الاتحاد الأوروبي

أعدّ "مركز صنعاء للدراسات الإستراتيجية" بتمويل مشترك من الاتحاد الأوروبي وسفارة هولندا في اليمن، وبالتنسيق مع شركة "ديب روت للاستشارات" و "مركز البحوث التطبيقية بالشراكة مع الشرق" الألماني (كاربو)، هذا الشهر وثيقة "إطار عمل مؤسّسي لإعادة إعمار ما بعد النزاع في اليمن"، واقترحت الوثيقة هيكلًا مؤسّسيًا لهيئة إعادة إعمار مستقبلية في اليمن تتمتّع بالديمومة والاستباقية والشفافية.

وفرض النزاع الدائر في اليمن منذ آذار (مارس) 2015 كلفة باهظة على اليمنيين، إذ أدّى إلى إلحاق أضرار بالأرواح والممتلكات والبنى التحتية وانهيار اقتصاد البلد الذي كان هشًّا أصلًا قبل بداية النزاع.

وشدّدت الوثيقة على أن جهود إعادة الإعمار اللاحقة يجب أن تتناول الحاجات والحقوق الأساسية للسكان اليمنيين وأن تضع البلد على مسار السلام والتنمية المستدامين. ورأت أهمية "إتّباع نهجا مؤسّسيا مختلطا ومتعدّد المستويات لإعادة الإعمار مع التنسيق الوثيق بين جميع أصحاب المصلحة"، نظرًا إلى أن "الحرب نالت من قدرة الحكومة على تقديم الخدمات وساهمت في تفكّك المجتمع المحلي وبناء علاقات ذات بعد طائفي، ما يجعل من غير العملي الاعتماد فقط على الهيئة العامة لإعادة إعمار ما بعد النزاع في جميع أنحاء اليمن".

وأوصت الورقة بأن يقوم اليمن استباقًا بإنشاء هيئة دائمة ومستقلة وعامة للتعمير بموجب مرسوم رئاسي، مشدّدةً على تمتّعها بولاية واضحة لتنسيق جهود إعادة إعمار ما بعد النزاع أو ما بعد الكوارث، بما في ذلك التخطيط الاستراتيجي وتصميم السياسات، وتنظيم التمويل وجمع الأموال، والتنسيق مع السلطات المركزية والمحلية، والمنظّمات الدولية، والجهات المانحة، وأصحاب المصلحة المحليين من خلال عملية تنافسية تسمح لوحدات القطاع العام وشركات القطاع الخاص بالتنافس في المناقصات، وإجراء رقابة وتقويم مستمرين لمستوى الشفافية والمساءلة.

وأكدت على ضرورة أن تكون لدى الهيئة العامة لإعادة الإعمار بروتوكولات خاصة بها للتوريد والتوظيف ودفع الرواتب، وأن تتمتّع بالقدرة على إنشاء مكاتب إعادة إعمار محلية فور وقوع أية كارثة أو انتهاء أي نزاع، علاوة على إنشاء وحدتها الخاصة للرقابة والتقويم جنبًا إلى جنب مع هيئات الرقابة والتقويم القائمة، وذلك باستخدام نظامها الداخلي، كما جاء في الوثيقة "على الهيئة الجديدة إنشاء صندوق جماعي للمانحين، سواء أكان يدار من قبل الهيئة نفسها أو تشترك في إدارته مع مصرف إنمائي دولي أو إقليمي يعمل كوصي على الصندوق".

وأظهرت تقديرات البنك الدولي أن نحو ربع شبكة الطرق هدمت إما جزئيًا أو كليًا في عشر مدن يمنية تم فيها المسح خلال العام 2016، إضافة إلى تراجع إنتاج الطاقة إلى النصف، وتدمير قرابة نصف شبكات المياه والصرف الصحي. ويتوقّع مع تفاقم حدّة الصراع أن يفوق مستوى الدمار تلك التقديرات في شكل كبير، علمًا أن النشاط الاقتصاديتقلّص بحدّة، إذ أفادت 40 في المئة من الأسر بفقدان مصدر دخلها الأساسي.

واستعرض التقرير أدبيات مختارة تتعلّق بإعادة إعمار ما بعد النزاع، تضيء على ثلاث دراسات حالة لجهود إعادة الإعمار في ثلاثة بلدان تتمتّع بخصائص قابلة للمقارنة مع اليمن هي أفغانستان والعراق ولبنان، وأتى على تجارب اليمن السابقة في مجال إعادة الإعمار سواء في أعقاب الكوارث الطبيعية أو النزاعات التي جرت خلال العقود القليلة الماضية.

وأوجز التقرير خمس مبادرات سابقة لإعادة الإعمار في اليمن، تتمثّل في مجلس إعادة إعمار ذمار والذي تأسّس عقب زلزال عام 1982، وصندوق إعادة إعمار صعدة بعد حرب صعدة الثالثة عام 2007، وصندوق إعادة إعمار محافظتي حضرموت والمهرة والذي انطلق عقب الفيضانات في عام 2009، وصندوق إعادة إعمار أبين عقب سيطرة تنظيم القاعدة على المحافظة عام 2012، و "الجهاز التنفيذي لتسريع استيعاب تعهدات المانحين ودعم تنفيذ سياسات الإصلاحات" عقب انتفاضة عام 2011. ولاحظ التقرير أن كل تلك المبادرات التي بدأت في شكل عشوائي وليس كجزء من عملية شاملة ومنظّمة، "عانت من الافتقار إلى الاستقلال والشفافية، وعدم كفاية التمويل، وضعف التنسيق بين المشاركين في جهود إعادة الإعمار".

ولتجنّب حالات الفشل السابقة رأت الوثيقة أن تتّخذ الهيئة العامة لإعادة الإعمار المقترحة "نهجًا مؤسّسيًا متعدّد المستويات ومختلطًا، يحدّد أدوارًا واضحة لجميع أصحاب المصلحة، كما يشدّد على الملكية الوطنية للعملية، وعلى الرقابة الدقيقة، والتنسيق الوثيق بين شركاء إعادة الإعمار، مع وجود إستراتيجية طويلة الأجل لزيادة قدرة الدولة".

وتعتبر الأزمة الحالية إلى حد بعيد الأشدّ خطورة في تاريخ اليمن المضّطرب، إذ أعلنت الأمم المتحدة في كانون الثاني (يناير) 2017 أن اليمن يمر بأسوأ أزمة إنسانية في العالم. وبحلول نهاية العام ذاته، كان حوالى 22.2 مليون يمني في حاجة إلى نوع من الحماية أو المساعدة الإنسانية، منهم 11.3 مليون في حاجة ماسة. وشمل ذلك 17.8 مليون شخص يعانون من انعدام الأمن الغذائي، منهم 8.4 مليون شخص يعانون من خطر المجاعة، فيما قدّر البنك الدولي تقلّص الناتج المحلي الإجمالي في اليمن بين 2015 و2017، بنسبة 37.5 في المئة. كما قامت الشركات والأعمال التجارية بتسريح أكثر من 50 في المئة من القوى العاملة في القطاع الخاص.

وأدّى التراجع الشديد للإيرادات الحكومية إلى تعليق معظم تكاليف التشغيل في القطاع العام، بما في ذلك رواتب الموظّفين الحكوميين البالغ عددهم 1.2 مليون. وتسبّب انهيار الخدمات العامة بدوره في افتقار 16 مليون شخص للمياه الصالحة للشرب، وافتقار 16.4 مليون للرعاية الصحية جزئيًا أو كليًا. وعجّل ذلك في رفع عدد الحالات المشتبه بإصابتها بالكوليرا في اليمن إلى أكثر من مليون في كانون الأوّل (ديسمبر) 2017.

وخلصت الوثيقة إلى أن جهود إعادة الإعمار وفق أي سيناريو بعد انتهاء النزاع "مهمة شاقة للغاية". وحضّت الحكومة اليمنية على البدء ببناء إطار مؤسّسي على غرار مخطّط "الجهاز التنفيذي"، والتعلّم من النماذج المؤسّسية المحلية الناجحة التي تتمتّع بمزايا الفهم العميق للمجتمع والوصول الوطني والقوى العاملة المهنية مثل "الصندوق الاجتماعي للتنمية" و"مشروع الأشغال العامة" و"صندوق الرعاية الاجتماعية".