البطالة في العراق

اضطر عدد من الأسر العراقية في الآونة الأخيرة للعمل بأكثر من وظيفة لسد النقص الحاصل جراء ازدياد وغلاء المعيشة، بالإضافة إلى تأمين احتياجاتهم ومستقبل عائلاتهم، في حين عدت جهات حكومية أن هذا الأمر يفاقم ظاهرة البطالة التي ارتفعت بنسبة 65% بعد العام 2003.

وأكد عبداللطيف الزيدي (40 عامًا)، الموظف في إحدى الوزارات الخدمية براتب كلي قدره 700 ألف دينار، في حديث لـ"العرب اليوم"، أن "الراتب الحكومي لا يكفي لقضاء نصف احتياجاتي ما اضطرني للعمل مساءً في شركة استشارية، من الثالثة عصرًا وحتى العاشرة ليلاً، براتب قدره 600$، وذلك لم يؤد إلى تحقق أمنياتي كالمنزل الجيد أو السيارات الفاخرة".
وأعرب الزيدي عن خشيته من أن "ينتج العمل المزدوج مشاكلًا تسبب طردي من دائرتي؛ لأن قانونها لا يسمح بذلك، وكثيرًا من الشباب العراقي يعملون في أكثر من مكان لتأمين متطلبات عيشهم ومستقبلهم".

وذكر نافع مطر (39 عامًا)، الذي يعمل صباحًا مدرسًا للغة العربية شمال بغداد، ليعمل بعد الظهر في إحدى الصحف العراقية كـ"مصحح لغوي"، في حديث إلى "العرب اليوم"، أن "الساعات الـ13 التي أعمل خلالها مهلكة وسببت لي مشاكل صحية، لكن صعوبة الأوضاع المعيشية واحتياجات عائلتي تتطلب ذلك".
وأضاف مطر أن "الخوف من المستقبل، والظروف الأمنية غير المستقرة، اضطرتني العمل في وظيفتين تحسبًا لأي طارئ، وظيفتي كـ"مدرس" في إحدى المدارس الحكومية لا تكفي لدفع حساب أجور الكهرباء وأجور شبكة الإنترنت وحاجات ومتطلبات الأطفال، ما أدى إلى بقائي مدة من الزمن في حالة معيشية سيئة قبل العثور على عمل، وجعلني في وضع معيشي لا أحسد عليه، حفزني بعدها على العمل المزدوج".

وأوضح المدير العام لدائرة التشغيل في وزارة العمل والشؤون الاجتماعية، رياض حسن، في حديث إلى "العرب اليوم"، أن "العمل في وظيفتين يشكل ضياعًا للفرص ويفاقم البطالة، الوزارة تواجه تحديات في توفير فرص العمل لاسيما للذين لا يملكون مهارات ذهنية أو بدنية، وتبذل جهدًا كبيرًا بتنظيم ورش عمل ودورات لإكسابهم مهارات تعزز فرص عثورهم على عمل".
وكشف حسن عن "وجود 22% من العمال المهرة، يعملون بدوام مزدوج"، عادًا أن ذلك يسهم في نوع من المنافسة غير المشروعة بالنسبة للمتقدمين الجدد للوظائف، مع عدم إمكانية منعه أو ردعه إلا مع شريحة الموظفين الحكوميين لأن القانون لا يسمح لهم بذلك.

وشكا المدير العام من أن ذلك "القانون لا يشمل القطاع الخاص، ما يجعل من نوع المهارة وجدارتها هي الفرصة الوحيدة للحصول على وظيفة".
من جهته، أفاد مسؤول في وزارة التربية، فضّل عدم الكشف عن اسمه، أن "الوزارة منعت معلميها ومدرسيها، منذ العام 2012، من العمل في المدارس الأهلية أو إعطاء دروس خصوصية، والقرار جاء لأن بعض المدرسين والمعلمين يقومون بالضغط على طلبتهم لإجبارهم على الالتحاق بالمدارس الأهلية التي يعملون فيها".

وأضاف المسؤول التربوي أن "الوزارة قررت إضافة مبالغ على رواتب معلميها ومدرسيها لتعويضهم عن العمل الإضافي، برغم أنها لا توازي بالتأكيد ما يمكن أن يتقاضونه، لكن المصلحة العامة فوق كل شيء"، بحسب تعبيره.
من جانبها، رأت وزارة التخطيط أن العمل المزدوج يزيد من حجم البطالة، مبينة أنها ستجري مسحًا ميدانيًّا لسوق العمل.

وقال المتحدث باسم الوزارة، عبدالزهرة الهنداوي، في حديث إلى "العرب اليوم"، إن "العمل في وظيفتين يزيد من حجم البطالة التي بلغت نسبتها حتى تشرين الأول 2015 الجاري، 11%، وأن الوزارة تواصل جهودها مع باقي الوزارات، لتنفيذ أوسع مسح ميداني لسوق العمل في العراق سواء في القطاعين العام أم الخاص".
وأوضح الهنداوي أن "البطالة في أعلى صورها بالنسبة للخريجين"، عازيًا ذلك إلى عدم وجود قاعدة بيانات تحدد مسارات الجامعات ما أدى إلى أن الآلاف من الخريجين لا يمارسون اختصاصاتهم.

إلى ذلك قال الخبير الاقتصادي، ماجد الصوري، في حديث إلى "العرب اليوم"، إن "ظاهرة العمل في وظيفتين زادت بنسبة 65% بعد العام 2003، نتيجة الانفتاح الاقتصادي وكثرة الشركات وما تدفعه من رواتب مجزية، في ظل غياب العمالة الخارجية".
وتتهم اللجنة المالية البرلمانية، الحكومات السابقة بعدم الاهتمام الكافي بالشباب؛ إذ ذكر عضو اللجنة المالية فالح الساري أن "الحكومات السابقة التي أعقبت العام 2003، لم تهتم كثيرًا بالشباب ما أثر سلبًا في الجانب الأمني، لاسيما أن المتطرفين استغلوا بطالة الشباب"، عادًا أن "الحكومة ينبغي أن تعيد النظر بالحركة الاقتصادية لتنشيط القطاع الخاص وإعادة النظر بالقوانين الخاصة بذلك".

وكانت وزارة التخطيط توقعت، في 19 نيسان/أبريل 2015، ارتفاع معدلات الفقر بين العراقيين لأكثر من 30% خلال الأشهر الثلاثة الماضية بعد موجة النزوح في عدد من المحافظات، مبينة أن مستويات الفقر في العراق للعام 2014 المنصرم، كانت 22.5%".
يذكر أن مئات الآلاف من العراقيين لاسيما الشباب، عمدوا إلى الهجرة للخارج نتيجة استمرار العنف والتردي الاقتصادي.