقاتها من الوسطاء والمراسلين في معظم بنوك العالم.

يضاف لذلك، فإن طارق فهمي كبير المسؤولين في الخزانة الأميركية في وزارة المال ومسؤول ملف العقوبات السودانية، تحدث مع المسؤولين في بنك السودان المركزي واتحاد أصحاب العمل في الخرطوم أول العام الجاري، وأكد لهما أن سريان رفع الحظر على التحويلات البنكية والمصرفية، أصبح نافذًا منذ الثاني عشر من يناير الماضي، إذ إن التاريخ المحدد في الثاني عشر من يوليو /تموز الماضي، لا يتضمن التحويلات المصرفية وتدفقها للسودان.

وأكد وزير المال في تصريح لـ"الشرق الأوسط"، أنه "رغم الاستياء من القرار، فإنه حقق مكاسب كبيرة لمسألة التحويلات المالية والمصرفية العالمية من وإلى السودان، حيث تلقى السودان خطابًا مكتوبًا بتوقيع الخزانة الأميركية يفيد بالفك الكلي للتحويلات، وانسياب التحويلات المالية".

وأضاف الركابي أن القرار الجديد لم يضف قيودًا على الوضع القائم، حيث تضمن الفقرات التي أكدت استمرار قرار يناير الماضي بالرفع الجزئي، والذي وجه السلطات والأفراد والمؤسسات الأميركية بالتعامل المباشر مع حكومة السودان، لا سيما بشأن التجارة، فيما يختص بالصادرات والواردات والتحويلات وجميع المعاملات المالية الأخرى.

وأوضح وزير المال السوداني استمرار وزارته في تعاملها مع مؤسسات التمويل الإقليمية والدولية كالبنك وصندوق النقد الدوليين وبنك التنمية الأفريقي والصناديق العربية والدول الصديقة بشأن تحقيق الاستقرار الاقتصادي وجذب الاستثمارات الخارجية للقطاعات الإنتاجية، بجانب العمل على إكمال إجراءات إعفاء الديون.

من جهته، قال محافظ بنك السودان المركزي حازم عبدالقادر، إنه على الرغم من الآمال برفع الحظر الأميركي الاقتصادي كليًا في موعده، فإن التمديد لا يشكل أي تغيير يذكر في السياسات والأوضاع بالجهاز المصرفي، وذلك لأن السياسات السارية الآن أصلًا تم وضعها في ظل الحظر، وعليه سيستمر "المركزي السوداني" في تطبيق سياساته النقدية والمصرفية وسياسات سعر الصرف الحالية.

وتابع المحافظ في تصريحات صحافية: "إننا سنستمر في توفير النقد الأجنبي لتغطية الالتزامات المتعلقة باستيراد السلع الإستراتيجية، المنتجات البترولية، القمح والدقيق" وغيرها من السلع وسداد الالتزامات للجهات الخارجية، بالإضافة إلى الاستمرار في توفير النقد الأجنبي للمصارف والبنوك لتغطية احتياجات السفر للسياحة والعلاج"، مشيرًا إلى أن البنك المركزي قام بترتيب وتوفير احتياجات الحجاج من النقد الأجنبي، مبينًا أن المركزي سيعطي مرونة وحرية أكبر للقطاع الخاص فيما يتعلق بشراء وتصدير الذهب، بعد أن أثبتت السياسة جدواها خلال الستة أشهر الماضية.

فيما أعرب خبراء اقتصاديون تحدثوا لـ"الشرق الأوسط"، عن أملهم في أن تحقق الخطوة الأميركية بتأكيدها على الفك الكلي للتحويلات المصرفية، انسيابًا في التحويلات المالية من وإلى السودان، وأن تفتح الباب واسعًا أمام المستثمرين والمتعاملين عبر الجهاز المصرفي والقنوات الرسمية لتنفيذ تحويلات مضمونة بعمولات أقل، باعتبار أن هذه التحويلات خالية من المخاطر التي كانت في السابق سببًا في توجس المتعاملين في القطاعات المصرفية والتجارية مع السودان.

وكشف الخبير والمحلل الاقتصادي والمستشار في مجلس الوزراء السوداني، الدكتور هيثم فتحي، أن السودان كان يعتمد في التحويلات على بنوك وسيطة، لكن التحويلات المباشرة المرتقبة ستعمل على تسهيل العمليات المصرفية، وتساعد في هبوط أسعار النقد الأجنبي، متوقعًا اعتماد البنك المركزي ووزارة المال لسياسات جديدة تضمن تسهيل تدفقات النقد الأجنبي من وإلى السودان عبر الجهاز المصرفي بضمان جهات عالمية.

ونوه فتحي إلى أن هذا الأمر يساعد في فك الأزمة الخاصة بالتحويلات الخارجية مع دول العالم، وسيفتح الباب لمزيد من التدفقات النقدية الخارجية، وينعكس إيجابًا على سعر صرف العملات الأجنبية، لافتًا إلى أن انخفاض سعر الدولار في السوق الموازية بسبب التحسن الذي طرأ على العلاقات الأميركية - السودانية بعد رفع الحظر الاقتصادي.

وأضاف فتحي أن عودة التعاملات المالية بالدولار ستعمل بصورة مباشرة على فك جمود التحويلات المصرفية وتزيد من حصيلة الصادرات، وفي الوقت ذاته توفر موارد للاستيراد، الأمر الذي يضمن استقرار سعر الصرف، ويرفع من قيمة العملة السودانية بصورة مباشرة.