جولة للجنود في حقل نفطي في بالوغ في محافظة النيل العليا في جنوب السودان
الخرطوم ـ عبد القيوم عاشميق
أكد الخبراء الاقتصاديون أنه "على الرغم من تلقي خزانة دولة جنوب السودان ما يزيد عن عشرة مليارات دولار أميركي من عائدات النفط خلال الفترة من العام 2005 وحتى كانون الثاني/يناير 2012، وذلك وفقًا لتقارير البنك الدولي وتصريحات المسؤولين في الحكومة الجنوبية"، لكن خبراء التنمية
يقولون إن "هذه العائدات لم تتحول بعد في شكل مدارس ومستشفيات وطرق ومشروعات زراعية". ويطالب هؤلاء الحكومة بـ "البدء في مشروعات استثمارية تعود بالفائدة على الدولة وأفراد الشعب الذي لايزال يفتقد إلى أساسيات الخدمة والرعاية الاجتماعية".
يذكر أن جنوب السودان كان قد توقف عن إنتاج النفط في أعقاب خلافاته مع دولة السودان في الشمال حول رسوم الترانزيت لهذا العام. ومن المتوقع أن يتم استئناف إنتاج النفط خلال الأشهر القليلة المقبلة، وذلك بعد أن توصل البلدان إلى اتفاق في هذا الشأن في أيلول /سبتمبر الماضي.
ويقول الباحث في كلية دراسات السلام والتنمية في جامعة جوبا، ليبين نيلسون ماريو إن "الحكومة في جنوب السودان في حاجة إلى البدء في تخصيص جانب من عائدات النفط لاستثماره في إقامة البنية التحتية للبدء في عملية التنمية". وأضاف أن "الأموال النفطية لابد وأن تستغل بأسلوب يعود بالفائدة على البلد ككل، وليس على قلة قليلة قريبة من خزانة الدولة".
وعلى الرغم من أن الحكومة في جنوب أفريقيا تساعد في تمويل التعليم الابتدائي والثانوي والخدمات الصحية في المستشفيات في بعض عواصم المدن، لكن هذه المساهمات لا تزيد عن الحد الأدني. وفي بعض المستشفيات تقوم المنظمات غير الحكومية بصرف رواتب العاملين فيها وتحمل تكاليف الأدوية، وفي بعض الأحيان تتحمل المنظمات الدولية التي لا تهدف إلى الربح بتحمل تكاليف توريد الكتب والأدوات المكتبية للمدارس.
ويقول مورو إن "الحكومة مطالبة بتبني أساليب جديدة لاستثمار عائدات النفط بحيث تصب في مشروعات التنمية، لاسيما وأن هناك الكثير من المناطق في البلاد تفتقد إلى الأمن الغذائي، الأمر الذي يتطلب إنشاء الطرق التي تربط المدن بمناطق إنتاج المواد الغذائية".
يذكر أن الطرق الممهدة والمعبدة في جنوب السودان لا يزيد طولها عن 110 كيلومترات في العاصمة جوبا، إضافة إلى طريق واحد فقط يربط المدينة بالحدود مع أوغندا. وهناك الكثير من المناطق التي لا يمكن الوصول إليها إلا عن طريق النقل الجوي.
وأضاف مورو أن "الحكومة مطالبة بتنظيم أولوياتها بالنسبة للتعليم والخدمات الأساسية مثل الرعاية الصحية، فهناك الكثير من الشباب الذي يحتاج إلى تطوير مهاراته من خلال برامج تدريبية تمكنه من الحصول على فرصة عمل، كما يحتاج أيضًا إلى رعاية صحية تجعله سليمًا قادرًا على العمل".
إن غالبية سكان جنوب السودان الذين يقدر تعدادهم بحوالي تسعة ملايين نسمة، لا يتمتعون بأي شكل من أشكال الرعاية الصحية. ووفقًا لبيانات وزارة الصحة، فإن عدد الأطباء في البلاد لا يزيد عن 120 طبيبًا و100 ممرض وممرضة و150 داية مؤهلة. وفي بعض المناطق الريفية يضطر المريض أن يمشى ما يزيد عن يومين أو أكثر حتى يصل إلى أقرب مركز رعاية صحية.
وتشير التقارير الدولية إلى أن "بعض أسوأ المؤشرات الصحية في العالم توجد في جنوب السودان". ويشير صندوق السكان التابع للأمم المتحدة إلى أن "معدل وفيات الأمهات في جنوب السودان هو الأسوأ عالميًا، والسبب في ذلك هو افتقاد الأمهات إلى الولادة في مراكز طبية رسمية، كما أن المستشفيات تفتقد إلى الأدوية والمعدات والعمالة المدربة".
ويقول الخبير الاقتصادي في البنك الدولي في مجال تنمية القطاع الخاص، كيني سبنسر إن "النفط مورد من الموارد الطبيعية غير المتجددة، وبالتالي فإن عائداته لابد وأن تستغل في تنمية القطاعات الأخرى مثل الزراعية التي هي في واقع الأمر مستقبل الاقتصاد في جنوب السودان، لكن الحكومة لم تتخذ أي إجراء في تطوير الزراعة".
وأضاف سبنسر أن "نسبة الأمية المرتفعة في البلاد تعيق جهود التنمية، إذ بلغت نسبتها 73 % خلال العام 2011 ، وقال إن "البلاد في حاجة إلى تعليم فني، لا تعليم نظري، لأن تنمية البلاد في حاجة إلى السباك والكهربائي والميكانيكي والنجار وغيرهم من المهنيين، وفي مثل هذه المجالات لابد من استثمار عائدات النفط".
ويأمل خبراء التنمية أن "تتوقف الحكومة عن سياسة التقشف بعد استئناف ضخ النفط اعتبارا من شباط/فبراير المقبل، والذي يمثل نسبة 98 % من إجمالي الناتج المحلي".
وهناك الكثيرون الذين أعربوا عن استيائهم بسبب هذه السياسة في بلد المنغلق، فقد قام 30 من رجال الشرطة بمهاجمة مفتش الشرطة والاعتداء عليه بسبب خفض أجورهم. كما قام عدد من الضباط بالاعتداء على رؤسائهم بعد خفض رواتبهم.
ويقول مورو إن "الحكومة في حاجة إلى رفع رواتب العاملين في الخدمة المدنية فور البدء في إنتاج النفط". وكان رئيس البلاد سلفا كير قد وعد في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي بأنه "سيشرع تسخير الموارد من أجل توفير الخدمات فور استئناف إنتاج النفط". يذكر أن 40 % من ميزانية البلاد يتم إنفاقها على الدفاع، كما أن نسبة ضخمة من الميزانية يبتلعها الفساد.