أسواق العراق

تشهد أسواق العراق هذه الأيام، ركودا ملحوظا في التبادل التجاري والتبضع على السلع الاستهلاكية والحاجات اليومية، مقتصرة على الاساسية منها متأثرة بتراجع واردات النفط التي تعدُّ العمود الفقري لموازنات الدولة.

وعزا خبراء اقتصاديون حالة الانكماش في الاسواق الى عدة اسباب، ابرزها ضعف الاقبال على الشراء لمخاوف مستقبلية من المواطنين، بالاضافة الى عامل نفسي لديهم خشية من المستقبل مع ما يمر به البلد من ظروف اقتصادية وامنية معروفة.

وأكد تجار في سوق جميلة شرقي بغداد، أن السوق تعاني حالة "موت سريري" نتيجة تداعيات الأوضاع السياسية والأمنية والاقتصادية الحالية، وتوقعوا أن تنتعش السوق مجدداً بعد تحرير مدينة الفلوجة والبدء بإعمار المناطق المتضررة من "الإرهاب.

وقال منصور حميد صاحب محل لبيع المواد الغذائية في سوق جميلة، في مدينة الصدر، شرقي بغداد، في تصريح لـ"العرب اليوم" إن "حركة السوق باتت ضعيفة منذ مطلع شهر أيار 2015"، عازياً السبب إلى "التقشف المالي وتداعيات الأوضاع الاقتصادية والأمنية".

وأضاف القريشي، أن "الحركة في سوق جميلة شبه مشلولة بسبب قيام السيطرات الأمنية بمنع أو تأخر دخول الشاحنات ما أدى إلى تراجع وارد تجار الجملة في سوق جميلة، من خمسة ملايين إلى نصف مليون دينار يومياً"، مشيراً إلى أن "أسعار المواد الغذائية شهدت ارتفاعاً طفيفاً نتيجة فرض التعرفة الجمركية مما أنعكس على المواطن واضطره الى تقليل مشترياته".

من جانبه قال الياس محمد وهو مستورد اجهزة كهربائية، لـ"العرب اليوم"، إن "حركة السوق تعاني حالة موت سريري منذ أحداث حزيران من العام 2014، وتداعياتها السياسية والأمنية والاقتصادية، مما اضطر التجار ليبيعوا بضاعتهم بأيّ ثمن ليتمكنوا من سد ايجار محالهم وأجور عمالهم"، مؤكداً أن "حركة الاستيراد قلّت بنسبة 30% وهي مستمرة بالتراجع ربما إلى النصف، مع تكسد البضائع في مخازن التجار نتيجة قلة الطلب عليها".

وأوضح محمد، أن "التجار كانوا يتوقعون أن تشهد السوق حركة مع حلول الصيف ويتوقعون نتيجة ارتفاع الطلب على أجهزة التكييف، لكن أحلامهم تلاشت نتيجة تأزم الوضع السياسي واستمرار تردي الكهرباء، ولجوء المواطنين إلى الاحتفاظ بأموالهم للمستقبل المجهول"، متوقعاً أن "تعاود السوق نشاطها بعد تحرير مدينة الفلوجة والبدء بإعمار المناطق المتضررة من الإرهاب".

وعزا خبراء اقتصاديون حالة الانكماش في الاسواق الى عدة اسباب، ابرزها ضعف الاقبال على الشراء لمخاوف مستقبلية من المواطنين، بالاضافة الى عامل نفسي لهم خشية من المستقبل مع ما يمر به البلد من ظروف اقتصادية وامنية معروفة.

وقال الخبير الاقتصادي ماجد الصوري لـ"العرب اليوم" "بشكل عام هناك ركود اقتصادي ناجم عن الاوضاع الاستثنائية التي يمر بها العراق مع انخفاض النفقات والحذر من المستقبل ما انعكس على تراجع الطلب وأدى الى بطء حركة الاسواق".

وعزا الصوري اسباب هذه المخاوف سواء من المتبضعين (المواطنين)او التجار " للحفاظ على الاموال من اجل المستقبل وتأمينه والاتجاه نحو الادخار لان لا فائدة من الانفاق حاليا وحتى ربما البعض يفكر في السفر للخارج اذا ما استمرت الاوضاع الراهنة".

ولفت الى "تأثر قيمة الدينار العراقي وانخفاضها بسبب ارتفاع اسعار الدولار ولهذا عدة اسباب منها القرار الاخير للبنك المركزي العراقي الذي فرض على المصارف استقطاع بنسبة 8% من قيمة التحويلات المالية للبنوك على اساس انها ضرائب وكمارك وهذه ليست المشكلة الاساسية فقط وانما ايضا العامل النفسي الذي أدى للجوء اصحاب الاموال والميسورين الى شراء الدولار خوفا من المستقبل باستمرار انخفاض قيمة الدينار العراقي".

وأشار الخبير الاقتصادي الى ان "الوضع الاستثنائي الذي يمر به العراق ادى الى وجود حالة من الركود في جميع المجالات وتعطل جزء كبير جدا لحالة الاقتصاد في المحافظات التي تشهد عمليات عسكرية ومناطق محتلة من تنظيم  داعش وادى بسببها الى انخفاض الطلب والانتاج العراقي في تلك المناطق".

وأتفق الخبير الاقتصادي باسم جميل انطوان الى حد ما لما ذهب اليه الخبير الصوري في اسباب حالة الكساد الاقتصادي وان كان بنسب لم تصل الى حالة الخطر على اقتصاد العراق.

وقال انطوان لـ"العرب اليوم" ان "انخفاض أسعار النفط اثر بشكل كبير على واقع الموازنات العراقية حيث كانت ايرادات النفط قبل انخفاض الاسعار العالمية في الصيف الماضي تصل الى 300 مليون دولار في اليوم وهذا المعدل انخفض حاليا الى نحو النصف وأصبح 150 مليون دولار وهذا أثر بشكل كبير على النشاطات في القطاعات الاقتصادية والزراعية واعمال البناء وكذلك توقفت الحكومة عن تسديد ما بذمتها من مبالغ وديون للمشاريع والمقاولات التي تقل نسبة انجازها 50%".

وأضاف ان "كثيرا من المقاولين والمصارف حصل معها تلكؤ في تسديد ديونها لعدم وجود سيولة نقدية اضافة الى النفقات الكبيرة على المجهود الحربي والنازحين" مشيرا الى ان "من ابرز أجندة متطرفة هي أجندة اقتصادية بامتياز".

وأشار انطوان الى "قيام الحكومة بوضع عدة خطة لمواجهة ما يعيشه الاقتصاد الوطني اليوم وبعد عدة دراسات جرت في مكتب رئيس الوزراء شُكل فريق عمل لتنشيط الواقع الاقتصادي وتعزيز موارد الموازنة وتقليل العجز عن طريق دعم القطاعات الانتاجية وتقليص النفقات وايجاد مصادر دخل اخرى عن طريق فرض الرسوم والضرائب على البضائع المستوردة مثل السيارات وعلى السلع الكمالية مثل أجور خدمات الاتصالات والانترنيت وكارات شحن الهواتف النقالة وغيرها التي اقرت في قانون موازنة 2015".

واوضح الخبير الاقتصادي ان "الحكومة أقدمت أيضاً على خطة اقتصادية جديدة بتخصيص البنك المركزي العراقي مبلغ تريليون دينار لمنحها الى المصارف كقروض للمصارف الانتاجية والزراعية والصناعية وقروض الاسكان بفوائد ميسرة وكذلك للمشاريع الصغيرة والمتوسطة لاعادة تحريك عجلة الاقتصاد واذا اعطيت هذه القروض فقد تنشط حركة السوق".

ووصف انطوان الواقع الاقتصادي العراقي على الرغم مما تمر به الاسواق من حالة ركود بـ"الجيد ولكن توجد شحة في السيولة النقدية".

لكنه أكد وجود حالة من الانكماش الاقتصادي في البلد الذي عرفه بانه "يقل فيه دخل المواطنين الذين يشكلون نحو 4.5 مليون فرد من قوى العمل في القطاع الخاص في العراق وهؤلاء انكمشت قوتهم الاقتصادية وكذلك نفقاتهم وهم يمثلون اصحاب دخل لعوائل كبيرة قد تكون لنحو 20 مليون فرد بحساب عدد افرادها بمعدل 5 اشخاص وهؤلاء أصبحوا خارج التسوق الاستهلاكي الذي يكون فقط لسد الحاجات الأساسية ورمق الحياة".