المستثمرون السويسريون

 تحتاج موجة التسلح التقليدي والنووي، التي تجتاح كوريا الشمالية إلى تدخل دولي سريع لتهدئتها، ولكن الوجه الآخر لكوريا الشمالية، الذي سينجح حتماً في استقطاب المستثمرين السويسريين، هو مالي اقتصادي بحت. فالدولة غنية، وكأن حكومتها كيان مستقل عن أحوال شعبها المالية الرديئة، فكل منهما في حال سبيله وقدره.

ولطالما نظر المستثمرون السويسريون باهتمام إلى كوريا الشمالية التي تعتبر، وفق حساباتهم الآلية، بين المناطق الأكثر ثراء بالمعادن. وبين جبال كوريا الشمالية وفي أعماقها، توجد أطنان من الذهب والفضة والزنك والتنغستن والفاناديوم والتيتانيوم، وحتى الآن لم يضع أحد يده على كيلوغرام واحد من هذه المعادن.

ويستغرب مستثمرون سويسريون كيف أن كوريا الشمالية دولة فقيرة جداً وغنية جداً في الوقت ذاته. فثروات هذه الدولة المعدنية لم تُستغل أبداً من قبل، وهذا بالفعل ما يثير حماستهم وشهيتهم التجارية، علماً أن سويسرا تحتضن سفارة كوريا الشمالية على أراضيها. ويعني ذلك أن التمثيل الديبلوماسي سيكون قاعدة جوهرية لانطلاقة مستثمري سويسرا إلى أسواق الدولة الآسيوية المليئة بالفرص والمفاجآت، في أقرب وقت ممكن، بعيداً من أسواق القارة العجوز المشبعة. وفي الحالات المثالية، ستفوق أموال المستثمرين السويسريين التي ستضخ مرحلياً في كوريا الشمالية 20 بليون فرنك سويسري (20.8 بليون دولار) دفعة واحدة.

ومن الصعب تقويم قيمة الثروة المعدنية الكورية الشمالية، إذ إن المستثمرين السويسريين، الأكثر حذراً، يؤمنون بأنها ترسو على 6 تريليونات دولار، أما أولئك الأكثر تفاؤلاً، فتبلغ تقديراتهم نحو 10 تريليونات دولار. وسيستفيد المستثمرون السويسريون من هذه الثروة أكثر في حال توحيد الكوريتين الشمالية والجنوبية، وفقاً لظروف استثنائية. وبذلك، تتحول كوريا الشمالية إلى دولة تجارية جبارة، مليئة بالثروات المعدنية والتكنولوجيا المتطورة المتأتية من كوريا الجنوبية. ولا شك في أن السويسريين سيكونون مثابة قبطان تجاري لكوريا الشمالية التي لا تمتلك بعد القدرة والوسائل والخبرة والتكنولوجيا المؤاتية لاستخراج معادنها النفيسة من باطن الأرض.

وتعتبر الصين الشريك التجاري الوحيد لكوريا الشمالية بما أن 90 في المئة من صادرات الأخيرة تتدفق إلى الصين. أما بعض الدول الأخرى، مثل كندا وروسيا ومصر، فتلعب دوراً هامشياً في التعاون التجاري معها. ومن أبرز الاتفاقات التجارية المبرمة بين كوريا الشمالية والخارج، إنشاء سكة حديد على حدودها مع الصين بكلفة 10 بلايين دولار، ولكن لم تستخدم بعد. ولذلك سيستغل المستثمرون السويسريون، في أقرب فرصة ممكنة، شجاعتهم للدخول إلى قطاع البنية التحتية لكوريا الشمالية، بموافقة حكومة بيونغ يانغ، لقلبها إيجاباً رأساً على عقب، غير آبهين بالعقوبات الأميركية المحتملة عليهم. فالجميع يعلم أن عائدات السويسريين من أي آلية استثمارية في الولايات المتحدة، صناعياً أم مالياً أم مصرفياً أو غير ذلك، لم تعد قوية كما في السابق. وبما أنهم يبحثون عن بدائل تجارية مناسبة لهم، يؤمن عدد كبير من المستثمرين السويسريين بأن الوقت مناسب لتغيير السلوكيات التجارية حتى مع دولة في وضع كوريا الشمالية.