نصر الدين معمري

ثمن الدكتور في القانون الدستوري بجامعة الحقوق والعلوم السياسية بسطيف، نصر الدين معمري، إسقاط الاقتراح المثير للجدل والمتعلق بمنصب ”نائب الرئيس الذي يكمل العهدة الرئاسية في حالة شغور منصب الرئيس وتنصيبه عبر صيغة التعيين” من الوثيقة النهائية لمشروع تعديل الدستور، لاسيما وأن الاستغناء عن هذا المقترح تم بإجماع غالبية الأطراف المشاركة في الاستشارة الواسعة على أن هذه المادة تتعارض والإرادة الشعبية التي تمنح لرئيس الجمهورية، ”ولا يمكن أن تؤول بأي شكل من الأشكال إلى شخص معين”، مشيرا في تصريح لـ"المساء ”، إلى أن المشرع وضع بدل ”منصب نائب الرئيس” آليات  ديمقراطية تسمح بإعادة الكلمة للشعب، لانتخاب رئيس جديد في حالة شغور منصب الرئيس بسبب المرض أو الاستقالة أو الوفاة”.

 

وكانت المادة 98 البند 7، الخاص بمنصب نائب رئيس الجمهورية في المسودة الأولية للدستور التي سلمت للأحزاب ولفعاليات المجتمع المدني، من أكثر المواد انتقادا، لدى الأغلبية الساحقة التي تمت استشارتها، حيث اعتبرت ”مادة شاذة” تتعارض كلية مع مبدأ الإرادة الشعبية التي تمنح لرئيس الجمهورية بعد انتخابات رئاسية تتم على أساس برنامج محدد المعالم، وبعد قيام بحملة انتخابية وطنية ولقاءات مع الناخبين.

 

وأوضح المتحدث أن المبدأ الديمقراطي لا يقبل أن يتولى منصب الرئيس المنتخب لعهدة رئاسية ممنوحة من قبل الشعب، من نائبه الذي يتم تنصيبه عبر صيغة التعيين ويكمل العهدة الانتخابية، بسبب ثبوت حالة شغور منصب الرئيس، مضيفا أنه ”لحسن الحظ أن الجزائر تخلت عن هذه المادة، لأن الأنظمة التي تعتمد هذه الصيغة في حالة شغور منصب الرئيس تعد أنظمة غير ديمقراطية”.

 

وأشار إلى أن المادة التي تم حذفها كانت تتعارض مع عدة نقاط، ”أولها أن اعتماد منصب نائب الرئيس في حال شغور منصب الرئيس يكون في الأنظمة الرئاسية بامتياز وليس في الأنظمة شبه الرئاسية كالجزائر مثلا، ففي الولايات المتحدة الامريكية التي تعتمد على النظام الرئاسي تعمل بآلية منصب نائب الرئيس في حالة الشغور منصب الرئيس، لكن ذلك، يتم بالاعتماد على آليات ديمقراطية تكرس إرادة الشعب وخياراته وذلك بأن يقوم نائب الرئيس بالحملة الانتخابية مع الرئيس قبل الانتخابات ويروج لبرنامجه ويتم انتخابه احتمالا لتوليه المنصب الرئاسي في حال حدوث شغور في منتصب الرئيس، وهذا عكس المقترح الذي كان يدعو عندنا لتعيين نائب الرئيس في حالة شغور منصب رئيس الجمهورية”.

 

كما ذكر محدثنا بأنه ”في أمريكا وإلى غاية 1967 بمناسبة التعديل رقم 25 للدستور الأمريكي، سمح لنائب الرئيس أن يصبح رئيسا في حالة الإقالة أو الوفاة أو الاستقالة، حيث تشير الإحصائيات إلى تمكن 14 نائب رئيس من الوصول للرئاسة في الولايات المتحدة الأمريكية، منهم 9 بعد استقالة أو وفاة الرئيس”.

 

وذكر الدكتور في القانون الدستوري أن الجزائر كانت تريد من خلال الاقتراح الوارد في البند 7 من المادة 98 من المسودة الأولية للتعديل الدستوري، أن تحذو حذو بعض الدول العربية التي اعتمدت أنظمتها على منصب نائب الرئيس بصيغة التعيين وليس الانتخاب، قبل أن يضيف بأنه ”لحسن الحظ المشرّع اسقط المقترح كونه يشكل تراجعا عن الديمقراطية وليس تقدما  في مسار التصحيح والتغيير المعبر عنه في حراك 22 فيفري 2019”.

 

عجز المادة 102 دفعت للتفكير في المنصب

أما بخصوص الأسباب التي دفعت المشرّع الجزائري إلى التفكير في تبني هذا المقترح، فحددها محدثنا في الأزمة السياسية التي وجدت الجزائر نفسها فيها حتى قبل حراك 22 فيفري 2019، لكن الاقتراح عاد للظهور بقوة حسب السيد معمري، بعد حراك 22 فيفري 2019 وضغط الشارع، ”حتى أصبحت هذه المادة في المسودة تشكل هاجسا حقيقيا، رغم أن الامر بسيط يقتضي إعادة الكلمة للشعب صاحب السيادة بعيدا عن الحسابات والتوازنات”، وسجل محدثنا بالمناسبة، بأن ”هذه المادة تم إرفاقها بفقرات كثيرة تعكس الاحتياطات الكثيرة حول المسألة..وأصبحت أكبر مادة في الدستور على الإطلاق بصفحة كاملة و9 بنود”. وكان الأجدر، حسب السيد معمري، ”الأخذ بمثل ما أخذ به المشرع المصري سنتي 2012 و2014 حيث أنه في حال حدوث مانع مؤقت للرئيس يتولى رئيس الحكومة أو الوزير الأول مهامه مؤقتا، وفي حالة حدوث مانع دائم يتولى مهامه رئيس البرلمان إلى غاية إجراء انتخابات رئاسية في ظرف 3 أشهر”.

 

حل إشكالية الشغور بآليات ترتب إعادة الكلمة للشعب

وحسب الدكتور معمري فقد عمد المشرّع في الأخير إلى رفع اللبس والغموض وقدم إجابات عن حالة شغور منصب الرئيس بسبب مانع مؤقت أو دائم، بآليات ديمقراطية، يتم اعتمادها إلى حين إعادة الكلمة للشعب  لاختيار رئيسه عبر الانتخاب، حيث أوضح في هذا السياق بأنه في الحالة الأولى الخاصة بـ"المانع المؤقت” يتولي رئيس مجلس الأمة رئاسة الدولة لمدة 45 يوما، بصلاحيات محدودة، تمنعه من إصدار أوامر أو تغيير الحكومة وغير ذلك، إلى حين تعافي الرئيس وعودته لمهامه، وهذا محدد في المادة 94 من المسودة، على أن يتم إثبات الشغور المؤقت عبر المحكمة الدستورية، التي لا تمدد فترة الـ45 يوما بعد انتهائها.

 

وأضاف أنه في حال استمرار المانع يعلن الشغور بالاستقالة وجوبا، ”بمعنى أنه يجبر الرئيس على تقديم استقالته، وفي هذه الحالة تثبت المحكمة الدستورية ”الشغور النهائي” بتصويت ثلاث أرباعها بعد اجتماع البرلمان بغرفتيه وإعلانه حالة الشغور، حيث يتولى رئيس مجلس الأمة رئاسة الدولة لمدة 3 أشهر وتنظم الانتخابات الرئاسية التي تعيد الكلمة للشعب ليختار من يحكمه”. أما الحالة الثالثة، وهي نادرة، حسب محدثنا، ولكن المشرع أخذ احتياطاته بشأنها، فتتعلق بالشغور المزدوج لكل من منصب رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الأمة، وهنا تعود رئاسة الدولة إلى رئيس المحكمة الدستورية الذي يتولى بدوره مهام رئاسة الدولة لمدة 3 أشهر تنظم خلالها الانتخابات الرئاسية. ”وقد حدثت هذه الحالة سنة 1992، عندما قدم الرئيس الأسبق للجمهورية الشاذلي بن جديد استقالته وتم حل البرلمان، فدستور 1989 لم يكن يعالج هذه الاشكالية بوضوح، حيث اضطر المشرع إلى خلق آلية مجلس الدولة لأنه وقع في فراغ دستوري”.

كما أكد المتحدث أن المشرع أخذ بعين الاعتبار التجربة التي عاشتها الجزائر بسبب رفض الحراك للانتخابات لمدة تجاوزت 6 اشهر، حيث تم تأجيل الانتخابات الرئاسية مرتين من أفريل إلى جويلية ثم إلى 12 ديسمبر2019، ولهذا تم النص في المادة 94 على أنه ”إذا لم تنظم الانتخابات الرئاسية في 3 أشهر لأي سبب، يمكن التأجيل لمدة لا تتجاوز 3 أشهر، وذلك بالنظر لأهمية إعادة الكلمة للشعب في أقرب الآجال. على العموم، يرى المتحدث، أن اسقاط منصب نائب الرئيس عبر التعيين يعدّ أمرا مهما، ينسجم وطبيعة النظام شبه الرئاسي المعتمد من قبل الجزائر، والأهم من ذلك أن التخلي عن منصب نائب الرئيس في مشروع التعديل الدستوري، ينم عن الحرص الشديد على تكريس الإرادة  الشعبية التي كانت أولى المطالب التي رفعها الحراك الشعبي، عندما تمسك بتطبيق المادتين 7 و8، كما يعكس التخلي عن هذا المنصب، الالتزام بتحقيق التوافق في اعتماد دستور جديد يؤسس بشكل فعلي لدولة عصرية وديمقراطية.

قد يهمك ايضا:

"تجمع أمل الجزائر" يدعو أطياف الشعب إلى المشاركة في الاستفتاء على تعديل الدستور  

حملات لحشد التأييد للاستفتاء على تعديل الدستور في الجزائر