القاهرة - العرب اليوم
أظهرت بيانات البنك المركزي المصري أن سياساته المحفزة على التوسع في إقراض العملاء الصغار ساعدت على نمو حصة المشاريع الصغيرة والمتوسطة، من إجمالي القروض، وذلك في الوقت الذي تراجَع فيه نصيب القروض الموجهة إلى القطاع الاستهلاكي. وقال البنك، في تقرير "الاستقرار المالي لعام 2016"، إن نصيب القروض الاستهلاكية تراجع خلال العام الماضي بنسبة 5%، لصالح تمويل المشاريع الصغيرة والمتوسطة، تماشيًا مع توجهات الحكومة ومبادرة البنك المركزي. وأطلق الرئيس عبد الفتاح السيسي مبادرة، في يناير / كانون الثاني 2016، لتحفيز البنوك على ضخ 200 مليار جنيه لدعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة، خلال أربع سنوات، بفائدة متناقصة لا تتجاوز 5%، لكن النتائج التي تحققت حتى نهاية 2016 لا تزال بعيدة عن أهداف المبادرة، حيث أظهرت بيانات البنك المركزي أن نصيب المشاريع الصغيرة والمتوسطة من إجمالي القروض بلغ، حتى نهاية العام الماضي، نحو 8 %، وهو معدل مرتفع عن السنوات الماضية، لكن المبادرة تستهدف الوصول بتلك النسبة إلى 20 % مع نهاية 2019.
وبلغت قيمة القروض الممنوحة للعملاء الصغار، خلال 2016، نحو 27 مليار جنيه، وتم منح 22 مليار أخرى خلال النصف الأول من 2017. وتواجه المشاريع الصغيرة في مصر تحديات للوصول للقروض المصرفية، في ظل عدم قدرة نسبة كبيرة من هذا القطاع على تسجيل أصوله والعمل بشكل رسمي، لكنه يمثل أهمية استراتيجية للبلاد، نظرًا لدوره المهم في توفير فرص العمل. وساعدت مبادرة تمويل المشاريع الصغيرة على تنامي قاعدة العملاء الصغار للمصارف، خلال الفترة الأخيرة، حيث قال البنك المركزي إن عدد عملاء البنوك من المشاريع الصغيرة والمتوسطة بلغ نحو 37 ألف عميل، في 2016، وارتفع إلى 41 ألف عميل، في 2017. وجاء توجه مصر نحو التوسع في إقراض المشاريع الصغيرة متزامنًا مع تراجع قطاع الإقراض الاستهلاكي، بانخفاض مبيعات السيارات في السوق المحلية، وذلك بعد الارتفاع الحاد في أسعار المركبات المستوردة في ظل ارتفاع قيمة الدولار مقابل الجنيه، حيث قرر البنك المركزي، في نوفمبر / تشرين الثاني 2016، تحرير سعر الصرف، مما تسبب في فقدان العملة المحلية أكثر من نصف قيمتها أمام الدولار وارتفاع معدلات التضخم بشكل حاد.
وتُظهر بيانات مجلس معلومات السيارات "أميك" أن مبيعات هذا القطاع انخفضت في الفترة بين يناير / كانون الثاني، إلى يوليو / تموز الماضيين، بنحو 41 %، مقابل الفترة ذاتها من العام الماضي. كما قللت سياسات البنك المركزي من التوسع في الإقراض الاستهلاكي، بعد أن اشترطت أن لا يصل إجمالي أقساط تلك القروض للفرد الواحد إلى ما يعادل 35 % من مجمل دخله، لكن البنك يبدو أكثر حماسة لتنشيط أحد أفرع القروض الاستهلاكية، وهو الإقراض العقاري، حيث سمح بأن تزيد نسبة الأقساط إلى 40 % من مجمل الدخل في حالة الاستفادة من قرض عقاري للإسكان الشخصي. كما طرح مبادرة مع صندوق التمويل العقاري لتخصيص 20 مليار جنيه للبنوك لقروض الإسكان. وقال، في تقرير الاستقرار المالي، إن القروض الممنوحة في إطار تلك المبادرة بلغت، خلال 2016، نحو خمسة مليارات جنيه لـ61 ألف عميل، بزيادة قدرها 3.7 مليار جنيه، وبمعدل نمو 268 % عن العام الماضي. وأشار إلى أن القروض الممنوحة ضمن هذه المبادرة ارتفعت إلى 7.2 مليار جنيه، لـ82 ألف عميل في نهاية يونيو / حزيران 2017.
وبالنظر إلى توزيع محفظة القروض المصرية، كما عرضه البنك المركزي في تقريره، يظهر أن المؤسسات الكبرى لا تزال محافظة على نصيب الأسد المعتاد في تلك المحفظة خلال 2016، عند نحو 80 % من إجمالي القروض، وتذهب أكبر نسبة في قروض المؤسسات إلى قطاع البترول، ثم التشييد، ثم الوساطة المالية والأغذية والكهرباء. وتشهد القروض وأرصدة العملاء في مجملها معدلات نمو قوية منذ العام المالي 2014، الذي تضاعف فيه النمو مقارنةً بالعام السابق، ليصل إلى 14 %. ووفق بيانات البنك المركزي، فإن معدلات نمو القروض وأرصدة العملاء بلغت 32 % خلال العام المالي 2016، بعد تحييد أثر سعر الصرف، مقابل 21 % خلال 2015. ووصلت نسبة القروض للناتج الإجمالي في العام المالي 2016، بعد تحييد أثر سعر الصرف، إلى 37 % مقابل 31 % خلال 2015، لكن محفظة القروض وأرصدة العملاء في مجملها لا تمثل أكثر من 35 % من أصول القطاع المصرفي، وفقًا لبيانات البنك المركز» عن العام المالي 2016، بينما تستحوذ الاستثمارات في الديون الحكومية (أذون الخزانة) على النسبة الكبرى من تلك الأصول، بـ41 %.
وتزداد شهية البنوك لإقراض الحكومة عبر الأذون، في ظل العوائد المرتفعة وضمان الدولة سداد تلك الأموال، لكن تقرير البنك المركزي يُظهر أن مساهمة القطاع المصرفي في تمويل أذون الخزانة تتراجع خلال الفترة الأخيرة من 77 % خلال يونيو / حزيران 2016، إلى 68.7 % في مارس / آذار 2017، ثم 61.7 % في حزيران 2017. وأرجع "المركزي" هذا التراجع إلى سياسات ضبط عجز الموازنة، لكن هناك عاملاً آخر وهو عودة الأجانب بقوة إلى سوق الأذون، منذ تشرين الثاني الماضي، مع تعويم العملة، وذلك مع انجذاب السوق الخارجية إلى الاستثمار في العوائد المرتفعة لتلك الأذون، في ظل اتجاه البنمك المركزي لرفع أسعار الفائدة بواقع 700 نقطة أساس. وقدَّر نائب وزير المال المصري للسياسات المالية، أحمد كوجك، في تصريحات صحافية، أخيرًا، استثمارات الأجانب في أدوات الدين الحكومية بنحو 17.6 مليار دولار، منذ تحرير سعر الصرف في تشرين الثاني الماضي، حتى منتصف سبتمبر / أيلول.
وتضرر المواطنون المصريون من تراجع الإقراض الاستهلاكي خلال الفترة الأخيرة، إلا أن بعضهم استفاد من السياسات النقدية عن طريق الادخار، حيث قال البنك المركزي في تقريره إنه بالتزامن مع سياسة تحرير سعر الصرف، وارتفاع سعر الفائدة بمقدار 700 نقطة أساس حتى حزيران 2017، طرحت البنوك شهادات ادخار جديدة بالجنيه المصري بعائد 20 % و16 %، ساهمت بنسبة 36 % من الزيادة في الودائع بالعملة المحلية. ويشكل القطاع العائلي الحصة الكبرى من حجم الودائع لدى البنوك، بنسبة 61 % في 2016، وهو ما يعده البنك المركزي مؤشرًا إيجابيًا على استقرار القاعدة التمويلية.