واشنطن _ العرب اليوم
مع الولايات المتحدة التي لا تفصح عن إشارات واضحة إلى الهند بشأن موقفها من استمرار تجارة النفط مع إيران، وبعد العقوبات الاقتصادية الجديدة المقررة اعتبارًا من 4 نوفمبر/ تشرين الثاني، تبحث نيودلهي عن سبيل لمواجهة تلك العقوبات وتداعياتها.
والهند لا تفكر في قطع تام لعلاقاتها التجارية مع إيران رغم توجهها إلى تخفيض مقدار واردات النفط من طهران تحت ضغوط الولايات المتحدة الأميركية.
وتعمل وزارة المالية الهندية برفقة البنك المركزي في البلاد على صياغة آلية مشتركة تهدف إلى ضمان عدم تعطل التجارة البينية بين الهند وإيران في أعقاب القرار الأميركي الأخير بفرض عقوبات اقتصادية على استيراد النفط الإيراني الخام، بحسب ما أفاد أحد كبار المسؤولين الحكوميين في الهند.
وصرح أنوب واضوان، وزير التجارة الهندي، بأن حكومة بلاده أبلغت المصدّرين بضرورة وضع آليات عمل مناسبة لضمان عدم بلوغ العلاقات مع إيران إلى مستوى التعطل التام.
ومنحت الحكومة الهندية التفويض لمصافي النفط المملوكة للدولة باستيراد النفط من إيران عبر الناقلات الإيرانية والتأمين بالعملة الهندية المحلية مع سداد المدفوعات من خلال فرع بنك «باسارغاد» الإيراني في مومباي، وخلال حزمة العقوبات الاقتصادية الأميركية السابقة، اعتادت الهند على سداد مدفوعات شحنات النفط الإيرانية عبر بنك «هالك» التركي في أنقرة وعبر بنك «يو سي أو» الهندي.
الناقلات وشركات النفط الإيرانية
اتجهت الهند إلى الاستعانة بالشركة الوطنية الإيرانية للناقلات، بعد أن تراجعت الكثير من الشركات عن توفير الخدمات إلى إيران رغبة منها في تفادي الوقوع تحت وطأة العقوبات الأميركية بسبب تعاملاتهم الكبيرة مع الولايات المتحدة الأميركية.
وأوقفت شركة الشحن الوطنية الهندية (إس سي آي) رحلاتها إلى إيران بسبب العقوبات الاقتصادية التي فرضتها الولايات المتحدة، وكانت شركة الشحن الهندية الوطنية قد أبرمت تعاقدًا لاستيراد النفط الإيراني حتى أغسطس/ آب من العام الجاري لصالح مصفاة مانغالور للبتروكيماويات الهندية المحدودة، حسبما أفاد مصدران مطلعان على مجريات الأمور هناك.
وقالت المصادر ، إن شركة «يوروتانكر» الأوروبية، والتي كانت قد أبرمت تعاقدًا مع مصفاة مانغالور للبتروكيماويات الهندية بشأن استيراد شحنتي نفط إيرانيتين كل شهر، قد أعلنت أنها لم تعد تستطيع مواصلة تسيير الرحلات الإيرانية اعتبارا من سبتمبر /أيلول الجاري.
وأفادت المصادر، التي تتحدث شريطة عدم الكشف عن هويتها لأنه غير مصرح لها بالحديث إلى وسائل الإعلام بشأن الصفقات التجارية الهندية، بأن أحد المصادر الحكومية في وزارة التجارة، قال إن وزارة الشحن الهندية قد منحت المصافي الوطنية التفويض بشراء النفط الإيراني على أساس التكلفة والتأمين والشحن.
وبموجب ترتيبات التكلفة والتأمين والشحن المشار إليها، ستوفر إيران الشحن والتأمين، مما يمكّن المصافي الوطنية الهندية من مواصلة شراء النفط الإيراني على الرغم من عدم توافر غطاء من شركات التأمين الغربية بسبب القيود الاقتصادية التي تفرضها واشنطن.
ومن شأن هذه الخطوة أن تعود بالنفع على شركة النفط الهندية «آي أو سي»، وشركة بهارات بتروليوم المحدودة (بي بي سي إل)، ومصفاة مانغالور للبتروكيماويات الهندية (إم آر بي إل)، التي تخطط لرفع الشحنات المستوردة من إيران خلال الفترة الزمنية المتبقية من السنة المالية المنتهية في 31 مارس /آذار من عام 2019، وترغب الهند في مواصلة شراء النفط الإيراني حيث تقدم طهران خدمات الشحن المجانية تقريبًا مع فترة ائتمانية ممتدة.
ووافقت لجنة الحكومة الهندية على تفعيل بوليصة رابطة تأمين الحماية والتعويضات الإيرانية (بي أند آي) لتمديد التغطية التأمينية بالكامل بقيمة مليار دولار على الناقلات الإيرانية التي تجلب النفط الخام إلى الهند، وتعتبر بوليصة تأمين الحماية والتعويضات بمثابة رابطة للتأمين التبادلي توفر المعلومات والتمثيل التأميني ضد المخاطر لأعضاء الرابطة.
وحصل نادي رابطة «كيش» الإيراني لتأمين الحماية والتعويضات وتحالف «قشم» التأميني الإيراني على التفويض الهندي حتى فبراير/شباط من عام 2020 لتوفير التغطية التأمينية لناقلات النفط الإيرانية التي تجلب النفط الخام إلى الهند بموجب المسؤولية المحدودة المكافئة للحد للتأميني الذي توفره إحدى المجموعات التأمينية العالمية في لندن، ومن شأن ذلك أن يساعد في استمرار إمدادات النفط من إيران المتضررة جراء العقوبات الأميركية، ويساعد كذلك في تسيير خطوط الشحن وأعمال شركات التأمين الهندية.
وتعتبر الهند ثاني أكبر مشتر عالمي للنفط الإيراني، حيث تستورد في المتوسط نحو 577 ألف برميل من النفط في اليوم خلال هذا العام، أو ما يوازي 27 في المائة من إجمالي صادرات النفط الإيرانية، وفقًا إلى بيانات تتبع الناقلات على شبكة «بلومبيرغ» الإخبارية.
وسمحت الهند، وللمرة الأولى، للمصافي النفطية الوطنية بشراء 35 في المائة من وارداتها النفطية عبر الناقلات وفق الترتيب المتفق عليه مع إيران، وتعد هذه التدابير جزءًا من سلسلة من المحاولات التي تبذلها الهند لخفض فاتورة الاستيراد النفطي الباهظة في مواجهة ارتفاع أسعار النفط العالمية وضعف قيمة الروبية الهندية في المقابل.
وذكر تقرير صادر عن وكالة «رويترز» الإخبارية، بأن شركة «تشيناي» النفطية الهندية ستتوقف تمامًا عن معالجة النفط الإيراني اعتبارًا من شهر أكتوبر/تشرين الأول المقبل، بهدف الحفاظ على التغطية التأمينية بمجرد بدء سريان العقوبات الاقتصادية الجديدة ضد إيران، ومن المثير للاهتمام في هذا السياق، أن الفرع التجاري لشركة النفط الوطنية الإيرانية المملوكة للدولة يملك حصة بقيمة 15.4 في المائة في شركة «تشيناي» النفطية الهندية.
الإمدادات غير المعلنة
تشير التقارير الإعلامية ذات الصلة إلى أن ناقلات النفط الإيرانية قد بدأت في الاختفاء من أنظمة تعقب الأقمار الصناعية خلال ستة أسابيع فقط حتى ميعاد بدء سريان العقوبات الأميركية الجديد، مما يلحق الضرر بصادرات البلاد إلى الخارج، ويزيد من صعوبة الأمر على تتبع المبيعات النفطية الإيرانية.
ولم تتلق المحطات الساحلية أو الأقمار الصناعية أي إشارات من 10 ناقلات عملاقة للنفط الخام الإيراني خلال أسبوع كامل على الأقل، وفقًا إلى بيانات تتبع الناقلات على شبكة «بلومبيرغ» الإخبارية، والتفسير المرجح لذلك الأمر هو أنه تم إغلاق أجهزة الإرسال والاستقبال في هذه الناقلات، مما يزيد من صعوبة تتبع تحركاتها في البحار والمحيطات.
وعندما شوهدت للمرة الأخيرة، كانت الناقلات العشر المشار إليها تحمل قرابة 20 مليون برميل من النفط الخام والمكثفات، وعادت تلك الناقلات إلى الظهور مرة أخرى في وقت مبكر من يوم 25 سبتمبر/أيلول الجاري ، في طريقها لمغادرة الخليج العربي، مع الإشارات الصادرة عنها التي تفيد بأنها تنقل حمولة كاملة من النفط في طريقها إلى بلدة فادينار الساحلية في ولاية غوجارات الغربية الهندية.
ويؤدي اختفاء الناقلات الإيرانية إلى زيادة صعوبة مراقبة تحركاتها مع اقتراب الموعد النهائي لفرض العقوبات الأميركية في 4 نوفمبر/تشرين الثاني المقبل أمام المشترين لإيقاف عمليات شراء النفط الخام والمكثفات الإيرانية أو مواجهة الحظر من النظام المالي الأميركي.
وهناك ثلاث ناقلات كبيرة أخرى قد شوهدت وهي تغادر الخليج العربي في طريقها نحو الصين.
العروض البديلة للنفط الإيراني
كشفت المصادر الدبلوماسية، عن أن واشنطن قد عرضت على نيودلهي، خلال الحوار الاستراتيجي الثنائي بين الولايات المتحدة والهند مؤخرًا، تزويد الهند بالنفط والغاز الطبيعي بما قيمته 2.5 إلى 3 مليارات دولار خلال مهلة وجيزة إذا احتاجت البلاد إليها لمواجهة النقص الناشئ عن توقف الواردات النفطية الإيرانية بسبب العقوبات الاقتصادية.
وأضافت المصادر الدبلوماسية «أشير إلى ذلك العرض خلال الحوار الاستراتيجي الأخير في نيودلهي، ولا بد من مراجعة التفاصيل بكل عناية بعد الرابع من نوفمبر/تشرين الثاني مع بدء سريان مفعول العقوبات الاقتصادية ذات الصلة بالنفط الإيراني، وتبقى مشكلة تكاليف النقل هي العالقة بشأن جلب النفط والغاز الطبيعي من الولايات المتحدة إلى الهند».
وتوفر الجمهورية الإسلامية الشحن الرخيص وفترة الائتمان التي تمدد إلى 60 يومًا للمستوردين الهنود مثل شركة النفط الوطنية الهندية، ومصفاة مانغالور للبتروكيماويات الهندية (إم آر بي إل)، وشركة نايارا إينرجي (المسماة سابقًا شركة إيسار أويل).
وأضافت المصادر، أن الهند ستواصل اعتماد الإستراتيجية نفسها التي طبقتها في عام 2015 عندما فرض الغرب العقوبات الاقتصادية على إيران بشأن الإمدادات النفطية للخارج.
وتحركت كندا بخطوة إلى الأمام بشأن الانضمام إلى سوق الطاقة في الهند سدًا للفجوة الراهنة والناجمة عن خفض واردات النفط الخام الإيراني.
وصرح زعيم المعارضة في مقاطعة ألبرتا الكندية، جايسون كيني، خلال زيارته الأخيرة إلى نيودلهي، بأن «أهم دوافع هذه الزيارة هو محاولة إيجاد حصة للنفط الخام الكندي في الأسواق الهندية، وأن يكون جزءًا من واردات الطاقة الهندية».
وأضاف السيد كيني «ألا ترغب الهند في شراء النفط والغاز الطبيعي من دولة ديمقراطية ليبرالية مثل كندا، أم أنها تفضل شراءه من دولة استبدادية دينية راعية للإرهاب الدولي مثل إيران؟».
العنصر الصين
تعد الصين أكبر مستورد دولي للنفط الخام الإيراني، ولقد حولت وارداتها كافة من النفط الإيراني تقريبًا إلى السفن والناقلات المملوكة للشركة الوطنية الإيرانية للناقلات.
وقالت الصين، إنها لن تتوقف عن شراء النفط الإيراني على الرغم من الجهود الأميركية الرامية إلى بلوغ الصادرات النفطية الإيرانية الحد الصفري جراء العقوبات، لكن يُقال إن الصين وافقت أيضًا على عدم زيادة مشترياتها من النفط الخام الإيراني.
ولم تتوقف الصين أبدًا عن استيراد النفط من إيران حتى في ظل العقوبات الاقتصادية الأكثر شمولًا بين عامي 2012 و2015، ومن المرجح أن يستمر السيناريو نفسه بعد نوفمبر/تشرين الثاني المقبل سواء كانت واشنطن ستمنح الاستثناءات إلى بكين من عدمه.
وقالت أريان ميترا طباطبائي، أستاذة العلوم السياسية الإيرانية في لندن، «ستكون الصين، وبحق، هي المنقذ الأكبر لإيران في المرحلة المقبلة؛ ذلك لأنه على الرغم من أن هناك دولًا أخرى تعارض العقوبات الأميركية، وتعلن عدم الامتثال لها – الهند على سبيل المثال – فعندما يحين وقت الحسم، فلن تجازف هذه الدول بقطع علاقاتها مع الولايات المتحدة لصالح إيران».
ويتوقع المحللون أن تحصل بكين على خصومات كبيرة من طهران بغية شرائها أي كميات من النفط سيتعذر للغاية بيعها بعد بدء الموعد النهائي لسريان العقوبات الأميركية في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل.
ويقول بيتر هاريل، الزميل البارز لدى مركز «نيو أميركان سيكيورتي» في واشنطن والدبلوماسي الأميركي السابق من الذين عملوا على ملف العقوبات الأميركية مع الجانب الصيني، «سترغب الصين في الإعراب عن المكانة الأخلاقية العالية من خلال الإشارة إلى أن الولايات المتحدة قد انسحبت من الاتفاق النووي الإيراني بيد أن الأعمال والمصالح تأتي دائمًا أولًا».