زيارة الملك سلمان بن عبد العزيز إلي مصر

دلالات ورسائل عدة تعمل مصر على توصيلها للعالم العربي عامة والدولي خاصة بعد زيارة عدد من ملوك ورؤساء العالم بزيارة مصر خلال شهر نيسان/ أبريل الماضي، وكان من بينهم حمد بن عيسى آل خليفة ملك البحرين، والملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود ملك السعودية، وكذلك الشيخ محمد بن زايد ولي عهد الإمارات بالإضافة إلى الرئيس الفرنسي فرانسوا أولاند.

ووفقًا للخبراء فهذه الزيارات وإن كانت معتادة بين الدول لكنها بلا شك تبعث رسائل عديدة على المستويين الاقتصادي والسياسي، لكن ما سر هذه الزيارات في الوقت الحالي؟ وما تأثيرها على الصعيدين السياسي والاقتصادي؟ وهل تعطي بذلك رسالة على الاستقرار الأمني والسياسي مما ينعكس على النمو الاقتصادي؟ وكيف يرى الخبراء الوضع الحالي في مصر سيما بعد الأزمات المتتالية التي تتعرض لها سواء على الصعيد الدولي أو المحلي، والتي كان آخرها أزمة الدولار، ومن قبلها حادثة مقتل الباحث الإيطالي ريجيني؟ وكيف تنهض مصر اقتصاديا؟ ولماذا لا تستعين بتجارب الدول الأخرى مثل سنغافورة والصين وكوريا؟ أسئلة كثيرة حاولنا الإجابة عليها في التحقيق التالي.

قالت أستاذ الاقتصاد في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية الدكتورة عالية المهدي إن زيارة ملوك ورؤساء الدول إلى مصر تؤكد أن الدولة المصرية محل اهتمام تلك الدول وتسهم في توطيد العلاقات الدولية، موضحة أن مردود تلك الزيارات لا يمكن أن نوضحه في الوقت الحالي، ولكن يمكن معرفة صدى تلك الزيارات في نهاية العام الجاري بعد تفعيل الاتفاقات المشتركة. وتضيف أن تلك الزيارات ليست ترجمة حقيقية لمؤتمر شرم الشيخ الاقتصادي ولكنها زيارات تمت بمعزل عن المؤتمر الاقتصادي، لافتة إلى أن ليست جميع الزيارات لها طابع اقتصادي، لكن لها طابع سياسي، وعلاقات سياسية دفاعية قبل أن تكون علاقات اقتصادية. وتشير إلى أن مشكلة الدولار تمثل عرض لمرض وهو الاقتصاد المصري، موضحة أنه يجب أن يتم علاج الاقتصاد بمزيد من الإنتاج والعمل، وأن سعر صرف الدولار ليس هدفا في حد ذاته، لكن الهدف هو زيادة معدلات النمو الاقتصادي.

وأوضحت المهدي أن الاقتصاد المصري يعاني العديد من المشكلات ومنها قلة الاستثمار والإنتاج وتراجع الصادرات، بالإضافة إلى تراجع السياحة ودخل قناة السويس، وضعف تحويلات المصريين في الخارج، وأن الأزمة ناتجة عن أداء اقتصادي سيئ، مشددة على أن العلاج ليس بالاقتراض ولكن بمزيد من الإنتاج والعمل والاستفادة من القطاعات المنتجة إنتاج سلعي ومنها الزراعة والصناعة. وتؤكد أن أزمة ريجيني نموذج لسوء إدارة الأزمة من كل الأصعدة، وأن أداء الحكومة في التعامل مع الأزمة غير جيد، بالإضافة إلى أزمة تيران وصنافير التي لم تتحين الحكومة ومؤسسة الرئاسة الوقت المناسب، وكان يجب اللجوء إلى التحكيم الدولي.

ويرى مساعد وزير الخارجية الأسبق وأمين عام اتحاد المستثمرين العرب السفير جمال بيومي أن زيارات الملوك والرؤساء إلى مصر دليل على أن مصر "صحيت"، فقد شهدت مصر زيارة عدد من ملوك الدول العربية والأفريقية خلال شهر نيسان/ أبريل الماضي. وشدد على أن مصر لن تسقط، مضيفًا "مصر لم تتراجع عن دورها، وستنهض، مؤكدًا أن هناك بعض العقبات التي تواجه الاقتصاد المصري ولكن في طريقها للحل.

وقال الخبير الاقتصادي والمصرفي الدكتور مجدي عبد الفتاح إن زيارة ملوك ورؤساء الدول إلى مصر لها العديد من الدلالات والتأثير القوي على العلاقات بين مصر وتلك الدول في المجالات الاقتصادية والسياسية والعسكرية، لافتًا إلى أن تلك الزيارات لها عائد كبير على الاقتصاد المصري، موضحًا أن ولي عهد أبو ظبي ذكر أن الشيخ خليفة بن زايد خصص 4 مليارات دولار لدعم الاقتصاد المصري منهم 2 مليار دولار لدعم الاحتياطي الأجنبي، و2 مليار دولار لدعم الاستثمار في مصر. ويضيف أن تلك الزيارات تُعد صدى لمؤتمر شرم الشيخ لدعم الاقتصاد المصري وتهدف إلى تعزيز وتفعيل الاتفاقيات التجارية والسياسية بين مصر وتلك الدول.

ويوضح عبد الفتاح أن تلك الدول تسعى لمصلحتها أيضًا من خلال التوجه نحو دعم ومساندة مصر من أجل فتح أسواق خارجية لها في مصر والتوجه نحو السوق الأفريقي عبر مصر، وتعزيز العلاقات الاقتصادية وبحث فرص التعاون المشترك. وأكد أن مشكلة الدولار تتمثل في ضعف الموارد السيادية للدولة من الدولار نتيجة انخفاض حصيلة المرور في قناة السويس نتيجة تباطؤ حركة التجارة الدولية، وقلة الاستثمار الوافد نتيجة الروتين والبيروقراطية وعدم الاستقرار، لافتًا إلى أن من ضمن أسباب مشكلة الدولار قلة السياحة وضعف الموارد السياحية بفعل تداعيات الطائرة الروسية، وتراجع حجم أموال المصريين العاملين بالخارج لاستحواذ تجار العملة على جزء كبير منها عن طريق تواجدهم في تلك الدول.

 ويشير إلى أن المشكلة تتمثل في نقص مواردنا من العملة الأجنبية التي نعتمد عليها في الاستيراد ونستورد بنحو 60% من حاجات الشعب المصري، بالإضافة إلى أن المشروعات القومية التي تنفذها الدولة تستنفذ جزءا كبيرا من موارد الدولة من النقد الأجنبي، موضحًا أنه بمجرد ضخ الوديعة الإماراتية بقيمة 2 مليار دولار والوديعة السعودية بقيمة 3 مليارات دولار ستسهم في زيادة الاحتياطي الأجنبي من 16.5 مليار دولار إلى 21.5 مليار دولار؛ مما يسهم في توفير العملة الصعبة لدى المستوردين، ويسهم في تراجع سعر الدولار بالسوق السوداء.

وقال رئيس مركز المستقبل للدراسات الاقتصادية الدكتور جمال القليوبي إن زيارات ملوك ورؤساء الدول إلى مصر خلال الفترة الماضية كانت بمثابة دعوة من مؤسسة الرئاسة للدول العربية والأجنبية للاستثمار في مصر من خلال تنمية محور قناة السويس والإسهام في إنشاء العاصمة الإدارية الجديدة. ويوضح القليوبي أنه بدعوة تلك الدول لزيارة مصر وجدت ضالتها عقب تراجع أسعار النفط ووقوع عجز اقتصادي لديها ومنها الكويت والبحرين والسعودية، لافتًا إلى أن المردود من تلك الزيارات هو إحداث شراكة والبحث عن مناطق جديدة للاستثمار، وتحويل جزء من إيداعات تلك الدول للاستثمار في الاقتصاد المصري، مطالبا بضرورة إنجاز الجسر البري بين مصر والسعودية الذي سيسهم بشكل كبير في زيادة حركة التجارة والسياحة.

ويؤكد أن مشكلة الدولار مصطنعة بهدف إسقاط الدولة، موضحًا أن البنك المركزي لم يحكم قبضته على شركات الصرافة بشكل جيد، وأن 95% من شركات الصرافة يملكها رجال أعمال، وأن هذه الصرافات وصلت إلى العاملين بالخارج واستحوذوا على أموال المصريين العاملين بالخارج من خلال أسعار مغرية. ويوضح أن كثيرا من رجال الأعمال أحرجوا الدولة في عدم توفير العملة الصعبة، وأن هناك نوعا من التخاذل في تطبيق القانون، مطالبا الدولة بالضرب بيدٍ من حديد على كل من تسول له نفسه المساس بأمن مصر الاقتصادي أو الأمني، وأن من يتلاعب بسوق الصرف يجب اعتقاله فورًا لأنه يؤثر على أقوات الشعب المصري.